إِعْلانُ العَلَوِيَّةِ وَاِشْتِهَارُهَا .

أُضيف بتاريخ الجمعة, 15/10/2010 - 17:00

قَالَ تَعَالَى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } الشعراء : 214.

رَوَى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَل ، فِي مُسْنَدِهِ ، وَالثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيْرِهِ ، وَالكُنْجِيُّ الشَّافِعِيُّ ، فِي كِفَايَتِهِ ، وَالخَطِيْبُ مُوَفَّقُ بنُ أَحْمَدَ الخَوَارِزْمِيّ ، فِي المَنَاقِبِ ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَريْر الطَّبَرِيّ ، فِي تَارِيْخِهِ ، وَاِبْنُ أَبِي الحَدِيْدِ المَدَائِنِيّ، فِي شَرْحِ النَّهْجِ ، وَاِبْنُ الأَثِيْرِ فِي الكَامِلِ ،وَالحَافِظُ أَبُو نَعِيْمٍ ، فِي حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ ، وَالحمِيْدِيّ ، فِي الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ ، وَالبَيْهَقِيّ ، فِي السُّنَنِ وَالدَّلائِلِ ، وَأَبُو الفِدَاءِ ، فِي تَارِيْخِهِ ، وَالحَلَبِيُّ ، فِي السِّيْرَةِ ، وَالنَّسَائِيُّ ، فِي الخَصَائِصِ ، وَالحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ ، وَالقَنْدُوْزِيُّ الحَنَفِيُّ، فِي يَنَابِيْعِ المَوَدَّةِ ، و غَيْرُهُمْ ، مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ وَالمُفَسِّرِيْنَ ، مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ ، أَنـَّهُ :

لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيْمَةُ ، عَلَى رَسُوْلِ اللهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَآلِهِ ، وَسَلَّمَ : جَمَعَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ ، وَكَانُوا أَرْبَعِيْنَ رَجُلاً ، مِنْهُمْ مَنْ يَأْكُلُ الجَذَعَةَ ( الشَّاةُ الصَّغِيْرَةُ السِّنِّ) ، وَيَشْرَبُ العُسَّ ( القَدَحُ العَظِيْمُ ) ، فَصَنَعَ لَهُمْ مُدَّاً ، مِنْ طَعَامٍ ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، وَبَقِي كَمَا هُوَ .
ثُمَّ دَعَا بِعُسٍّ ، فَشَرِبُوا حَتَّى رَوُوا ، وَبَقِيَ كَأَنَّهُ لَمْ يُشْرَبْ .
ثُمَّ خَاطَبَهُمْ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَآلِهِ ، وَسَلَّمَ ، بِقَوْلِهِ :
" يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ ، إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي للخَلْقِ كَافَّةً ، وَإِلَيْكُمْ خَاصَّةً ، وَقَدْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُمْ ، وَأَنَا أَدْعُوْكُمْ إِلَى كَلِمَتَيْنِ خَفِيْفَتَيْنِ عَلَى اللِّسَانِ، وَثَقِيْلَتَيْنِ فِي المِيْزَانِ ، تَمْلِكُوْنَ بِهِمَا العَرَبَ وَالعَجَمَ ، وَتَنْقَادُ لَكُمُ الأُمَمُ ، و َتَدْخُلُوْنَ بِهِمَا الجَنَّةَ ، وَتَنْجُونَ بِهِمَا مِنَ النَّارِ ، وَهُمَا :شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأَنِّي رَسُوْلُ اللهِ .
فَمَنْ مِنْكُمْ يُجِيْبُنِي إِلَى هَذَا الأَمْرِ ، وَيُؤَازِرُنِي عَلَى القِيَامِ بِهِ : يَكُنْ أَخِي ، وَوَزِيْرِي ، وَوَارِثِي ، وَخَلِيْفَتِي مِنْ بَعْدِي ؟
.
فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، إِلاَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبَ ، وَهُوَ أَصْغَرُ القَوْمِ .
فَقَالَ ـ لَهُ النَّبِيُّ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَآلِهِ ، وَسَلَّمَ ـ : اِجْلِسْ ، وَأَعَادَ النَّبِيُّ مَقَالَتَهُ ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، وَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، إِلاَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبَ ، عَلَيْهِ السَّلامُ .
وَفِي المَرَّةِ الثَّالِثَةِ ، أَخَذَ بِيَدِهِ ، وَقَالَ ـ للقَوْمِ ـ : إِنَّ هَذَا أَخِي ، وَوَصِيِّي ، وَخَلِيْفَتِي فِيْكُمْ ، فَاِسْمَعُوا لَهُ ، وَأَطِيعُوا ".

فَفِي هَذَا : اليَوْمِ المُكَرَّمِ المَعْرُوْفِ بِيَوْمِ الإِنْذَارِ ، وَالمِيْقَاتِ المُعَظَّمِ ، عِنْدَ أَهْلِ الاِعْتِبَارِ ، وَبَعْدَ تَصْرِيْحِ النَّبِيِّ الكَرِيْمِ المَبْنِيِّ عَلَى تَلْبِيَةِ صَاحِبِ الوَلايَةِ وَالإِمَامَةِ ، أُعْلِنَتِ العَلَوِيَّةُ المُكَرَّمَةُ ، مَعَ إِعْلانِ النُّبُوَّةِ المُعَظَّمَةِ ، فَتَوَاكَبَا فِي الظُّهُوْرِ ، وَتَلازَمَا فِي السُّفُوْرِ ، وَيَبْدُو ذَلِكَ جَلِيّاً : لِمَنْ تَبَصَّرَ ، وَفِي هَذَا الخَبَرِ : بِعَيْنِ العَقْلِ تَفَكَّرَ لأَنَّ إِعْلانَ الوَلايَةِ لِعَلِيٍّ ، فِي بَدْءِ أَمْرِ النُّبُوَّةِ ، يَقْتَضِي أَنَّ هَذَيْنِ المَنْصِبَيْنِ ، لا يَنْفَصِلانِ ، بَلْ : مُتَّصِلانِ ، كُلٌّ يُكَمِّلُ صَاحِبَهُ ، مَعَ تَقَدُّمِ النُّبُوَّةِ عَلَى الإِمَامَةِ بِالفَضْلِ .

أَمَّا : اِشْتِهَارُهَا ، وَسُفُوْرُ أَخْبَارِهَا ، فَقَدْ كَانَ فِي يَوْمِ الغَدِيْرِ ، بِمَرْأىً، وَمَسْمَعٍ مِنَ الجَمِّ الغَفِيْرِ ، وَذَلِكَ : حِيْنَ صَرَّحَ البَشِيْرُ النَّذِيْرُ ، بِمَا أَمَرَهُ بِهِ ، اللَّطِيْفُ الخَبِيْرُ فَقَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ : فَعَلِيُّ : مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ : وَالِ مَنْ وَالاهُ ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَاِنْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ ، وَاِخْذُلْ مَنْ يَخْذُلُهُ ، وَأَدِرِ الحَقَّ مَعَهُ : حَيْثُ مَا دَارَ " .
وَبَعْدَ ذَلِكَ الإِعْلانِ الغَدِيْرِيِّ المُتَجَدِّدِ ، فِي قُلُوْبِ الأَوْلِيَاءِ ، اِشْتَهَرَتِ العَلَوِيَّةُ ، كَالشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ ، وَأَقَرَّ بِسَنَائِهَا : المُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ ، وَاِنْتَمَى إِلَيْهَا : السَّادَةُ الأَطْهَارُ ، وَفَاحَ عَبِيْرُهَا : فِي سَائِرِ الأَقْطَارِ ، وَفِي ذَلِكَ الإِعْلانِ ، وَهَذَا الاِشْتِهَارِ : كَمُلَ الدِّيْنُ ، وَتَمَّتِ النِّعْمَةُ : عِنْدَ أَهْلِ الاِسْتِبْصَارِ ، وَتَبَلَّجَ فَجْرُ الهُدَى : بَعْدَ الاِسْتِتَارِ ، وَاِسْتَضَاءَ بِنُوْرِهِ :أَهْلُ الطَّاعَةِ وَالإِقْرَارِ .

فَالعَلَوِيَّةُ : أُعْلِنَتْ فِي بِدَايَةِ الدَّعْوَةِ المُحَمَّدِيَّةِ ، وَاِشْتَهَرَتْ فِي : نِهَايَةِ عَصْرِ النُّبُوَّةِ ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا : اِمْتِدَادٌ طَبِيْعِيٌّ للنُّبُوَّةِ ، وَكَمَالٌ لَهَا .
وَعَلَيْهِ :فَإِنَّ الاِنْتِمَاءَ إِلَيْهَا ، هُوَ : اِنْتِمَاءٌ حَقِيْقِيٌّ لِلإِسْلامِ المُحَمَّدِيِّ ، كَمَا بَدَأَ.
( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران : 85 .