الكلام على جملة ( صورة لا كالصور )
وَمِنْ أَوْهَامِ المُؤَلِّفِ مَا نَسَبَهُ إِلَى الشّيخ الخَصِيْبِيّ فِي قَوْلِهِ :
(( وقال عن الله تعالى كما جاء في كتاب الأسس ، وهو كتاب مخطوط سري : (( إنه صورة لا كالصور، صورة لا مصوّر لها )) ...)) 1
بَيَانُ الوَهْمِ
لَقَدْ أَخْطَأَ المُؤَلّفُ فِيْمَا نَسَبَهُ إِلَى الشّيْخ الخَصِيْبِيّ، وَإِذَا ظَنَّ أَنّ هَذِهِ العِبَارَة مِنْ كِتَابٍ (( مخطوط سري )) كَانَ خَطأً عَلَى خَطَأٍ، وَمَا مِنْ مُسَوِّغٍ لاِدِّعَائِهِ، عَافَاهُ اللهُ، أَنَّ هَذِهِ العِبَارَةَ مِنْ كَلام الشّيخ الخَصِيْبيّ، فَقَدْ نُسِبَتْ عِبَارَةُ (( جِسْم لا كالأَجْسَام وَصُوْرَة لا كَالصّورِ )) إِلَى هِشَام بن الحَكم، وَهِشَام بن سَالِم، وَمِنْهُ فِي كِتَاب المِلَل وَالنِّحَل :
(( وَغَلا هِشَام بنُ الحَكم فِي حَقِّ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَتَّى قَال : إِنّهُ إِلَهٌ وَاجِبُ الطّاعَةِ. وَهَذَا هِشَام بن الحَكم صَاحِب عور فِي الأصول، لا يَجُوزُ أَن يَغفل عَن إِلْزاماتِه عَلَى المُعْتَزِلَة، فَإِنَّ الرَّجُل وَرَاء مَا يلْزم بِه عَلى الخَصم، وَدُون مَا يُظْهرهُ مِن التّشْبِيه، وَذَلِكَ أَنّه أَلْزم العَلاّف فَقَال : إِنَّكَ تَقُولُ البَارِي تَعَالَى عَالِمٌ بِعِلْمٍ، وَعِلْمُهُ ذَاتُهُ، فَيُشَارك المُحْدَثَات فِي أَنّه عَالِمٌ بِعِلْمٍ، وَيُبَايِنُهَا فِي أَنّ عِلْمَهُ ذَاتُهُ، فَيَكُون عَالِمًا لا كَالعَالمين، فَلِمَ لا تَقُولُ : إِنّهُ جِسْمٌ لا كالأَجْسَام، وَصُوْرَةٌ لا كَالصُّوَرِ، وَلَهُ قَدْرٌ لا كَالأَقْدَار، إِلَى غَيْر ذَلِك ...)) 2
وَقَال الشّيخ المَجلسيّ فِي بِحَار الأنوار :
(( لا رَيْبَ فِي جَلالَةِ قَدْرِ الهِشَامَيْنِ وَبَرَاءتِهِمَا عَنْ هَذَيْنِ القَولَيْنِ، وَقَدْ بَالَغَ السَّيِّدُ المُرْتضَى ـ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ فِي بَرَاءة سَاحَتِهِما عَمّا نُسِبَ إِلَيْهِما ـ فِي كِتَاب الشّافِي، مُسْتَدِلاًّ عَلَيْها بِدَلائل شَافِية، وَلَعَلَّ المُخَالِفِيْنَ نَسَبُوا إِلَيْهِمَا هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ مُعَانَدَةً كَمَا نَسَبُوا المَذَاهِبَ الشَّنِيْعَةَ إِلَى زُرَارة وَغَيْرِهِ مِنْ أَكَابِر المُحَدِّثِيْنَ، أَوْ لِعَدَمِ فَهْمِ كَلامِهِمَا؛ فَقَدْ قِيْلَ : إِنَّهُمَا قَالا بِجِسْمٍ لا كَالأَجْسَامِ، وَبِصُوْرَةٍ لا كَالصُّوَرِ، فَلَعَلَّ مُرَادَهُمَا بِالجِسْمِ : الحَقِيْقَة القَائِمة بِالذَّاتِ، وَبِالصُّوْرَةِ : المَاهِيّة، وَإِنْ أَخْطَئَا فِي إِطْلاقِ هَذَيْنِ اللّفْظَيْنِ عَلَيْه تَعَالَى .)) 3
وَنُسِبَ هَذَا القَولُ إِلَى ابن قتيبة، وَرَدَّهُ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَمِنْهُ فِي شَرْح أُصُول الكَافِي :
(( وَنَقَل أَبُو عَبْد الله الآبي فِي كِتَاب إِكْمَال الإِكْمَال عَن مُحْيي الدّيْن شَارح مُسلم، أَنّهُ قَال : قَال ابن قتيبة : اللهُ صُوْرَةٌ لا كالصُّوَرِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِظَاهِر مَا رَوَاهُ مُسلم عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وآله قَال : (( إِذا قَاتَلَ أَحَدُكُم أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَم عَلَى صُوْرَتِهِ)) . وَقَدْ غَلط فِي ذَلك، وَهَلْ قَولُهُ إِلاّ كَقَول المُبْتَدعَة أَنّه تَعَالَى جِسْمٌ لا كَالأَجْسَام ....))4
وَفِي فَتْح البَاري ، وَفِي اسْتِحَالة المعيّة بالذّات :
(( اسْتَدَلَّ ابنُ قتيبة بِذِكْر الصّورة عَلَى أَنّ للهِ صُوْرةً لا كَالصُّوَرِ كَمَا ثَبتَ أَنّه شيءٌ لا كَالأشْياء وَتَعَقّبوه ..)) 5
وَلَمْ يُشِرِ المُؤَلِّفُ إِلَى مَا يُوْثَقُ بِهِ فِي نِسْبَةِ هَذَا الكَلامِ إِلَى الشّيخ الخَصِيْبِيّ، وَلِذَا فَإِنَّ زَعْمَهُ مَرْدُودٌ عَلَيْه .