الفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ .

أُضيف بتاريخ الجمعة, 15/10/2010 - 17:00

وَهِيَ : للعَالِمِ الشَّيْخِ عَلِيّ سُلَيْمَان الأَحْمَد ، وَقَدِ اِقْتَبَسَهَا مِنْ أَبْيَاتٍ لِوَالِدِهِ الإِمَامِ العَلاَّمَةِ الشَّيْخِ سُلَيْمَان الأَحْمد ، فِي كَلِمَةٍ عَنْهُ:

" لَيْسَ بِدْعاً أَنْ يَشْغَلَ حُبُّ آلِ البَيْتِ ، قِسْطاً كَبِيْراً ، مِنْ تَفْكِيْرِهِ ، وَحَيِّزاً أَكْبَرَ مِنْ عَاطِفَتِهِ ، وَوُجْدَانِهِ ، فَقَدْ نَشَّأَهُ وَالِدَاهُ ـ كَمَا يَقُوْلُ لَنَا ـ عَلَى ذَلِكَ :

وَلَقَّنَنِي بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ هَدْيَهُ   فَأَشْرَبَ قَلْبِي حُبَّ أَبْنَاءِ فَاطِمِ .

وَإِنَّا فِي هَذِهِ النَّمَاذِجِ ، الَّتِي نُقَدِّمُهَا لَكَ ، نَلْمِسُ ذَلِكَ بِوُضُوْحٍ ، فَهِيَ تَأْسِرُنَا بِمَا يَتَجَلَّى بِهَا ، مِنْ صِدْقِ العَاطِفَةِ ، وَحَرَارَةِ الوَجْدِ ، وَشُمُوْلِ الاِطِّلاعِ ، عَلَى كُلِّ مَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيْثٍ بِفَضْلِهِمْ ، وَمَكَانَتِهِمْ، فَهُمُ : الحَقُّ ، وَالذُّخْرُ ، وَالمَلاذُ ، وَالعِصْمَةُ ، وَسَفِيْنَةُ النَّجَاةِ ، وَحُبُّهُمُ : الفَوْزُ ، وَوَضْعُ الوِزْرِ ، وَالمُعْتَمَدُ ، وَوَلاؤهُمُ : الهِدَايَةُ ، وَالحَبْلُ المَتِيْنُ ، وَالعُرْوَةُ الوُثْقَى ، وَالفَرْضُ المُنْزَلُ ، إِلَى مَا لايُحْصَى مِمَّا وَرَدَ بِهِمْ ، وَعَنْهُمْ ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ ، لا يَعْدُو أَنْ يَكُوْنَ مِنَ العَوَاطِفِ المُشْتَرَكَةِ ، الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ نَجِدَ لَهَا اِحْتِمَالاً وَتَفْسِيْراً ، فِي البِيْئَةِ وَالتَّنْشِئَةِ ، فَهَلْ نَرْضَى مِنْهُ ، أَوْ هُوَ يَرْضَى لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ .

إِنَّ وَرَاءَ المَأْثُوْرِ وَالمَنْقُوْلِ ، وَالصِّيَغِ وَالتَّعَابِيْرِ ، مَعْنىً أَسْمَى ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَنْكَشِفَ إِلاَّ لِمَنْ صَفَتْ مِنْهُمُ السَّرَائِرُ ، وَلا أَنْ يَسْتَوْطِنَ إِلاَّ أَشَفَّ دَرَجَاتِ الرُّوْحَانِيَّةِ ، لَقَدِ كُشِفَ لهُ ، وَرَاحَ يَكْشِفُهُ ، إِنَّ حُبَّهُمْ ، هُوَ : الفَنَاءُ بِذَاتِ اللهِ الحَقِّ.

إِنَّ الفَنَـــاءَ بِذَاتِ اللهِ مَرْتَبَــةٌ   تُشَرِّفُ الوَاصِلِيْهَا أَيَّ تَشْرِيْـفِ
قَـدْ عَرَّفُوْهَـا بِأَلْفَـاظٍ يُؤَوِّلُهَـا   كُلٌّ لِمَعْنىً بِتَصْحِيْـفٍ وَتَحْرِيْـفِ
وَحَدُّهَــا أَنـَّهَا إِخْـلاصُ حُبِّكُمُ   للهِ يَا عِتْرَةَ الهَــادِي بِتَـعْرِيْـفِـي

إِنَّ الفَنَاءَ بِذَاتِ اللهِ : عُنْوَانٌ ضَخْمٌ ، فِي تَارِيْخِ الفِكْرِ الإِنْسَانِيِّ ، حَيَّرَ الأَذْهَانَ وَعَكَّرَ صَفَاءَ الاِعْتِقَادِ ، وَلَوْ تَتَبَّعْتَهُ فِي عَنَاوِيْنِهِ البَارِزَةِ ، مِنَ ( النِيرفانا ) عِنْدَ الهُنُوْدِ إِلَى صُوْرَتِهِ ، فِي مَبْدَأِ الحُلُوْلِ ، وَوَحْدَةِ الوُجُوْدِ ، وَوَحْدَةِ الشُّهُوْدِ ، لَهَالَكَ مَا تَجِدُ مِنِ اخْتِلافٍ ، فِي التَّأْوِيْلِ وَالتَّحْدِيْدِ ، وَلَنْ تَقِفَ عِنْدَ مَفْهُوْمٍ مِنْ مَفَاهِيْمِهَا حَتَّى يَنْتَصِبَ أَمَامَكَ مَنْ يَقُوْلُ لَكَ : لا ، لَيْسَ الأَمْرُ هَكَذَا تَمَاماً ، وَلَكِنَّهُ كَيْتَ و َكَيْتَ ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَهُ ، مَنْ يُضِيْفُ إِلَى هَذَا ، الكَيْتِ كَيْتاً ، وَكَيْتاً آخَرَ .

فِي خِضَمِّ هَذِهِ الحَيْرَاتِ ، يَطْلُعُ عَلَيْنَا الشَّيْخُ سُلَيْمان الأَحْمَد ، بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ ، فَيَحِلُّ لَكَ ، إِمَّا تَأَمَّلْتَهَا ، وَفَرَّعْتَ مِنْهَا ، مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنْ حَقَائِقِ كُلِّ المُشْكِلاتِ ، وَيَجْلُو كُلَّ المُعَمَّيَاتِ .

إِنَّ جَمِيْعَ مَا قَالُوا ـ بِرَأْيِهِ ـ أَلْفَاظٌ يُؤَوِّلُهَا كُلٌّ حَسَبَ هَوَاهُ ، وَيُصَحِّفُهَا حَتَّى تَنْطَبِقَ عَلَى مُبْتَغَاهُ ، وَهُنَا لابُدَّ للمَرْءِ ، مِنَ التَّسَاؤلِ ، عَمَّاذَا عِنْدَهُ ، بَعْدَ أَنْ أَزْرَى بِكُلِّ مَنْ قَالَ ، وَمَا قِيْلَ ، إِنَّهُ : أَعَدَّ جَوَابَهُ الوَاضِحَ الصَّرِيْحَ .

وَحَدُّهَا أَنَّهَا إِخْلاصِ حُبِّكُمُ   للهِ يَا عِتْرَةَ الهَادِي بِتَعْرِيْفِي

فَيَنْتَشِلُنَا مَنْ وَهْدَةِ الأَقْوَالِ ، لِيَرْفَعَنَا إِلَى مَنْبَعِ الاِتِّصَالِ الأَسْمَى ، الحُبِّ بِاللهِ ، وَلَكِنْ مَا هُوَ هَذَا الحُبُّ بِاللهِ ؟ ، وَكَيْفَ يَفْنَى المُحِبُّ بِالحَبِيْبِ ؟ .

إِنَّا إِذَا تَقَرَّيْنَا ، كُلَّ تَارِيْخِ الإِنْسَانِيَّةِ ، لَنْ نَجِدَ ، أَنَّهَا أَنْتَجَتْ عَمَلاً عَظِيْماً خَالِداً ، إِلاَّ وَكَانَ مَبْعَثُهُ ، وَمُنْطَلَقُهُ : هَذَا الحُبُّ ، بَلْ : إِنَّ الوُجُوْدَ بِأَسْرِهِ مَعْلُوْلٌ للحُبِّ قَالَ اللهُ ـ فِي حَدِيْثٍ قُدْسِيٍّ ـ :   " كُنْتُ كَنْزَاً مَخْفِيَّاً ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ " فَبَدْءُ الوُجُوْدِ كُلِّهِ إِذَاً حُبُّ أَنْ يُعْرَفَ ، سُبْحَانَهُ .

وَلَكِنْ مَا هُوَ هَذَا الحُبُّ ؟ .

إِنَّا إِذَا اِنْطَلَقْنَا مِنَ الكَلِمَاتِ ، لِفَهْمِ المَعْنَى ، قَدْ تَتَشَعَّبُ بِنَا السُّبُلُ ، وَتَخْتَلِطُ الصُّوَرُ ، لَكِنْ حَتَّى يَكُوْنَ فَهْمُنَا صَحِيْحاً ، وَتَدُلُّ الكَلِمَاتُ عَلَى مَدْلُوْلِهَا ، يَجِبُ أَنْ نَنْطَلِقَ مِنَ المَعْنَى ، إِلَى الكَلِمَةِ ، فَيَنْتَفِي الغُمُوْضُ وَالاِلْتِبَاسُ ، فِي دَلالَتِهَا ، فَكَلِمَةُ الحُبِّ هُنَا ، نَعْنِي بِهَا : أَسْمَى المَشَاعِرِ ، الَّتِي يَعْرِفُهَا الإِنْسَانُ ، فَتَجْعَلُ مِنَ الحَبِيْبِ مَثَلاً أَعْلَى وَقُدْوَةً يُحْتَذَى ، فَالمُحِبُّ فِي رِضَىً كَامِلٍ ، عَنْ كُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنِ الحَبِيْبِ ، فَهُوَ : لَهُ تَابِعٌ طَيِّعٌ ، وَظِلٌّ ظَلِيْلٌ .

لا يَهْوَى إِلاَّ بِهَوَاهُ ، و َلايَرَى إِلاَّ مَاتُرِيْهِ عَيْنَاهُ ، وَذَلِكَ مَقَامُ العَبْدِيَّةِ الكَامِلَةِ ، الَّتِي فَخَرَ بِهَا الرَّسُوْلُ الأَعْظَمُ ، قَبْلَ الفَخْرِ بِرِسَالَتِهِ ، حَيْثُ كَانَ يَقُوْلُ : أَنَا عَبْدُ اللهِ ، وَرَسُوْلُ اللهِ ، وَهَذِهِ العَبْدِيَّةُ : لاصِلَةَ لَهَا قَطُّ بِالعُبُوْدِيَّةِ المَقِيْتَةِ ، الَّتِي قَدْ يَدْخُلُ عَلَى الذِّهْنِ مِنْهَا ، بَعْضُ الاِشْتِبَاهِ ، لِلاِشْتِرَاكِ بِاللَّفْظِ ، وَلَقَدْ أَوْضَحَها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَآلِهِ ، وَسَلَّمَ ، بِقَوْلِهِ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ ، حَتَّى يَكُوْنَ حُبُّ اللهِ ، وَحُبُّ رَسُوْلِهِ : أَحَبَّ إِلَيْهِ ، مِمَّا عَدَاهُ " .

فَالعَبْدِيَّةُ الحَقَّةُ إِذَاً ، هِيَ : أَعْلَى مَرَاتِبِ الإِيْمَانِ ، وَمَعْنَاهَا وَمَبْنَاهَا : تَمَامٌ ، وَكَمَالُ المُطَابَقَةِ فِي : الاِعْتِقَادِ وَالسُّلُوْكِ مَعَ أَمْرِ اللهِ ، وَنَهْيِهِ ، فِعْلاً وَقَوْلاً ، وَمَا نَفْعُ قَوْلٍ بِلا فِعْلٍ ، فَلَقَدْ أَزْرَى الإِمَامُ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، عَلَى بَعْضِ شِيْعَتِهِ مِمَّا كَانُوا يَدَّعُوْنَ مَحَبَّتَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ مُطَابِقاً للفِعْلِ : " أَتَزْعُمُوْنَ أَنَّكُمْ تُحِبُّوْنَنَا ـ لا ، وَاللهِ ـ حَتَّى تُوَالُوا أَوْلِيَاءَنَا ، وَتُعَادُوا أَعْدَاءَنَا ، وَتَفْعَلُوا أَفْعَالَنَا " .

وَبِمَا أَنَّ العِتْرَةَ الطَّاهِرَةَ ، فِي نَظَرِهِ ، وَخِبْرَتِهِ ، هِيَ : المُتَحَقِّقَةُ بِأَسْمَى وَأَتَمِّ دَرَجَاتِ العَبْدِيَّةِ للهِ ، فَكَانَ حُبُّهُمْ وَالاِقْتِدَاءُ بِهِمْ ،   هُوَ : الفَنَاءُ بِاللهِ الحَقِّ ، لأَنَّ الفَنَاءَ بِاللهِ الحَقِّ ، مَعْنَاهُ : العَبْدِيَّةُ المُطْلَقَةُ للهِ سُبْحَانَهُ ، لا : حُلُوْلَ ، وَلا: اِتِّحَادَ ، وَلا : اِنْمِحَاقَ ، صَحِيْحٌ : أَنَّ هَذَا الفَنَاءَ لا يَزَالُ عَسِيْرَ التَّحْقِيْقِ ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ سُلَيْمَان الأَحْمَد ، قَدْ أَوضَحَ لَنَا إِلَيْهِ الطَّرِيْقَ .

أَيُّهــَــا الطَّالِبُ المُقَـلِّدُ جَهْــلاً   كُنْ مَعَ الحَقِّ كَيْفَ كَانَ عِيَانَا
إِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ   كَفَـى لَــوْ عَقَلْــتَ ذَاكَ بَيَانَـــا