أهل الحديث وأهل الرأي

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48

ظهر خلال القرون الهجرية الأولى مئات الفقهاء والمفتين وانتشروا في حواضر العالم الإسلامي ، في المدينة ومكة، والبصرة، والشام، ومصر، والقيروان، والأندلس ، وبغداد.

كان الناس يرجعون إليهم في مسائلهم الشرعية قبل أن يبدأ العمل بالمذاهب الفقهية الأربع، التي لم تفرض ويمنع من العمل إلا بآراء أصحابها دون غيرهم من المجتهدين إلا في القرن السابع الهجري وتحديداً سنة خمس وستين وستمئة هـ.

أما موالين أهل بيت النبّوة فكانوا يرجعون إلى أئمتهم المعصومين عليهم السلام في كل صغيرة وكبيرة.

ثم إن أولئك الفقهاء (أهل الحديث) وإن اختلفوا في الأحكام الفقهية، وفي طريقة الاستنباط الفقهي بين أهل القياس وغيرهم، فقد كانوا يتبعون في باب العقائد مسلكاً واحداً وهو تحريم المناظرات الكلامية، ومنع تجاوز الأحاديث التي رواها الصحابة ، والتابعون الأوائل عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في باب الاعتقادات، وإبطال العقل في هذا المجال، وقد عرفوا بأهل الحديث، ويقابلهم أهل الرأي.

ومن المشهور أن أهل الحديث كانوا مع ذلك على مرتبتين في معاملة الأحاديث :
فريق كانوا يلاحظون أسانيدها ورواتها، ويؤلفون بين متونها، وهم على درجات في ذلك.
وفريق آخر كانوا يأخذون بالغث والثمين منها بلا تمييز، ويتشبثون بحرفية متونها وإن تضمنت تجسيماً أو تنقيصاً يأخذونها أخذ المسلمات معتقدين لزوم الإيمان بها مع التوقف في معانيها، وهؤلاء عُرفوا بالحشوية.

أما أهل الرأي فهم الفقهاء الذين كانوا يحاولون استقراء النصوص لاستنباط الأحكام الشرعية منها ثم ضيقوا دائرة الرأي واشترطوا على المستنبط أن يعتمد أصلاً معيناً يرجع إليه في فتواه. ومن المعروف أن فقهاء العراق اشتهروا بهذا المجال وفي مقدمهم أبو حنيفة النعمان وأصحابه الذين عُرفوا : بأهل الرأي.

تميز أهل الرأي بكثرة تفريعهم القضايا التي تُعرض لهم، إذ كانوا يقلبون المسألة على جميع وجوهها، وذلك استجابة كما يرون لوقائع الحياة المتعددة في الحضارة الجديدة، خاصة في المدن. كما تميزوا بقلة روايتهم الحديث، واشتراطهم لقبوله شروطاً قاسية تنوء بها العصبة أولي القوة ، فلا يسلم معها إلا القليل من الأحاديث الشريفة، فهم يخافون الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يخافون الرأي.
وهم في هذا يختلفون مع أهل الحديث الذين يرون أن الشريعة أجلُ وأرفع من أن تكون مجالاً لآراء أهل الرأي من العباد، لأن الشريعة من الله كتاباً وسنةً وما كان كذلك يكون أبعد من الخطأ والاختلاف ، والرأي من الإنسان وهو عرضة لأن يخطئ ويصيب، وهنا يقع الاختلاف والفرقة المنهى عنهما.