الماتريدية

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48

هم أصحاب أبي منصور محمد الماتريدي المتوفى سنة إثنين وثلاثين وثلاثمئة، والملقب عند قومه وأتباعه بإمام الهدى.
عاصر الأشعري غير أنه كان بعيداً عنه في (ماتريد) من ولاية سمرقند، وهو حنفي المذهب درس فقه أبي حنيفة ورسائله الصغيرة في الكلام.
وقد أقر بعض العلماء بأن آراء أبي حنيفة في العقائد هي الأصل الذي تفرعت منه آراء الماتريدي، ولما كان أبو حنيفة قد اعطى العقل مكانة كبرى في الفقه والمعرفة مخالفاً أصحاب الحديث، فإن آثار تلك المكانة غلبت على المذهب الماتريدي وميزته من المذهب الأشعري.

فالأشعري قال أن معرفة الله واجبة بالشرع.
أما الماتريدي فقال: يمكن للعقل إدراك وجوبها.

والأشعري نفى الحسن والقبح العقليين.
أما الماتريدي فقد أثبتهما.

والماتريدي خالف أصحاب الحديث منذ البداية في الصفات، وقال بوجوب حمل المتشابه على المحكم وتأويل كل ما يوهم التشبيه.
والأشعري يرى أن أفعال الله لا تعلل لأنه لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون.

ويرى الماتريدي أن أفعال الله لا تكون إلا على مقتضى الحكمة دون أن يقال: إن ذلك واجب على الله تعالى لأنه مختار مريد.
وجوز الأشعري كما أسلفنا أن الله يعاقب الطائع ويثيب العاصي، ومنع من ذلك الماتريدي لأن ثواب الطائع وعقاب العاصي إنما لحكمة قصدها وإرادة أرادها.

وكان الأشعري قد فارق المعتزلة في الجبر والاختيار، وميز قوله عن قول الجبرية الخالصة بإضافة عنصر الكسب، والكسب عنده هو الاقتران بين الفعل الذي هو مخلوق لله تعالى وبين اختيار العبد من غير أن يكون للعبد تأثير في الكسب.
أما الماتريدي فقد قال بالكسب أيضاً ولكن الكسب عنده من فعل الإنسان بقدرة أودعها الله سبحانه وتعالى فيه.

وفي جميع هذه الأقوال يُلاحظ بأن الماتريدي يقترب من المعتزلة حيناً ويوافقهم أحياناً.

ومن الأمور التي تقارب فيها الماتريدي والأشعري القول في الرؤية وفي مرتكب الكبيرة وفي الإمامة.

وقد حدد أبو منصور الماتريدي معنى الإسلام والإيمان فقال أن الإسلام معرفة الله بلا كيف ومحله الصدر، مصداقاً لقوله تعالى: ( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) الزمر/22/ ، وأما الإيمان فمعرفة الله تعالى بالألوهية ومحله القلب، لقوله تعالى: ( وَلَـكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) الحجرات /7/ ، والقلب داخل الصدر، وأما المعرفة فهي معرفة الله تعالى وموضعها الفؤاد الذي يقع في داخل القلب، وقد حصل بينهم وبين الأشاعرة خلاف في بعض المسائل كمسألة التكوين لكنهم يوافقون الأشاعرة فيما خالفوا فيه المعتزلة.

ومن أقوالهم إن معرفة الله مدركة الوجوب بالعقل، وإن الله تعالى خالق الأشياء كلها فلا شيء في هذا الوجود إلا وهو مخلوق لله تعالى لا شريك له، واثبات الخلق لغيره إثبات الشريك.

وقالوا إن رؤية الله تعالى يوم القيامة ثابتة بالنصوص، كما قالوا إن للأشياء قبحاً ذاتياً وأن العقل يستطيع أن يدرك حسن الأشياء وقبحها.

وعن الإمامة قالوا: ينبغي أن يكون الإمام ظاهراً لا متخفياً ولا منتظراً ويكون من قريش، ولا يجوز من غيرهم، ولا يختص ببني هاشم، ولا يشترط أن يكون معصوماً ولا أن يكون أفضل أهل زمانه، ويشترط أن يكون من أهل الولاية المطلقة الكاملة، قادراً على تنفيذ الأحكام وحفظ حدود دار الإسلام وأنصاف المظلوم من الظالم، ولا ينعزل الإمام بالفسق والجور ، ويجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر، ونصلي على كل بر وفاجر، ونكف عن ذكر الصحابة إلا بالخير، ولا يبلغ ولي درجة الأنبياء، وتحمل النصوص على ظواهرها والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطل إلحاد، وما أخبر به النبي (ص) من أشراط الساعة من خروج الدجال ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها فهو حق.

فالماتريدية كانت وسط بين المعتزلة والأشاعرة، ومع أنها أعطت العقل سلطاناً أكبر مما أعطاه الأشعري فقد قلص ذلك من قدرتها على الانتشار في عصر مال فيه المجتمع عن التعقل ، كذلك تحددت العناية بنشر هذا المذهب وشرحه نظراً لظهوره في منطقة بعيدة نائية عن مركز السلطة العباسية، ومع ذلك فقد انتشرت الماتريدية بين فقهاء ما وراء النهر، ومن بينهم من المتأخرين كل من أبو اليسر محمد البزدوي، والنسفي ميمون بن محمد، والنسفي عمر بن محمد، وابن همام محمد بن عبد الواحد.