الكلام على التناسخ

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 09/09/2014 - 13:26

الكلام على التناسخ


وَمِنْ أَوْهَامِ المُؤَلِّفِ ، قَوْلُهُ :

(( وعند الجلّي بدأ الإيمان بفكرة التناسخ الحرانية فهو قد فسّر قول الإمام جعفر الصادق : (( إن الله خلق للعصاة سبعة أبدان يترددون فيها ثم ينتقلون إلى غيرها )) .وقد يكون الانتقال إلى أجسام البشر أو الحيوانات لقول جعفر الصادق عليه السلام : (( إنه ليلقاك الرجل في بدنه وأنت تظن أنه آدمي ، وإنما هو قرد أو كلب أو خنزير فاشتبه ذلك على الناس )).)).1


بَيَانُ الوَهْمِ

لَيْسَ هَذَا مِنَ الإِيْمَانِ بِالتَّنَاسُخِ فِي شَيءٍ ، وَلا مِنْ تَوْحِيْدِ العَلَوِيِّيْنَ وَإِنّمَا اشْتِبَاهٌ عَلَى المُؤَلِّفِ ، فَمَا نَسَبَهُ إِلَى الإِمَامِ الصّادِقِ افْتِرَاءٌ عَلَيْهِ، وَمَا يَدّعِي أَنّهُ تَفْسِيْرٌ ، فَلَيْسَ مِنَ المَذْهَبِ العَلَوِيِّ ؛ لأَنَّ التّنَاسُخَ عِنْدَ أَهْلِ البَيْتِ : كُفْرٌ بِاللهِ ، وَتَكْذِيْبٌ بِالجَنَّةِ وَالنّارِ وَمِنْهُ قَولُ الإِمَام الرّضَا :

(( مَنْ قَالَ بِالتّنَاسُخِ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللهِ العَظِيْمِ، يُكَذِّبُ بِالجَنَّةِ وَالنّارِ .)) 2

وَقَولُ الإِمَام الصّادِق :

(( إِنَّ أَصْحَابَ التَّنَاسُخِ قَدْ خَلَّفُوا وَرَاءهُم مِنْهَاجَ الدِّيْنِ ، وَزَيَّنُوا لأَنْفُسِهِمُ الضّلالاتِ وَأَمْرَجُوا أَنْفُسَهُم فِي الشّهَوَاتِ ، وَزَعَمُوا أَنَّ السَّمَاءَ خَاوِيَةٌ ، مَا فِيْهَا شَيءٌ مِمّا يُوْصَفُ، وَأَنَّ مُدَبِّرَ هَذَا العَالَمِ فِي صُوْرَةِ المَخْلُوْقِيْنَ ؛ بِحُجّةِ مَنْ رَوَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ ، وَأَنّهُ لا جَنّةٌ وَلا نَارٌ، وَلا بَعْثٌ وَلا نُشُوْرٌ ، وَالقِيَامَةُ عِنْدَهُم خُرُوْجُ الرُّوْحِ مِنْ قَالَبِهِ وَوُلُوْجُهُ فِي قَالَبٍ آخَر ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِناً فِي القَالَبِ الأَوَّلِ أُعِيْدَ فِي قَالَبٍ أَفْضَل مِنْهُ حُسْناً فِي أَعْلَى دَرَجَةٍ مِنَ الدُّنْيَا . وَإِنْ كَانَ مُسِيْئاً أَوْ غَيْر عَارِفٍ صَارَ فِي بَعْضِ الدّوابِّ المُتْعَبَةِ فِي الدُّنْيَا ، أَوْ هَوَامّ مُشَوّهَة الخلْقةِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِم صَوْمٌ وَلا صَلاةٌ وَلا شَيءٌ مِنَ العِبَادَةِ أَكْثَر مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِم مَعْرِفَتُهُ ، وَكُلُّ شَيءٍ مِنْ شَهواتِ الدّنَيا مُبَاحٌ لَهُم مِنْ فُرُوجِ النّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَخَواتِ وَالبَنَاتِ وَالخَالاتِ وَذَوَاتِ البُعُولَةِ ، وَكَذَلِكَ المَيْتَةُ وَالخَمْرُ وَالدّمُ ، فَاسْتَقْبَحَ مَقَالَتَهُم كُلُّ الفِرَقِ ، وَلَعَنَهُم كُلُّ الأُمَمِ فَلَمّا سُئِلُوا الحُجّة زَاغُوا وَحَادُوا ....)) 3

وَمَا كَانَ للمُسْلِمِ العَلَوِيِّ أَنْ يُخَالِفَ أَئِمَّتَهُ فِيْمَا بَيَّنُوا، فَلَوِ اسْتَكْشَفَ المُؤَلِّفُ عَنِ الأَمْرِ أَهْلَهُ ، لَتَكَشّفَ لَهُ الحَقُّ ، وَلَوْ فَتَّشَ المَنْقُوْلَ عَنْهُم فِي طَلَبِ مَا قَالُوهُ ، وَاسْتَقْصَى كَلامَهُم فِيْهِ لَعَرَفَ مَا أَوْدَعُوهُ، فَلَمْ يُضَمِّنْ كِتَابَهُ مَعْنىً غَيْرَ مَا أَرَادُوهُ .

وَمَا زَعَمَ أَنّهُ تَفْسِيْرٌ لِكَلامِ الإِمَامِ الصّادِق فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إِنّمَا هُوَ مِمّا نُقِلَ عَنِ الإِمَامِ الصَّادِقِ ، وَقَدْ نَقَلَ المَجلسيّ فِي بِحَارِ الأَنْوَارِ كَلامَ السّيِّدِ المُرْتَضَى فِي جَوَابِهِ عَنْ سُؤَالٍ احْتُجَّ فِيْهِ بِخَبَرٍ عَنِ الإِمَام الصّادِق فِي حَالِ المُؤمِنِ وَالكَافِرِ ، وَمِنْهُ :

(( ثُمَّ يَسلّ نَفْسَهُ سَلاًّ عَنِيْفاً، ثُمّ يُوْكِلُ بِرُوْحِهِ مِئَةَ شَيْطَانٍ كُلُّهُم يَبْصقُ فِي وَجْهِهِ وَيَتَأَذّى بِرِيْحِهِ ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ، يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ فَوحِ رِيْحِهَا وَلَهَبِهَا. ثُمّ إِنَّهُ يُؤْتَى بِرُوْحِهِ إِلَى جِبَالِ بَرَهُوت، ثُمَّ إِنّهُ يَصِيْرُ فِي المُرَكَّبَاتِ حَتّى إِنّهُ يَصِيْرُ فِي دُوْدَةٍ بَعْدَ أَنْ يَجْريَ فِي كُلِّ مَسْخٍ مَسْخُوْطٍ عَلَيْهِ ، حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا أَهْلَ البَيْتِ فَيَبْعَثهُ اللهُ لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ :  قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ . [سورة غافر 11 ] وَاللهِ لَقَدْ أُتِيَ بِعمر بن سَعد بَعْدَ مَا قُتِلَ، وَإِنّهُ لَفِي صُوْرةِ قِرْدٍ فِي عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ ، فَجَعَلَ يَعْرِفُ أَهْلَ الدّارِ وَهُمْ لا يَعْرِفُوْنَهُ، وَاللهُ لا يُذْهِبُ الدُّنْيَا حَتّى يَمْسَخَ عَدُوّنَا مَسْخاً ظَاهِراً، حَتّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُم لَيُمْسَخُ فِي حَيَاتِهِ قِرْداً أَوْ خِنْزِيْراً، وَمِنْ وَرَائِهم  عَذَابٌ غَلِيظٌ  [سورة إبراهيم ].وَمِنْ وَرَائِهم  جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا  [سورة النساء].

وَالأَخْبَارُ فِي هَذَا المَعْنَى كَثِيْرَةٌ ، قَدْ جَازَتْ عَنْ حَدِّ الآحَادِ ، فَإِنِ اسْتَحَالَ النّسْخُ وَعَوّلْنَا عَلَى أَنّهُ أُلْحِقَ بِهَا وَدُلِّسَ فِيْهَا وَأُضِيْفَ إِلَيْهَا ، فَمَاذَا يُحِيْلُ المَسْخَ ، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِيْهَا وَفِي قَوْلِهِ :  هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَ‌ٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ . [سورة المائدة 60]. وَقَوْلِهِ :  فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ  [سورة البقرة] .وَقَوْلِهِ :  وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمْ . [سورة يس 67] .

وَالأَخْبَارُ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ مَعْنَى هَذَا المَسْخِ هُوَ إِحَالَةُ التَّغْيِيْرِ عَنْ بِنْيَةِ الإِنْسَانِيّةِ إِلَى مَا سِوَاهَا. وَفِي الخَبَرِ المَشْهُوْرِ عَنْ حُذَيْفة أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: أَرَأَيْتُم لَوْ قُلْتُ لَكُم إِنّهُ يَكُونُ فِيْكُم قِرَدَةٌ وَخَنَازِيْر،أَكُنْتُم مُصَدِّقِي ؟. فَقَالَ رَجُلٌ : يَكُونُ فِيْنَا قِرَدَةٌ وَخَنَازِيْر ؟!. قَالَ : وَمَا يُؤمِنُكَ مِنْ ذَلِكَ، لا أُمَّ لَك . وَهَذَا تَصْرِيْحٌ بِالمَسْخِ، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الأَخْبَارُ بِمَا يُفِيْدُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَغْيِيْر الهَيْئَةِ وَالصُّوْرَةِ ....)).
4

وَمِنْ جَوَابِ السَّيِّدِ المُرْتَضى :

(( اعْلَمْ أَنّا لَمْ نُحِلِ المَسْخَ، وَإِنّمَا أَحَلْنَا أَنْ يَصِيْرَ الحَيُّ الّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَفْسَ الحَيِّ الّذِي كَانَ قِرْداً أَوْ خِنْزِيْراً، وَالمَسْخُ أَنْ يُغَيّر صُوْرة الحَيِّ الّذِي كَانَ إِنْسَاناً يَصِيْرُ بَهِيْمَةً، لا أَنّهُ يَتَغَيّرُ صُوْرَتُهُ إِلَى صُوْرَةِ البَهِيْمَةِ، وَالأَصْلُ فِي المَسْخِ قَوْلُهُ تَعَالَى :  كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :  وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ .....)). 5

وَمِنْ كَلامِ الشّيخِ المجْلسيّ :

(( وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ المَسْخَ لَيْسَ تَنَاسُخاً، لأَنّ الرُّوْحَ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى بَدَنٍ آخَر، وَإِنّمَا تَغَيّرَتْ صُوْرَةُ البَدَنِ، وَأَمّا التّنَاسُخُ بِمَعْنَى انْتِقَالِ الرُّوْحِ مِنْ بَدَنٍ إِلَى بَدَنٍ غَيْرِ الأَبْدَانِ المِثَالِيّةِ ، فَمِمّا أَجْمَعَ عَلَى نَفْيِهِ جَمِيْعُ المُسْلِمِيْنَ ، وَأَمّا الأَخْبَارُ الشّاذّةُ الوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ فَيُشْكِلُ التّعَلُّقُ بِظَوَاهِرِهَا، كَالخَبَرِ الّذِي أَوْرَدَهُ السّائِلُ؛ فَهِيَ إِمّا مُؤَوّلَةٌ بِالمَسْخِ، أَوْ بِتَصَوُّرِ الأَجْسَادِ المِثَالِيّةِ بِتِلْكَ الصُّوَرِ ...)) 6

وَالأَخْبَارُ فِي هَذَا البَابِ كَثِيْرَةٌ، مِنْهَا مَا وَرَدَ فِي المَوْعِظَةِ، تَخْوِيْفًا بِالعُقُوبَةِ، وَمِنْهُ فِي إِحْيَاء عُلُوم الدّيْن :

(( وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا مَا رُوِيَ (( أَنَّ رَجُلاً كَان يَخدم مُوسَى، عَلَيْه السّلامُ، فَجَعَلَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي مُوسَى صَفِيّ الله، حَدَّثَنِي مُوسَى نَجِيُّ اللهِ، حَدَّثَنِي مُوسَى كَلِيْمُ اللهِ، حَتَّى أَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ، فَفَقَدَهُ مُوسَى عَلَيْه السّلامُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ، وَلا يُحسّ لَه خَبَرًا، حَتَّى جَاءه رَجُلٌ ذَات يَومٍ ، وَفِي يَدِهِ خِنْزِير وَفِي عُنُقِهِ حَبْلٌ أَسْوَدٌ، فَقَال لَه مُوسَى عَلَيْه السّلام : أَتَعْرِفُ فُلانًا ؟ قَال : نَعَم، قَالَ : هُو هَذَا الخِنْزِيْر، فَقَال مُوسَى : يَا رَبُّ أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَى حَالِهِ حَتَّى أَسْأَلَهُ بِمَ أَصَابَهُ هَذَا ؟ فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: لَوْ دَعَوْتَنِي بِالّذِي دَعَانِي بِهِ آدم فَمَنْ دُوْنَهُ، مَا أَجَبْتُكَ فِيْهِ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكَ لِمَ صَنَعْتُ هَذَا بِهِ ؟ لأَنّهُ كَان يَطْلبُ الدُّنْيا بِالدِّيْن )) .)) 7


وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الإِشَارَةِ إِلَى فَضْلِ أَوْلِيَاء اللهِ، بِالمُكَاشَفَةِ الّتِي يَخُصّهُم بِهَا فَتَنْكَشِفُ لَهُم الأَشْيَاء ، وَمِنْهُ فِي إِحْيَاء عُلُوم الدّين :

(( وَإِنّمَا تَكُونُ مُكَاشَفَةُ كُلِّ مُصَلٍّ عَلَى قَدْرِ صَفَائِهِ عَنْ كُدُورَات الدُّنْيَا، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالقُوَّةِ وَالضّعْفِ وَالقِلّةِ وَالكَثْرَةِ، وَبِالجَلاءِ وَالخَفَاء، حَتَّى يَنْكَشِفَ لِبَعْضِهِم الشَّيءُ بِعَيْنِهِ، وَيَنْكَشِفَ لِبَعْضِهِم الشَّيءُ بِمِثَالِهِ، كَمَا كشفَ لِبَعْضِهِمُ الدّنْيَا فِي صُورَةِ جِيْفَةٍ وَالشّيْطَان فِي صُورَةِ كَلْبٍ جَاثِمٍ عَلَيْهَا يَدْعُو إِلَيْهَا ...)) 8

وَفِي مَدِيْنَةِ المَعاجِزِ :

(( عَنْ أَبِي بَصِيْر ، قَالَ : حَجَجْتُ مَع أَبِي عَبْدِ اللهِ فَلَمّا كُنَّا فِي الطّوَافِ قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابنَ رَسُولِ اللهِ ، يَغْفِرُ اللهُ لِهَذَا الخَلْقِ ؟. فَقَالَ : يَا أَبَا بَصِيْر ، إِنَّ أَكْثَرَ مَا تَرَى قِرَدَةٌ وَخَنَازِيْر ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَرِنِيْهِم ، قَالَ : فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ ثُمَّ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى بَصَرِي ، فَرَأَيْتُهُم كَمَا قَالَ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ رُدَّ عَلَيَّ بَصَرِي ، فَمَرَّ يَدَهُ ، فَرَأَيْتُهُم كَمَا كَانُوا فِي المَرَّةِ الأُوْلَى...)). 9

وَفِي بِحَارِ الأَنْوَارِ :

(( عَنْ أَبِي بَصِيْر ، قُلْتُ لأَبِي جَعْفَر : أَنَا مَوْلاكَ وَمِنْ شِيْعَتِكَ ، ضَعِيْفٌ ضَرِيْرٌ ، فَاضْمَن لِيَ الجَنّةَ ، قَالَ : أَولا أُعْطِيكَ عَلامَةَ الأَئِمَّةِ ؟. قُلْتُ: وَمَا عَلَيْكَ أَنْ تَجْمَعهَا لِي، قَالَ : وَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟. قُلْتُ : وَكَيْفَ لا أُحِبُّ ، فَمَا زَادَ أَنْ مَسَحَ عَلَى بَصَرِي فَأَبْصَرْتُ جَمِيْعَ الأَئِمّةِ عِنْدَهُ فِي السّقِيْفَةِ الّتِي كَانَ فِيْهَا جَالِساً، قَالَ يَا أَبَا مُحَمّد مُدَّ بَصَرَكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى بِعَيْنِكَ ؟. قَالَ : فَوَ اللهِ مَا أَبْصَرْتُ إِلاّ كَلْباً أَوْ خِنْزِيْراً أَوْ قِرْداً ، قُلْتُ : مَا هَذَا الخَلْقُ المَمْسُوْخُ؟. قَالَ : هَذَا الّذِي تَرَى هُوَ السَّوَادُ الأَعْظَمُ ، وَلَوْ كُشِفَ الغِطَاءُ للنّاسِ ، مَا نَظَرَ الشِّيْعَةُ إِلَى مَنْ خَالَفَهُم إِلاَّ فِي هَذِهِ الصُّوْرَةِ ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمّد ، إِنْ أَحْبَبْتَ تَرَكْتُكَ عَلَى حَالِكَ هَذَا ، وَحِسَابُكَ عَلَى اللهِ ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ ضَمِنْتُ لَكَ عَلَى اللهِ الجَنَّةَ وَرَدَدْتُكَ إِلَى حَالِكَ الأَوَّلِ ، قُلْتُ : لا حَاجَةَ لِي فِي النَّظَرِ إِلَى هَذَا الخَلْقِ المَنْكُوْسِ ، رُدَّنِي ، رُدَّنِي إِلَى حَالَتِي ، فَمَا للجَنّةِ عِوَضٌ ، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى عَيْنِي ، فَرَجَعْتُ كَمَا كُنْتُ .))10

وَفِيْهِ :

(( وَرَوى البرسيّ فِي مَشَارِقِ الأَنْوَارِ : أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ : بِمَاذَا فُضِّلْنَا عَلَى أَعْدَائِنَا وَفِيْهِم مَنْ هُوَ أَجْمَلُ مِنَّا؟. فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ : أَتُحِبُّ أَنْ تَرَى فَضْلَكَ عَلَيْهِم ؟ فَقَالَ : نَعَم ، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ ، وَقَالَ :انْظُرْ ، فَنَظَرَ فَاضْطَرَبَ وَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ رُدَّنِي إِلَى مَا كُنْتُ ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِي المَسْجِد إِلاَّ دُبّاً وَقِرْداً وَكَلْباً، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَعَادَ إِلَى حَالِهِ .)) 11

وَعَلَى هَذَا يَكُوْنُ المَسْخُ عَلَى حَسَبِ الغَالِبِ عَلَى الإِنْسَانِ ، فَإِمّا العَقْلُ وَإِمّا الشّهْوَةُ، وَمِنْهُ يُقَالُ : إِنّهُ مِثْلُ الخِنْزِير ، أَوْ شَبِيْهُ القِرْدِ، لأَنّ صُوْرَتَهُ الّتِي تُعْرَفُ مِنْهَا أَخْلاقُهُ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ أَعْمَالِهِ، دَلِيْلٌ عَلَى الطّبِيْعَةِ الغَالِبَةِ عَلَيْهِ، مِنْ صَلاحٍ أَوْ فَسَادٍ، وَمِنْهُ فِي إِحْيَاء عُلُوم الدّيْن :

(( قَال : (( لا تدُخلُ المَلائِكةُ بَيْتًا فِيْه كَلْبٌ )) وَالقَلْبُ بَيْتٌ هُوَ مَنْزِلُ المَلائِكَةِ وَمَهْبط أَثَرِهم وَمَحَلّ اسْتِقْرَارِهِم؛ وَالصِّفَاتُ الرّدِيْئَةُ مِثل الغَضَب وَالشّهْوة وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ وَالكِبْرِ وَالعُجبِ وَأَخَوَاتِهَا، كِلابٌ نَابِحَةٌ، فَأَنَّى تَدْخُلُهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ مَشْحُونٌ بِالكِلابِ .....

وَلَسْتُ أَقُولُ المُرَادُ بِلَفْظِ (( البَيْتِ )) هُوَ القَلْبُ وَ (( بِالكَلْبِ )) هُوَ الغَضَبُ وَالصِّفَاتُ المَذْمُومَةُ، وَلَكِنّي أَقُولُ هُوَ تَنْبِيْهٌ عَلَيْهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ تَعْبِيْرِ الظّوَاهِرِ إِلَى البَوَاطِنِ وَبَيْنَ التّنْبِيْهِ للبَوَاطِنِ مِنْ ذِكْرِ الظّوَاهِرِ مَع تَقْرِير الظّوَاهِرِ، فَفَارِقِ البَاطِنِيّةَ بِهَذِهِ الدّقِيْقَةِ ....

وَاعْلَمْ أَنَّ القَلْبَ المَشْحُونَ بِالغَضَبِ وَالشّرهِ إِلَى الدّنْيَا وَالتّكلب عَلَيْهَا وَالحِرْص عَلَى التّمْزِيق لأَعْراضِ النّاس، كَلْبٌ فِي المَعْنَى وَقَلْبٌ فِي الصّورَةِ، فَنُورُ البَصِيْرَةِ يُلاحِظُ المَعَانِي لا الصُّوَر، وَالصُّوَرُ فِي هَذَا العَالَم غَالِبَةٌ عَلَى المَعَانِي وَالمَعَانِي بَاطِنَةٌ فِيْهَا . وَفِي الآخِرة تَتْبَعُ الصُّوَر المَعَانِي وَتَغْلب المَعَانِي، فَلِذَلِكَ يُحْشَرُ كُلُّ شَخْصٍ عَلَى صُوْرَتِهِ المَعْنَوِيّةِ (( فَيُحْشَرُ المُمَزِّقُ لأَعْرَاضِ النّاسِ كَلْبًا ضَارِيًا، وَالشّرِِهُ إِلَى أَمْوَالِهِم ذِئْبًا عَادِيًا، وَالمُتَكَبّرُ عَلَيْهم فِي صُوْرَةِ نَمِْرٍ، وَطَالِبُ الرِّيَاسَةِ فِي صُورَةِ أَسَدٍ)) وَقَدْ وَرَدَتْ بِذَلِكَ الأَخْبَارُ وَشَهد بِه الاعْتِبَار عِنْد ذَوي البَصَائر وَالأَبْصَار .))
12

وَفِي صَحِيْفة الأَبْرَار :

(( إِنْ كَانَ الغَالِبُ عَلَى الإِنْسَانِ شَهْوةُ النِّكَاحِ، تَصَوَّرَ بَاطِنُهُ بِصُوْرَةِ الفَرسِ، وَإِنْ كَانَ الغَالِبُ عَلَيْهِ النَّمِيْمَةُ تَصَوّرَ بِصُوْرَةِ العَقْرَبِ، وَإِنْ كَانَ الغَالِبُ عَلَيْهِ الغَضَبُ تَصَوّرَ بِصُوْرَةِ السَّبُعِ، وَهَكَذَا .

وَرُبّمَا يَكُونُ الغَالِبُ مَلَكَات مُتَعَدّدَة فَتَتَرَكَّبُ صُوْرَتُهُ مِنْهَا كَالحَيَوانِ المُتَوَلِّد بَيْنَ حَيَوَانَات مُخْتَلِفَةِ النّوْعِ، وَرُبّمَا يَكُونُ الغَالِبُ عَلَيْهِ الطّبَاعُ الشّيْطَانِيّةُ فَيَتَصَوّر بِصُوَرِهم، وَإِذَا مَاتَ عَلَى تِلْكَ الحَالَةِ وَتَفَكّكَتْ أَجْزَاءُ بَدَنِهِ وَزَالَتْ عَنْهُ الصُّوْرَةُ الإِنْسَانِيّةُ، ثُمّ أَرَادَ اللهُ جَمْعَهَا وَإِعَادَتَهَا للجَزَاءِ صَوَّرَهَا بِصُوْرَةِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنَ المَلَكَاتِ الشّيْطَانِيّةِ وَالحَيَوَانِيّةِ ، وَدَخَلَتْهُ الأَرْوَاحُ الخَبِيْثَةُ الّتِي كَانَتْ لَهُ فِي الدّنْيَا، فَيُحْشَر بِتلكَ الصّورَةِ المُنْكَرةِ مُنَادِياً بِالويلِ وَالثّبُورِ كَمَا وَرَدَ فِي الشّرِيْعَةِ الحَقّةِ مِنْ حَشْرِ غَيْرِ المُؤمِنِيْنَ بِالصّورِ المُخْتَلِفَةِ مِنْ صُوَرِ الحَيَوَانَاتِ، وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيَطْلُبهُ مِنْ مَظَانّهِ، فَإِنّا لا يَسَعُنا إِيْرَادُ الأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ لأَدَائِهِ إِلَى التّطْوِيْلِ.

وَفِي حَقّ أَمْثَالِ هَذَا الإِنْسَانِ قَالَ تَعَالَى :  أُولَـٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [سورة الأعراف 179]. وإِنّمَا قَالَ :  بَلْ هُمْ أَضَلُّ  ؛ لأَنّهُ خَلَقَهُم فِي الاِبْتِدَاءِ هَيْكَلاً صَالِحاً لإِشْرَاقِ النّفْسِ الإِنْسَانِيّةِ عَلَيْهِم، فَلَمْ يَقْبَلُوهَا، فَهُم فِي الضّلالَةِ أَعْلَى رُتْبَةً مِنَ الأَنْعَام، فَافْهَم.

هَذَا وَرُبّمَا يَتَمَادَى مِثْلُ ذَلِكَ الإِنْسَانِ المَنْكُوسِ فِي البَغْي وَالعِصْيَانِ، فَيَقْتَضِي حَالُهُ اشْتِدَادَ غَضَبِ اللهِ عَلَيْهِ وَسُرْعَةَ أَخْذِهِ لَهُ، فَيَرْجِعُ عَنْهُ حِجَابُ الصُّوْرَةِ الإِنْسَانِيّةِ الظّاهِرَةِ فِي الدّنْيَا قَبْلَ المَوْتِ، فَيَظْهَر بَاطِنُهُ الّذِي هُوَ صُوْرَةُ بَدَنِهِ الحَقِيْقِيّةِ مِنْ صُوْرَةِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيْر أَوْ قِرْدٍ أَوْ غَيْر ذَلِكَ للحِسّ، فَيَكُون عِبْرةً للنّاظِرِيْنَ، كَمَا انْقَلَبَ المُنَافِقُ الّذِي اعْتَرَضَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ بِقَوْلِهِ لَهُ : اخْسَأْ كَلْباً، وَنَظَائِرُهُ كَثِيْرَةٌ، تَظْهَرُ لِمَنْ تَتَبّعَ السِّيَرَ وَالأَخْبَارَ.

وَهَذَا هُوَ المُرَادُ بِتَمَاسُخِ طَائِفَةٍ بِإِنْكَارِهِمُ الوَلايَةَ وَانْقِلابِهِم جِرِيًّا أَوْ قِرْداً أَوْ دُبّاً، أَوْ غَيْر ذَلِكَ ، لا مَا فَهِمَهُ الفَاضِلُ المَذْكُورُ مِنَ المَسْخِ مِنْ خُرُوجِ أَرْوَاحِهِم مِنْ أَبْدَانِهم وَدُخُوْلِهَا فِي أَبْدَانِ حَيَوَانَاتٍ أَجْنَبِيّةٍ مِنْ أَبْدَانِهِم، فَإِنّهُ كَمَا عَرَفْتَ فِيْمَا قَبْلُ ، مُمْتَنِعٌ حِكْمَةً .))
13

وَفِي كِتَابِ ( عَيْن اليَقِيْن ) للكاشاني :

(( وَهَذَا الاِنْتِقَالُ يَكُونُ للنّفْسِ وَهِيَ فِي الدّنْيَا بَعْدُ، وَيُسَمّى مَسْخًا، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ :

أَحَدهمَا : مَسْخُ البَاطِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَظْهَرَ صُوْرَتُهُ فِي الظّاهِرِ، فَتَرَى الصُّوَرَ أَنَاسِيّ، وَفِي البَاطِنِ غَيْر تِلْكَ الصُّوَرِ، بَلْ صُوَرٌ أُخْرَى عَلَى حَسَب نِيّاتِهِم وَأَعْمَالِهِمُ المُتَكَرّرَة المُوْجِبَة لِحُصُولِ مَلَكاتٍ نَفْسَانِيّةٍ، تَصْدُرُ عَنْهُم بِسَبَبِهَا الأَفْعَالُ المُنَاسِبَةُ لَهَا بِسُهُولَةٍ، مِنْ صُورَةِ مَلَكٍ، أَوْ شَيْطَانٍ، أَوْ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيْرٍ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ حَيَوانٍ مُنَاسِبٍ لِمَا يَكُونُ البَاطِن عَلَيْهِ .

وَإِلَيْهِ أَشَارَ نَبِيُّنَا  حَيْثُ قَال ـ فِي صِفَةِ قَوْمٍ مِنْ أُمَّتِهِ ـ : (( إِخْوانُ العَلانِيَة، أَعْدَاء السّرِيْرة، أَلْسِنَتُهُم أَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَقُلُوبُهُم قُلُوب الذّئَاب، يَلْبَسُون للنّاسِ جُلُود الضّأْنِ مِنَ اللّينِ )).

وَأَصْحَابُ البَصَائِر يَرَوْنَ تِلْكَ الصُّوَرَ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا  يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ [ سورة الأعراف 46 ].وَلَقَدْ كَثُرَ هَذَا فِي زَمَانِنَا، فَجُلُّهُم ـ إِذَا فَكّرْتَ فِيْهِم ـ حَمِيْرٌ ، أَوْ كِلابٌ، أَوْ ذِئَابٌ.......

وَالقِسْم الثّانِي : مَسْخُ البَاطِن، وَانْقِلابُ الظّاهِرِ مِنْ صُوْرَتِهِ الّتِي كَانَتْ إِلَى صُوْرَةِ مَا يَنْقَلِبُ إِلَيْهِ البَاطِنُ؛ لِغَلَبَةِ القُوّةِ النّفْسَانِيّةِ، حَتّى صَارَ تَغَيّرُ المِزَاجِ وَالهَيْئَةِ عَلَى شَكْلِ مَا هُوَ عَلى صِفَتِهِ، مِنْ حَيَوانٍ آخَر، وَهَذَا إِنّمَا يَقَعُ فِي قَوْمٍ غَلَبَتْ نُفُوسُهُم وَضَعُفَتْ عُقُولُهُم .وَقَدْ وَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ :  وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ  [ سورة المائدة 60 ] ، وَقَالَ :  كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ  [ سورة البقرة ] .

فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ التّنَاسُخَ بَاطِلٌ، إِلاَّ إِذَا أُرِيْدَ بِهِ أَحَد ثَلاث مَعَانٍ : إِمّا الاِسْتِكْمَالاتُ الّتِي للنّفْسِ فِي هَذِهِ النّشْأَةِ عَلَى مَادّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِمّا انْتِقَالُهَا مِنْ هَذَا البَدَنِ العُنْصرِيّ إِلَى بَدَنٍ آخَر أخْرَوي مِنْ غَيْرِ مَسْخٍ لِصُوْرَتِها الظّاهِرَةِ، وَإِمّا انْتِقَالُها هَذَا مَع مَسْخِ صُوْرَتِها الظّاهِرَةِ أَيْضًا .

وَمِنْ هُنَا قِيْلَ : مَا مِنْ مَذْهَبٍ إِلاَّ وَللتّنَاسُخِ فِيْهِ قَدَمٌ رَاسِخ .

وَقَدْ تَبَيّنَ مِمّا ذُكِرَ أَنّ النُّفُوسَ الإِنْسَانِيّة بِحَسَبِ أَوّلِ حُدُوْثِهَا صُوْرةُ نَوْعٍ وَاحِدٍ هُوَ الإِنْسَانُ، ثُمَّ إِذَا أُخْرِجَتْ مِنَ القُوَّةِ إِلَى الفِعْلِ تَصِيْرُ أَنْوَاعًا كَثِيْرَةً مِنْ أَجْنَاسِ المَلائِكَةِ، وَالشّيَاطِيْن، وَالسّبَاعِ، وَالبَهَائِم، بِحَسَب نَشْأَةٍ ثَانِيَةٍ أَوْ ثَالِثَةٍ، فَلَهَا بَعْدَ البَدَنِ المَادّيّ اخْتِلافَاتٌ جِنْسِيّةٌ، وَنَوْعِيّةٌ ، وَشَخْصِيّةٌ، بِحَسَبِ تَجَوهُرِهَا وَفِعْلِيّتِها.....))
14

وَفِي المِيْزَانِ للسّيّد الطّباطَبائيّ :

(( لَوْ فَرَضْنَا إِنْسَاناً تَغَيّرَتْ صُوْرَتُهُ إِلَى صُوْرَة ِنَوْعٍ آخَر مِنْ أَنْوَاعِ الحَيَوانِ كَالقِرْدِ وَالخِنْزِيْر ، فَإِنّمَا هِيَ صُوْرَةٌ عَلَى صُوْرَةٍ ، فَهُوَ إِنْسَانٌ خِنْزِيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ قِرْدٌ، لا إِنْسَانٌ بَطَلَتْ إِنْسَانِيَّتُهُ، وَحَلَّتِ الصُّوْرَةُ الخِنْزِيْرِيّةُ أَوِ القِرْدِيّةُ مَحَلّهَا .))15

وَفِيْهِ :

(( فَإِنْ قُلْتَ : فَعَلَى هَذَا فَلا مَانِع مِنَ القَولِ بِالتّنَاسُخ .

قُلْتُ : كَلاَّ ، فَإِنَّ التّنَاسُخَ وَهُوَ تَعَلُّقُ النّفْسِ المُسْتَكْملةِ بِنَوعِ كَمَالِهَا بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا البَدَنَ بِبَدَنٍ آخر ، مُحَالٌ، فَإِنَّ هَذَا البَدَنَ إِنْ كَانَ ذَا نَفْسٍ اسْتَلْزَمَ التّنَاسخُ تَعَلّقَ نَفْسَيْنِ بِبَدَنٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ وَحْدة الكَثِيْر، وَكَثْرَةُ الوَاحِدِ .

وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَا نَفْسٍ اسْتَلْزَم رُجُوعُ مَا بِالفِعْلِ إِلَى القُوَّةِ، كَرُجُوعِ الشّيْخِ إِلَى الصِّبَا، وَكَذَلِكَ يَسْتَحِيْلُ تَعَلُّقُ نَفْسِ إِنْسَانِيٍّ مُسْتَكْملة مُفَارِقَةٍ بِبَدَنٍ نَبَاتِيٍّ أَوْ حَيَوَانِيّ ، بِمَا مَرَّ مِنَ البَيَانِ .))
16

وَفِيْهِ :

(( فَالإِنْسَانُ الّذِي مَاتَ وَلَهُ نَفْسٌ سَاذجَةٌ غَيْرَ أَنّهُ فَعَلَ أَفْعَالاً وَخَلَطَ  عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا  [سورة التوبة 102]، لَوْ عَاشَ حِيْناً أَمْكَنَ أَنْ يَكْتَسِبَ عَلَى نَفْسِهِ السّاذجَةِ صُوْرَةً سَعِيْدَةً أَوْ شَقِيّةً ، وَكَذَا لَوْ عَادَ بَعْدَ المَوْتِ إِلَى الدُّنْيَا وَعَاشَ أَمْكَنَ أَنْ يَكْتَسِبَ عَلَى صُوْرَتِهِ السَّابِقَةِ صُوْرَةً خَاصّةً جَدِيْدَةً ، وَإِذَا لَمْ يَعُدْ فَهُوَ فِي البَرْزَخِ مُثَابٌ أَوْ مُعَذَّبٌ بِمَا كَسِبَتْهُ مِنَ الأَفْعَالِ حَتَّى يَتَصَوَّرَ بِصُوْرَةٍ عَقْلِيّةٍ مُنَاسِبَةٍ لِصُوْرَتِهِ السّابِقَةِ المِثَالِيّةِ ، وَعِنْد ذَلِك يَبْطل الإِمْكَان المَذْكُور وَيَبْقى إِمْكَانَات الاسْتِكْمالات العَقْلِيّة، فَإِنْ عَادَ إِلَى الدُّنْيَا كَالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ لَوْ عَادُوا إِلَى الدُّنْيَا بَعْدَ مَوْتِهِم ، أَمْكَنَ أَنْ يَحْصُلَ صُوْرَةٌ أُخْرَى عَقْلِيّةٌ مِنْ نَاحِيَةِ المَادَّةِ وَالأَفْعَالِ المُتَعَلِّقَةِ بِهَا ، وَلَوْ لَمْ يَعُدْ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا كَسَبَ مِنَ الكَمَالِ وَالصُّعُوْدِ فِي مَدَارِجِهِ وَالسّيْرِ فِي صِرَاطِهِ...)) .17

وَمِنْ رَدِّ الشّيْخِ مُحَمّد الحُسَين كَاشف الغِطَاء، عَلَى الشّيْخِ المَجْلِسيّ :

(( وَمِنَ المُؤسِف صُدُورُ مِثْل هَذَا الكَلامِ مِنْ أَمْثَالِ هَؤلاءِ الأَعْلامِ، وَلَكِنْ لَيْتَ مَنْ لا يَعْرِفُ شَيْئًا لا يَتَدَخَّلُ فِيْهِ، وَمَا أَشَدَّ الخَطَأَ وَالخَطَلَ بِقَوْلِهِ : ( التّنَاسُخ لَمْ يَقُمْ دَلِيْلٌ عَقْلِيٌّ عَلَى امْتِنَاعِهِ ) .....

فَالبُرْهَانُ وَالوجْدانُ شَاهِدَانِ عَدْلانِ عَلَى بُطْلانِ التّنَاسُخِ، مُضَافًا إِلَى أَدِلّةٍ أُخْرَى لا مَجَالَ لِسَرْدِها، فَلا حَاجَةَ إِلَى الإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ فِي إِبْطَالِهِ، بَلْ ذَلِكَ لا يُجْدِي شَيْئًا فِي نَقِيْرٍ أَوْ فَتِيْل، وَلا غَرَابَةَ إِذَا غَربَ مِثْلُ هَذا عَنْ مِثْل شَيْخِنا المَجْلسيّ (طاب ثَراه) فَإِنّهُ مِنَ المُتَخَصّصِيْنَ بِعِلْمِ المَنْقُولِ لا المَعْقُول .))18

وَمِنْ رَدِّه عَلَى البهائي :
(( وَلَكِنّ الغَرِيْبَ جِدّاً أَنْ يَشْتَبه الأَمْرُ عَلَى مِثْل شَيْخِنا البَهائِي ( قُدّس سِرّه ) وَهُوَ مِنَ المُتَضَلّعِيْنَ فِي المَبَاحِث العَقْلِيّةِ ..... وَلَعَمْر الحَقّ إِنَّ عَجَبِي لا يَتَنَاهَى مِنْ قَوْلِهِ : إِنّ المَعَاد الجِسْمَانِي كَذَلِكَ عِنْد كَثِيْر مِنْ أَهْلِ الإِسْلام .

أَي إِنّه عِبَارةٌ عَنِ انْتِقَال الرُّوْحِ مِنْ بَدَنٍ إِلَى آخر، وَهَلِ التّنَاسُخ البَاطِلُ إِلاّ هَذَا ..))
19

فَتَأَمّلْ ، يَظْهَرْ لَكَ بُطْلانُ قَولِ المُؤَلّف .


 


  • 1إخوان الصفا والتوحيد العلوي ص:159.
  • 2بحار الأنوار مج2\218، وفي وسائل الشيعة 28\341 (( كافر بالله العظيم ، مكذب بالجنة والنار )). وفي مدينة المعاجز4\244. (( كافر بالله تعالى مكذب بالجنة والنار)).
  • 3الاحتجاج 2\ 78، وفي بحار الأنوار مج2\ 218. وانظر الرد على الدكتور شاكر مصطفى ص 30، ووجهاً لوجه أمام التاريخ 129 ـ 130.
  • 4بحار الأنوار،مج23\338ـ339، وكتابة كلمة (( مئة )) وفق قواعد الإملاء .
  • 5بحار الأنوارمج23\339.
  • 6بحار الأنوارمج23\ 341.
  • 7إحياء علوم الدين 1\84 ـ 85. وانظر سفينة البحار 8\72.
  • 8إحياء علوم الدين 1\221 ـ 222،وفي المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء 1\305.
  • 9مدينة المعاجز3\296، وانظر بصائر الدرجات 2\18، وص20 ، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 2\524، وتفسير الإمام الحسن العسكري 578، وعين اليقين للكاشاني 2\259.
  • 10بحار الأنوار مج19\171 ، وفي مدينة المعاجز3\216 ، والخرائج والجرائح 2\822. مع اختلاف في ألفاظه. أشير إليه في محله .
  • 11بحار الأنوارمج19\34، وفي مشارق أنوار اليقين 138.
  • 12إحياء علوم الدين 1\68 ـ 69، وانظر المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء 1\107 ـ 108 . وميزان العمل 342.
  • 13صحيفة الأبرار 1\366.
  • 14عين اليقين2\258ـ 259ـ 260 ـ 261، وانظر المظاهر الإلهية لصدر الدين الشيرازي 90.
  • 15الميزان 1\210.
  • 16الميزان 1\211.
  • 17الميزان 1\210.
  • 18الفردوس الأعلى 282.
  • 19الفردوس الأعلى282ـ 283.