قَبَسَاتٌ عَلَوِيَّةٌ .

أُضيف بتاريخ الجمعة, 15/10/2010 - 17:00

ـ إِنَّ الإِسْلامَ ، هُوَ : العَلَوِيَّةُ بِالقُوَّةِ ، لأَنَّهُ : تَضَمَّنَهَا ، وَدَلَّ عَلَيْهَا ، وَأَعْلَنَهَا لِلأُمَّةِ ، جَمْعَاءَ ، وَدَعَا إِلَيْهَا فِي مَوَاطِنَ كَثِيْرَةٍ .
وَالعَلَوِيَّةُ ـ هِيَ ـ الإِسْلامُ بِالفِعْلِ ، لأَنَّهَا : أَظْهَرَتْ مَحَاسِنَهُ الكَامِلَةَ للسَّالِكِيْنَ وَأَوْضَحَتْ مَعَارِفَهُ الشَّامِلَةَ للقَاصِدِيْنَ ، وَمَثَّلَتْهُ : قَوْلاً ، وَصَوَّرَتْهُ : فِعْلاً ، بِشَهَادَةِ الأَقْرَبِيْنَ ، وَالأَبْعَدِيْنَ .

ـ إِنَّ العَلَوِيَّةَ : اِمْتِدَادٌ للنُّبُوَّةِ ، وَوَرِيْثٌ شَرْعِيٌّ للوَلايَةِ ، وَلِذَا : فَقَدْ رَعَتْ أُصُوْلَ الدِّيْنِ ، بِبَسْطِهَا فِي نَهْجِهَا المُبِيْنِ ، وَأَصَّلَتْ قَوَاعِدَ الفُرُوْعُ ، لِكَافَّةِ السَّالِكِيْنَ ، فَجَلَتْ بِذَلِكَ كُلَّ لَبْسٍ ، وَفَصَّلَتْ بِتَوْضِيْحِهَا أُصُوْلَ الوَاجِبَاتِ المُسْتَمَدَّةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ ، وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيْحَةِ .

ـ إِنَّ العَلَوِيَّةَ : تَحْوِي الأَشْيَاءَ الإِيْجَابِيَّةَ بِالقُوَّةِ ، وَتَظْهَرُ فِي كُلِّ الأَشْيَاءِ الصَّالِحَةِ بِالفِعْلِ ، فَلَيْسَتْ مُحْتَاجَةً إِلَى غَيْرِهَا ، لأَنَّهَا : كَامِلَةٌ ، وَكَمَالُهَا مُسْتَمَدٌّ مِنْ مُفِيْضِ الخَيْرِ وَالجُوْدِ ، عَلَى كُلِّ مَوْجُوْدٍ ، فَهِيَ : تُصَدِّرُ ، وَلا تَسْتَوْرِدُ ، وَتُعْطِي ، وَلا تَأْخُذُ ، إِذْ مِنْ غَيْرِ المَقْبُوْلِ : أَنْ تَسْتَوْرِدَ الفَضِيْلَةُ : مَا أَعْطَتْهُ كَرَماً ، أَوْ : تُكَمَّلَ ، بِمَا كَمَّلَتْهُ تَفَضُّلاً .
فَهِيَ : وَاهِبَةٌ ، وَمَوْهُوْبٌ لَهَا مِنَ اللهِ ، لا غَيْرَ .
وَمُجَمِّلَةٌ ، وَلَيْسَتْ : مُجَمَّلَةً ، لأَنَّ جَمَالَهَا : مِنَ اللُّطْفِ الإِلَهِيِّ : مَصْدَرُهُ ، وَمِنَ القُدْسِ النَّبَوِيِّ : مَفْخَرُهُ ، وَبَقِيَّةُ الأَشْيَاءِ : تَجَمَّلَتْ مِنْ رَشَحَاتِ جَمَالِهَا الثَّابِتِ المِعْطَاءِ .

ـ لَقَدْ كَانَتِ العَلَوِيَّةُ ، تُمَثِّلُ الحِزْبَ المُعَارِضَ للسُّلْطَةِ الحَاكِمَةِ ، وَلَمْ تَفْعَلْ لأَنَّهَا أُقْصِيَتْ عَنِ الحُكْمِ ، وَكَانَ حَقّاً مِنْ حُقُوْقِهَا ، بَلْ : لأَنَّ السُّلْطَةَ كَثِيْراً مَا أَقْصَتْ نَفْسَهَا ، عَنِ الشَّرِيْعَةِ ، وَأَحْكَامِهَا ، بِسُلُوْكِ أَرْبَابِهَا ، الَّذِيْنَ كَانُوا لا يَتَوَرَّعُوْنَ عَنِ اِرْتِكَابِ الفَوَاحِشِ ، وَقَبَائِحِ الأُمُوْرِ .
وَالعَلَوِيَّةُ : تَأْبَى عَلَى مُحِبِّيْهَا ، الرُّكُوْنَ إِلَى البَاطِلِ ، لأَنَّ الرِّضَى بِهِ : خِيَانَةٌ للحَقِّ ، وَخُذْلانٌ لأَهْلِهِ .

ـ لَوْ سَنَحَتِ الأَحْوَالُ ، للعَلَوِيَّةِ ، وَأُلْقِيَتْ إِلَيْهَا مَقَالِيْدُ الحُكْمِ فِي الإِسْلامِ ، لَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الأَرْضِ ، يُقِرُّوْنَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَلَمَا قَامَتْ تِلْكَ الحُرُوْبُ المُدَمِّرَةُ ، الَّتِي كَانَتْ سَبَباً فِي تَأَخُّرِ المُسْلِمِيْنَ ، وَاِنْقِسَامِهِمْ مَذَاهِبَ مُتَنَافِرَة ، يُكَفِّرُوْنَ بَعْضَهُمْ بَعْضاً ، لأَتْفَهِ الأَسْبَابِ .
فَالعَلَوِيَّةُ : بِمَا تَحْمِلُ مِنْ مَعَانٍ سَامِيَةٍ ، فِيْهَا الشِّفَاءُ مِنْ كُلِّ حَيْرَاتِ الفِكْرِ الغَابِرِ ، وَالمُعَاصِرِ ، وَمَا أَكْثَرَهَا .
وَعَلَيْهِ : فَإِنَّ أَيَّ حُكُوْمَةٍ إِسْلامِيَّةٍ ، عَاجِزَةٌ : عَنِ اِجْتِذَابِ المُجْتَمَعِ الإِنْسَانِيِّ ، حَتَّى تَجْعَلَ العَلَوِيَّةَ ، مَنْهَجاً لَهَا .
وَإِنَّ مِنْهَاجَ العَلَوِيَّةِ الأَمْثَلِ : يَتَجَلَّى فِي عَهْدِ الإِمَامِ ، عَلَيْهِ السَّلامُ ، الَّذِي كَتَبَهُ لِعَامِلِهِ عَلَى مِصْرَ : مَالِك اِبْنِ الحَارِثِ الأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .

ـ إِنَّ العَلَوِيَّةَ : تَرَى أَنَّ كُلَّ العُلُوْمِ الإِنْسَانِيَّةِ ، مُرْتَبِطَةٌ بِبَعْضِهَا ، فَلا يَخْلُوْ عِلْمٌ مِنْ بَقِيَّةِ العُلُوْمِ ، وَهَذَا :دَلِيْلٌ عَلَى وَحْدَةِ العِلْمِ ، وَقُدْسِيَّتِهِ.
إِلاَّ أَنَّ للعِلْمِ الرَّبَّانِيِّ ـ عِلْمِ أَهْلِ البَيْتِ ، الدَّالِّ عَلَى مَعْرِفَةِ اللهِ ـ مِيزَةً خَاصَّةً ، فَهُوَ : كَالجَوْهَرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّةِ العُلُوْمِ ، الَّتِي   هِيَ : كَالصِّفَاتِ القَائِمَةِ بِهِ .

وَفِي هَذَا المَعْنَى ، يَقُوْلُ أَحَدُ أَعْلامِ النَّهْضَةِ العَلَوِيَّةِ المُبَارَكَةِ :

إِنَّ العُلـــُوْمَ بَسَاتِيـــْنٌ مُنَوَّعَــــةٌ   لَهَا عَلَى بَعْضِهَا التَّفْضِيْلُ فِي الأُكُلِ
أَجَلُّهَا فِي أُصُوْلِ الشَّرْعِ مَعْرِفَةُ   اللهِ الجَلِيْــلِ الَّتِي تُنْجِــي مِنَ الخَبَــلِ

وَإِنَّ هَذَا التَّفْضِيْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ، شَاعِرُنَا الكَبِيْرُ : رَاجِعٌ إِلَى اِخْتِلافِ الأَذْوَاقِ ، لَكِنَّهُ : لا يُلْغِي اِرْتِبَاطَهَا ، بَلْ : يُؤَكِّدُهُ فِي وَصْفِهَا بِالبَسَاتِيْنِ.
أَمَّا : التَّفْضِيْلُ ، فَهُوَ : لِمَعْرِفَةِ اللهِ الَّتِي لا غِنىً عَنْهَا ، لأَنَّهَا : الغَايَةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا خَلَقَ اللهُ الكَائِنَاتِ ، بِأَسْرِهَا .

ـ يَقُوْلُ العَلاَّمَةُ الشَّيْخُ عَلِيّ سُلَيْمَان الأَحْمَد :

"إِنَّ العَلَوِيَّةَ : لا تَتَمَيَّزُ بِتَرْكِ الآفَاقِ كُلِّهَا مَفْتُوْحَةً ، أَمَامَ العَقْلِ وَالوُجْدَانِ ، بَلْ : هِيَ تَتَمَتَّعُ بِمِيزَةٍ مُقَابِلَةٍ ، لا تَقِلُّ أَهَمِيَّةً .
وَهِيَ : أَنَّهَا تُغْلِقُ أَمَامَكَ ، سُبُلَ البَاطِلِ ، وَالجَهْلِ ، وَالخُرَافَةِ ، فَطَرِيْقُ الحَقِّ : وَاحِدٌ ، وَكُلُّ الحَقَائِقِ لَهَا : أَعْيَانٌ ، لا تُخْطِئُهَا العَيْنُ ، وَلا يَجْهَلُهَا القَلْبُ ، فَإِذَا اِنْتَفَى البَاطِلُ ، وَعُلِمَ الحَقُّ ، فَلا مَجَالَ لِفِئَةٍ ثَالِثَةٍ ، وَلا للخُرَافَةِ ، وَالخُزَعْبَلاتِ ".

وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ ـ :
" إِنَّ أَمَرَّ مَا تَشْكُوهُ العَلَوِيَّةُ ، جَهْلُ أَخْصَامِهَا لَهَا، وَمَا هُوَ : أَدْهَى وَأَمَرُّ ، جَهْلُ أَبْنَائِهَا بِهَا ، فَيَجِبُ أَنْ نُعَرِّفَهَا لِهَؤلاءِ ، وَأُوْلَئِكَ ، بِوَجْهِهَا المُشْرِقِ ، فَلا يَحْجُبُهُمْ بَعْدَهَا الجَهْلُ عَنْ مَحَبَّتِهَا ، وَفَهْمِهَا ، وَتَقْدِيْرِهَا ".

وَهُنَا أَقُوْلُ :
إِنَّ العَلَوِيَّةَ ، لا تُعْرَفُ إِلاَّ بِذَاتِهَا ، وَ لا تُعْرَفُ بِغَيْرِهَا ، لأَنَّ مَعْرِفَتَهَا بِغَيْرِهَا ، يُؤَدِّي الجَهْلَ بِهَا ، إِلَى قَارِئِهَا ، وَعَلَى هَذَا : فَإِنَّ تَعَرُّفَهَا ، وَالتَّعَرُّفَ إِلَيْهَا ، مَنُوْطٌ بِالرُّجُوْعِ إِلَى أَبْنَائِهَا المُخْلِصِيْنَ ، الَّذِيْنَ اِقْتَبَسُوا الهُدَى مِنْ سَنَائِهَا المِعْطَاءِ .
أَمَّا : سَبَبُ الجَهْلِ بِهَا ، فَرَاجِعٌ إِلَى عَدَمِ البَحْثِ عَنْهَا ، بِتَجَرُّدٍ .
فَمَعْرِفَتُهَا : عَلَى جِهَةِ الحَقِيْقَةِ ، تُوْصِلُ إِلَى اِعْتِنَاقِهَا ، وَاِعْتِنَاقُهَا : يُزِيْلُ اللَّبْسَ ، وَيُنِيْرُ الدَّرْبَ ، وَيَجْلُو الرَّانَ .

ـ إِنَّ العَلَوِيَّةَ : لا تَرْفُضُ التَّعَصُّبَ ، بَلْ : تَدْعُو إِلَيْهِ ، وَتُمَارِسُهُ .
وَالتَّعَصُّبُ ـ عِنْدَهَا ـ تَعَصُّبٌ للحَقِّ ، وَتَعَصُّبٌ عَلَى البَاطِلِ ، فَفِي نَهْجِ أَمِيْرِهَا :
" فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مِنَ العَصَبِيَّةِ : فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الخِصَالِ ، وَمَحَامِدِ الأَفْعَالِ ، وَمَحَاسِنِ الأُمُوْرِ ، الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيْهَا المُجَدَاءُ ، وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوْتَاتِ العَرَبِ ، وَيَعَاسِيْبِ القَبَائِلِ ، بِالأَخْلاقِ الرَّغِيْبَةِ ، وَالأَحْلامِ العَظِيْمَةِ ، وَالأَخْطَارِ الجَلِيْلَةِ ، وَالآثَارِ المَحْمُوْدَةِ .
فَتَعَصَّبُوا لِخِلالِ الحَمْدِ ، مِنَ الحِفْظِ للجِوَارِ ، وَالوَفَاءِ بِالذِّمَمِ ، وَالطَّاعَةِ للبِرِّ ، وَالمَعْصِيَةِ للكِبْرِ ، وَالأَخْذِ بِالفَضْلِ ، وَالكَفِّ عَنِ البَغْيِ، وَالإِعْظَامِ للقَتْلِ ، وَالإِنْصَافِ للخَلْقِ ، وَالكَظْمِ للغَيْظِ ، وَاِجْتِنَابِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ " .

فَهُوَ : قَائِمٌ عَلَى العِلْمِ ، وَالمَعْرِفَةِ ، وَالأَخْلاقِ ، وَالفَضَائِلِ .
لأَنَّ مَنْ عَرَفَ الحَقَّ : فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ البَاطِلَ ، مِنْ كُلِّ وُجُوْهِهِ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ مَعْرِفَتَهُ الحَقَّ ، لَيْسَتْ كَامِلَةً .
أَمَّا : التَّعَصُّبُ القَائِمُ ، عَلَى الجَهْلِ ، فَسَاقِطٌ مِنْ مِيْزَانِهَا المُبِيْنِ .

وَهُنَا أَقُوْلُ :
يَجِبُ إِخْرَاجُ الإِسْلامِ ، مِنْ سُجُوْنِ المَذْهَبِيَّةِ المُتَعَصِّبَةِ ، تَعَصُّباً جَاهِلاً، لِكَي يَتَسَنَّى لأَبْنَائِهِ ، العَوْدَة إِلَى وَحْدَتِهِمْ ، وَلا يَكُوْنُ هَذَا إِلاَّ بِتَخَلِّي كُلِّ فَرِيْقٍ ، عَنْ عُقْدَةِ الأَحَقِيَّةِ ، الَّتِي بِسَبَبِهَا اِنْقَسَمَ المُسْلِمُوْنَ .
وَإِنَّ مَا يَحُوْلُ دُوْنَ الوَحْدَةِ ، لَيْسَ وَلِيْدَ الإِسْلامِ ، وَلا حَدِيْثَ الحُضُوْرِ ، وَلا مِنْ الخَارِجِ ،بَلْ : مِنْ آثَارِ الجَاهِلِيَّةِ الصَّمَّاءِ ، الَّتِي مَازَالَ بَعْضُهُمْ يَعِيْشُهَا .
فَالمُسْلِمُوْنَ غَنِيُّوْنَ عَنِ اسْتِيْرَادِ دَوَائِهِمْ ، مِنَ الخَارِجِ ، لأَنَّهُمْ يَمْلِكُوْنَ: مَا لايَنْفَدُ دَوَاءً كَافِياً لِبُرْئِهِمْ ، وَبُرْءِ غَيْرِهِمْ .

إِنَّ جَمِيْعَ الخُطَطِ الهَادِفَةِ ، إِلَى تَوْحِيْدِ المُسْلِمِيْنَ ، بَاءَتْ بِالفَشَلِ ، لأَنَّهَا : قَوْلِيَّةٌ ، وَلَيْسَتْ : فِعْلِيَّةً .
فَمَنْطِقُ الوَحْدَةِ القَوْلِيِّ : ثَابِتٌ فِي كِتَابِ اللهِ ، وَلا حَاجَةَ إِلَى اِبْتِكَارِ أَلْفَاظٍ ، وَوُجْدَانِ خُطَطٍ .
أَمَّا : المَنْطِقُ الفِعْلِيُّ ، فَهُوَ : شِبْهُ مَعْدُوْمٍ ، فِي النُّفُوْسِ المُخَدَّرَةِ .
فَلَيْسَ المَطْلُوْبَ : أَنْ نَنْزِلَ عَنِ المَذْهَبِيَّةِ ، بَلْ : أَنْ نَتَخَلَّى عَنِ العَصَبِيَّةِ عَلَى بَعْضِنَا ، وَأَنْ نَتَوَاصَلَ بِكُلِّيَّاتِ الإِسْلامِ ، لا : بِجُزْئِيَّاتِ المَذْهَبِ ، فَالمُسْلِمُوْنَ يَتَحَمَّسُوْنَ للوَحْدَةِ ، حِيْنَ تُصِيْبُهُمُ النَّوَازِلُ ، وَيَنْسَوْنَهَا فِي رَغَدِ العَيْشِ ، وَهَذَا الحَمَاسُ لا يَنْفَعُ ، إِذِ الأَوْلَى أَنْ يَكُوْنَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ .

ـ إِنَّ العَلَوِيَّةَ : تُعْطِي لِكُلِّ حَدِيْثٍ : دَلِيْلاً مِنْ كِتَابِ اللهِ ، وَلِكُلِّ   دَلِيْلٍ : بَيَانَهُ ، مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ ، وَالأَئِمَّةِ المَعْصُوْمِيْنَ ، وَأَنَّهَا : تَرَى جَمِيْعَ آيَاتِ الكِتَابِ مُحْكَمَاتٍ مَعَ الاِعْتِرَافِ بِالآيَاتِ المُتَشَابِهَاتِ إِذْ مِنْ مِنْهَاجِهَا رَدُّ المُتَشَابِهِ ، إِلَى المُحْكَمِ .

ـ لا أُغَالِي ، إِذَا قُلْتُ : إِنَّ العَلَوِيَّةَ ، سَبَقَتِ الزَّمَانَ وَالمَكَانَ ، بِمَا قَدَّمَتْ مِنْ ضَرُوْرِيَّاتٍ سَبَقَتْ ، أَوَانَ لُزُوْمِهَا ، وَالحَاجَةَ إِلَيْهَا ، وَبِهَذَا نَسْتَطِيْعُ أَنْ نُؤَكِّدَ أَنَّهَا الضَّمَانُ الأَكْمَلُ ، للمَسِيْرَةِ الإِنْسَانِيَّةِ المُسْتَقِيْمَةِ ، وَالحَاجَةُ الضَّرُوْرِيَّةُ للنَّفْسِ السَّالِكَةِ ، إِلَى اللهِ ، الَّتِي تَتَوَسَّلُ الكَمَالَ ، فَلا يُمْكِنُ نَيْلُهُ إِلاَّ بِاِعْتِنَاقِ العَلَوِيَّةِ القَائِلَةِ فِي مَضْمُوْنِ أَحْكَامِهَا : أَنَّ العِلْمَ وَالعَمَلَ ، هُمَا : جَنَاحَا الاِرْتِقَاءِ ، إِلَى عَالَمِ البَقَاءِ .

ـ لَمْ تَتَعَرَّضِ العَلَوِيَّةُ ، لِكُلِّ هَذِهِ الحَمْلاتِ ، إِلاَّ لأَنَّهَا ـ كَانَتْ ، وَمَازَالَتْ تُمَثِّلُ الفَضِيْلَةَ ، فِي أَبْهَى صُوَرِهَا ، بَلْ : كَانَتِ الفَضِيْلَةَ بِعَيْنِهَا ، وَبِهَا تَزَيَّنُ الفَضَائِلُ .
وَلَمَّا كَانَتْ بَعْضُ النُّفُوْسِ المُظْلِمَةِ ، مَا زَالَتْ تَعِيْشُ فِي أَوْكَارِ الرَّذِيْلَةِ، سَاءَهَا أَنْ تَرَى نَقِيْضَهَا : يَسْمُو ، وَيَتَأَلَّقُ ، وَلَمْ تَسْتَطِعِ الاِرْتِقَاءَ لِكَثَافَتِهَا ، وَلا الاِنْدِمَاجِ لِكَدَرِهَا ، فَسَعَتْ جَاهِدَةً إِلَى طَمْسِهَا ، فَلَم تَقَعْ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهَا .

ـ تُؤَكِّدُ العَلَوِيَّةُ : أَنَّ الإِسْلامَ ، لا يُعْرَفُ إِلاَّ بِالإِيْمَانِ ، لأَنَّهُ : كَمَالُهُ القُدْسِيُّ ، وَالإِيْمَانُ : لا يَكْمُلُ إِلاَّ بِاليَقِيْنِ ، لأَنَّهُ : غَايَتُهُ الكُلِّيَّةُ ، وَبَيْنَ الإِسْلامِ وَالإِيْمَانِ : تَرَابُطٌ لا اِنْفِكَاكَ لَهُ ، فَالأَوَّلُ : مَدْخَلٌ إِلَى الآخِرِ ، عَلَى جِهَةِ التَّدْرِيْجِ ، وَالآخِرُ : مُوَضِّحٌ لِلأَوَّلِ ، عَلَى جِهَةِ التَّكَامُلِ .

وَبَيْنَ الإِيْمَانِ وَاليَقِيْنِ : تَكَامُلٌ حَتْمِيٌّ ، لأَنَّ الأَوَّلَ : بِدَايَةُ التَّحْقِيْقِ ، وَالآخِرُ : غَايَةُ التَّوْثِيْقِ ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَاطَبَ أَوْلِيَاءَهُ بِالمُؤمِنِيْنَ ، وَلَمْ يُخَاطِبْهُمْ بِالمُسْلِمِيْنَ ، لأَنَّ الإِيْمَانَ : أَخَصُّ ، وَالإِسْلامَ : أَعَمُّ ، وَلا يَعْنِي هَذَا : أَنَّ الخِطَابَ بِصِفَةِ الإِسْلامِ ، يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِهِمْ ، وَلَكِنْ لِيُمَيَّزَ بَيْنَ الذِّيْنَ أَسْلَمُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ ، وَلَمْ يُؤمِنُوا بِقُلُوْبِهِمْ ، مِنَ الذِّيْنَ اِرْتَقوا أَعْلَى دَرَجَاتِ الإِيْمَانِ .

فَالإِسْلامُ : يَجْمَعُ الإِيْمَانَ وَاليَقِيْنَ ، فِي حَالِ كَمَالِهِ ، لِقَوْلِ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ :
" الإِسْلامُ ـ هُوَ ـ التَّسْلِيْمُ ، وَالتَّسْلِيْمُ ـ هُوَ ـ التَّصْدِيْقُ ،   وَالتَّصْدِيْقُ ـ هُوَ ـ اليَقِيْنُ ، وَاليَقِيْنُ ـ هُوَ ـ الإِقْرَارُ ،   وَالإِقْرَارُ ـ هُوَ ـ الأَدَاءُ ،وَالأَدَاءُ ـ هُوَ ـ العَمَلُ " .

ـ تَرْسُمُ العَلَوِيَّةُ للسَّالِكِيْنَ ، إِلَى اللهِ، صِرَاطاً مُسْتَقِيْماً ، لا يَضِلُّ قَاصِدُهُ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيْلِ ، وَفِي الوَقْتِ نَفْسِهِ ، فَإِنَّهَا : لا تُعَسِّرُ الأُمُوْرَ، بَلْ : تُقَدِّمُ أَيْسَرَ الأَسْبَابِ ، وَأَكْمَلَهَا ، وَأَوْضَحَ السُّبُلِ ، وَأَشْمَلَهَا ، مَعَ مَا يُلائِمُ الذَّوْقَ الوُجْدَانِيَّ وَطَاقَاتِ النُّفُوْسِ ، وَلا يُنَاقِضُ الفِطْرَةَ .

ثُمَّ إِنَّهَا تُصَنِّفُ السَّالِكِيْنَ ، إِلَى اللهِ ، تَصْنِيْفاً دَقِيْقاً ، وَتَقْسِمُهُمْ دَرَجَاتٍ مُخْتَلِفَةً ، لِتُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، وَتُضِيءَ السَّبِيْلَ ، لِكُلٍّ مِنْهُمْ .
فَالسَّالِكُوْنَ بِالإِسْلامِ : أَمِنُوا مِنَ الكُفْرِ المُرْدِي .
وَالسَّالِكُوْنَ بِالإِيْمَانِ : أَمِنُوا مِنَ الجَهْلِ المُرَكَّبِ وَالبَسِيْطِ ، وَالتَّقْلِيْدِ الأَعْمَى .
وَالسَّالِكُوْنَ بِاليَقِيْنِ : أَمِنُوا مِنَ التَّرَدُّدِ وَالحَيْرَةِ .
فَبِالإِسْلامِ : يَنْتَفِي الكُفْرُ عَنِ المَرْءِ ، لِيَبْدَأَ رِحْلَةَ العُبُوْدِيَّةِ وَالإِيْمَانِ .
وَبِالإِيْمَانِ : يَنْتَفِي التَّقْلِيْدُ عَلَى غَيْرِ بَصِيْرَةٍ ، وَيَبْدَأُ البَحْثُ وَالنَّظَرُ للوُصُوْلِ إِلَى اليَقِيْنِ .
وَبِاليَقِيْنِ : يَنْتَفِي التَّرَدُّدُ ، وَالحَيْرَةُ المُقْلِقَةُ ، وَيَبْدَأُ الاِسْتِقْرَارُ ، بِمَرَاتِبِهِ ، وَالسُّكُوْنُ بَعْدَ حَرَكَةِ السَّيْرِ ، إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ تَعَالَى ـ : فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر : 98-99]