المذهب الحنبلي

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48
  • مدخل .
  • آراء ابن حنبل .
  • أصول المذهب الحنبلي .
  • تطور المذهب.
مدخل

ولد أحمد بن حنبل في مدينة بغداد في شهر ربيع الأول من سنة\164هـ، وتوفي في شهر ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة منه سنة\241هـ.

اختار ابن حنبل مسلك آهل الحديث، وكان أول من كتب عنه الحديث أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، مع دراسة الفقه الأثري، واطلع على فقه أهل مدرسة الرأي في العراق، ومسلكهم في الاعتماد على الاجتهاد والفتوى والقضاء.وكانت دراسته لهذا الفقه دراسة المتفحص بعد تمكنه من دراسة الحديث فاختار طريق أسلافه في الاجتهاد والفتوى ورضي مسلكهم.

التقى في إحدى رحلاته إلى الحجاز بالشافعي فأخذ عنه الفقه وأصوله في الاستنباط ، والتقى بسفيان بن عينية في مكة وروى عنه، والتقى بعبد الرزاق بن همام في صنعاء فأخذ عنه الحديث أيضاً، وقد اعتمد في طلبه للحديث والعلم على التدوين.

اشتهر أحمد بن حنبل بمحنة خلق القرآن، وكان سبب هذه المحنة دعوة الخليفة العباسي المأمون للفقهاء والمحدثين أن يقولوا بخلق القرآن كما يقول المعتزلة الذين قربهم وجعلهم أصحابه وخاصته، واختار منهم صفوته ووزراءه، وجعل من آرائهم شعاره، والسبب في ميل المأمون للمعتزلة ومقالتهم أنه كان تلميذاً لأبي الهذيل العلاف في علم الأديان، وأبو هذيل كما هو معروف من علماء المعتزلة.

أراد المأمون أن يحمل أحمد بن حنبل على القول بمقالته في خلق القرآن بعد أن حمل الناس والعلماء من المحدثين والفقهاء على القول بذلك بقوة السلطان فرفض ذلك بقوة فشُد له الوثاق، وكُبل بالحديد، واستعمل معه المأمون شتى الوسائل فلم تجد نفعاً، فضُرب بالسياط مدة طويلة ، وبعد أن استيأسوا منه أطلق سراحه، وعاد إلى مجلسه للتدريس .

آراء ابن حنبل

ذهب أحمد بن حنبل إلى أن الإيمان قول وعمل، وانه يزيد وينقص،، وان العاصي مسلم، ولا يسمى مؤمناً، وبذلك يقترب من المعتزلة، ولكنه يخالفهم بأن من يموت عاصياً فإن أمره مفوَّض إلى الله سبحانه، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، وبذلك خالف المعتزلة الذين يرون أن من يموت عاصياً يخلد في النار.

أما فيما يتعلق بمرتكب الكبيرة فذهب مذهب فقهاء السنة من أن أمره مفوَّض إلى الله، فيرجى للصالح القبول والجنة، ويُخاف على المسيء المذنب، وترجى له الرحمة، ولا يكفر أحد من أهل التوحيد بعمل الكبائر، ولكنه يخص تارك الصلاة بالحكم عليه بالكفر من بين كل الذنوب، لأنه حمل الأحاديث الواردة بكفر تارك الصلاة على ظاهرها.
كان يؤمن بأن القضاء والقدر خيره وشره من الله.

كان يروي أحاديث الصفات كما جاءت من دون تأويل، ومن دون البحث عن حقيقتها، لأن ذلك عنده من أتباع المتشابه، ومن الابتداع في الدين، وكان لا يرى بأن القرآن مخلوق كما أسلفنا، والمسألة محل الخلاف هي تلك الحروف والكلمات المكونة منها والمعاني التي تدل عليها هذه الكلمات، والعبارات المكونة منها هل هي مخلوقة أم قديمة؟ وابن حنبل كان يرى أن القرآن بهذا الاعتبار، أي باعتبار حروفه وكلماته وعباراته ومعانيه غير مخلوق.
كان يقول في الرؤية أي رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة وأورد ذلك في إحدى رسائله بقوله:(والإيمان برؤية الله تعالى يوم القيامة كما روي عن النبي(ص)ثبت بالأحاديث الصحاح ، وأن النبي(ص) رأى ربه، فإن ذلك مأثور بحديث صحيح، رواه قتادة عن عكرمة عن عبد الله بن عباس، ورواه الحكيم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي(ص)، والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به على ظاهره، ولا نناظر فيه أحداً.

كان ينهى عن الخروج على الجماعة والخليفة، ويعتبر ذلك بغياً مهما تكن الحال، ويرى أن من يسب أحداً من الصحابة مشكوك في إسلامه، وكان يعترف بخلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام وكان يقول من لم يثبت الإمامة لعلي فهو أضل من الحمار...نعمَ خليفة رضيه أصحاب رسول الله(ص) وصلوا خلفه، وغزوا معه، وجاهدوا وحجوا، وكانوا يسمونه أمير المؤمنين راضين بذلك غير منكرين، فنحن له تبع.وقال: إن الخلافة لم تزين علياً بل علي زينها، وقال أيضاً : ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي رضي الله عنه.

أصول المذهب

ذكر ابن القيم الأصول التي بنى أحمد بن حنبل مذهبه وفتاويه عليها، وهي خمسة:

  • الأصل الأول : النصوص، فإذا وجد النصوص أفتى بموجبها، وهذا بالاتفاق بين المجتهدين.
  • الأصل الثاني: فتاوى الصحابة في ما لا خلاف فيه بينهم، يقضي به ويفتي بموجبه إذا لم يجد نصاً.
  • الأصل الثالث: إذا اختلف الصحابة فإنه كان يتخير من فتاويهم أو أقوالهم ما كان أقربها إلى القرآن والسنة، ولكنه لا يخرج عن فتاويهم وأقوالهم، فإن لم يوافق أحد أقوال الصحابة كان يروي الخلاف دون ترجيح.
  • الأصل الرابع: الأخذ بالحديث المرسل والضعيف إذا لم يجد في الباب شيء يدفعه، وقد قدمه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الحديث الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم.
  • والسنة عنده تشمل الحديث المتواتر والصحيح، وفتوى الصحابي، والمرسل والحديث الضعيف.
  • الأصل الخامس: القياس ، حيث كان يلجأ إليه للضرورة عند عدم وجود نص في المسألة ولا قول الصحابة ولا أثر مرسل أو ضعيف.

فأصول الاستنباط في مذهبه هي:

  • الكتاب الكريم.
  • السنة.
  • فتوى الصحابي.
  • القياس.

وقد أضاف العلماء بالاستقراء إلى هذه الأصول عند أحمد الاستصحاب، والمصالح المرسلة، والذرائع.

إن الأصل الشرعي الذي يأخذ به المذهب الحنبلي هو إبقاء المعاملات على أصل الإباحة والعفو ما لم يرد دليل من الشارع على عكس ذلك.

انفرد هذا المذهب في استنباط الأحكام على العمل بقول الصحابي وفتواه عند عدم النص بشرط عدم وجود ما يخالفه، وكان يقدم فتوى الصحابي على القياس، كما يضاف لذلك تقديمه العمل بالحديث المرسل والضعيف على القياس، وكان يرجحه عليه.

تطور المذهب

أخذ تلاميذ احمد بن حنبل من بعده بإعمال العرف في أثناء الفتوى في غير مواضع النصوص والآثار، وعند عدم المصلحة، فخرّجوا على ذلك الكثير من أحكام ألفاظ الأيمان والوصايا، وسائر العقود ، فجعلوا العادات والأعراف محكمة ما لم تكن مستنكرة في شرع الله تعالى، وكان إعمال العرف سبباً في تطوّر المذهب الحنبلي إلى جانب إعمالهم كثيراً لمبدأ الاستصحاب، مما أدى إلى توسيع دائرة العقود والشروط الجائزة عندهم، وجعل الأصل في ذلك الإباحة ما لم يرد دليل بالمنع.

لم يدون ابن حنبل فقهه وفتاويه، ولكن تلاميذه الذين أخذوا عنه رووا ما سمعوه منه، وكانوا من بلاد شتى، فكثرت الرواية، والروايات في المسألة الواحدة، إذ قد تختلف الفتوى والأحكام باختلاف الباعث والملابسات في بعض الأحيان، وإن اتفقت الصورة والأشكال.
ثم إن ترك الأشياء على أصل الحل الأصلي في أصول المذهب الحنبلي وسّع أيضاً من أفق الاستنباط في هذا المذهب، ووسع دائرة نموه.

يكثر أتباع هذا المذهب في بلاد الحجاز في الوقت الحالي .

أُخذت مصادر هذا البحث من كتاب المذاهب الإسلامية الخمسة تأريخ وتوثيق ط دار الغدير لكتّاب من أبناء المذاهب الخمسة وهم: الدكتور عبد الهادي الفضلي، الدكتور محمد وفا ريشي، الأستاذ محمد سكحال الجزائري، الدكتور وهبة الزحيلي، الدكتور أسامة الحموي.