المعجزة دليل النبوة

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 03/11/2010 - 17:50

سُئل الإمام الصادق عليه السلام ،لأيّ عِلّة أعطى الله عز وجل أنبياءه ورسله وأعطاكم المعجزة ؟
فقال: ليكون دليلاً على صدق من أتى به، والمعجزة علامة لله لا يعطيها إلا أنبياءه ورسله وحججه ليعرف به صدق الصادق من كذب الكاذب.

ومن المعروف بأنّ الإنسان بطبيعته المحدودة وعدم إدراكه للأمور العقلية المجردة لا يميل إلى تصديق الأمور الغريبة على طبعه وحسه ابتداءً إلا بمقدمات برهانية أهمها الدليل القاطع المُزيل للشك فإذا ظهر الدليل وقع التصديق منه وزال الشك وصح التسليم وارتفع السؤال، وإنّ من أظهر الأدلة على تصديق النبوة وأقطعها هو ظهور المعجز على أيديهم.

فما هي المعجزة ؟

هي كل أمر خارق للعادة يعجز الإنسان عن الإتيان بمثله، ويجب أن تكون مُقترنة بالدعوة مُطابقة لها يعجز الغير عن ردّها ومُعارضتها فإذا اكتملت هذه الشروط صَحَّت نبوّة الداعي وصَحَّت دعــوته ووجب اتباعها والعمل بها.

وإنّ الكتاب العزيز قد أخبر في آيات كثيرة عن ظهور معجزات خارقة وواضحة على أيدي الأنبياء والمرسلين مما يدل على أنهم صادقون في دعواهم ومرسلون من قبل الله سبحانه وتعالى فالمصدق بهم مؤمنٌ والمكذب لهم كافرٌ وما ربك بظلام للعبيد فكانت المعجزة هي الحجة على العباد والهادية إلى وجوب تصديق الداعي إلى الرشاد .

وأما فيما يختص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن معاجزه كثيرةٌ ، ومن أعظم معجزاته الدالة على صدق نبوته والتي تحدى بها الناس وجعلها دليلاً على أحقية ما جاء به من عند ربه هو الكتاب العزيز الذي ﴿ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فصلت\42.
وذلك بدليل قوله تعالى: ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ الإسراء\88.
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾ النساء\174. أيّ: القرآن.
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ﴾ النساء\170.
وقال: ﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ النساء\162.
وقال: ﴿ لَّـٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ النساء\166.

ولمـا كـانت المعجزة والوحي وخلافهما واردة إلينا من طريق النقل والتقليد وكان القرآن المجيد من حين نزوله إلى يومنا هذا بتعاليمه الخالدة وحكمه اللاهوتية وتشريعه المحكم بين أيدينا مما لا تخلق جدته ولا تنقضي علمنا علم اليقين أنه أعظم دليل وأقوم برهانٍ على نبوته عليه الصلاة والسلام.

أما الدليل على صدق نبوته من طريق المعجزة ما رواه صاحب الهداية الكبرى السيد الثقة الأجـل الأقدم أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ق) مرفوعاً إلى جعفر بن محمد بن مالك وكان راوياً علوم شيعة آل محمد عن جعفر الصادق عن الباقر عليهما السلام، قال:

لما ظهر رسول الله(ص)بالرسالة والوحي بمكة وأراهم الآيات العظيمة تحيرت قبائل قريش فيما أتى به فاجتمع بعضهم إلى بعض وقالوا: ماذا ترون فيما أتى به محمد من السحر والكهانة الذي يُعجزُ الإنس والجن؟
فقال بعضهم : اجمعوا على أن نسأله أن يشق لنا القمر ، فإن القمر ما سمعنا أنّ أحداً من الأنبياء قدر أن يشقه ، فأجمعوا أمرهم وجاءوا إلى رسول الله، فقالوا يا محمد قد جعلنا بيننا وبينك آية إن أتيت بها صدقناك وآمنا بك. فقال:اسألوني ، فقالوا : الموعد بيننا إلى سواد الليل وطلوع القمر حيث تقف على المشعرين وتدعوا ربك الذي أرسلك أن يشق لك القمر شعبتين حيث ينزل نصف على المشعرين والآخر على الصفا.
فقال (ص) فهل انتم تؤمنون ؟ قالوا: نعم.
وتسامع الناس والتجأوا إلى سواد الليل فأقبل الناس يهرعون إلى البيت وحوله حتى أقبل الليل واسوّدَ وطلع القمرُ وأنار ، وحضر الني (ص) ومعه علي بن أبي طالب، فقال عليه السلام: قمْ يا أبا الحسن وقِفْ بجانب الصفا وهرول إلى المشعرين ونادِ بهذا جهاراً وقل بندائك: (اللهم رب هذا البيت الحرام والبلد الحرام وزمزم والمقام ومرسل هذا النبي التهامي ائذن للقمر أن يُشق إلى الصفا منه نصف ، وإلى المشعرين نصف، فقد سمعت سرنا ونجوانا وأنت بكل شيء محيط)
ثم هرول أمير المؤمنين من الصفا إلى المشعرين ونادى وأسمع بالدعاء فما استتم دعاءه حتى كادت الأرض أن تسيخ بأهلها والسماء أن تقع، ثم أن القمر انشق نصفين نصفاً وقع على الصفا ونصفاً وقع على المشعرين، فأضاءت مكة وصاح المنافقون أهلكنا محمد بسحره ثم رجـع رسول الله ورجع القمر إلى منزله بالفلك .

وفي الهداية أيضاً مرفوعاً إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر أنه قال لما ظهر النبي (ص) ودعا قريشاً إلى الله تعالى فنفرت قريش من ذلك وقالوا: يا ابن أبي كبشة قد ادعيت أمراً عظيماً، أتزعم أنك نبي وأنّ الملائكة تنزل عليك وقد كذبت على الله ورسله وملائكته ودخلت فيما دخل به السحرة والكهنة.
فقال لهم النبي: يا معاشر قريش أتجزعون أن أدعوكم إلى الله وإلى عبادته والله ما دعوتكم حتى أمرني ربي بذلك وما أدعوكم أن تعبدوا حجراً من دون الله ولا وثناً ولا صنماً ولا ناراً وإنما دعوتكم أن تعبدوا من خلق هذه الأشياء كلها وخلق الخلق جميعاً وهو ينفعكم ويضركم ويحييكم ويميتكم ويرزقكم.
ثم قال: والله لتستجيبون إلى هذا الذي أدعـوكم إليه شئتم أم أبيتم طائعين أو كارهين صغيركم وكبيركم فبهذا أخبرني جبريل عليه السلام عن رب العالمين وإنكم لتعلمون أنني لست بكاذب وما بي من جنون ولا سحر ولا كهانة.

ومن معجزاته (ص) :

  • كلام الذئب وشهادته بالرسالة له.
  • ومنها مجيء الشجرة لما دعاها فأجابته ولها صوت كدوي الرعد القاصف من غير جاذب لها ولا دافع، ثم رجعت إلى مكانها .
  • ومنها تسبيح الحصى بين يديه.
  • ومنها رد عين قتادة حين سالت على خده.
  • ومنها شهادة الضب بنبوته (ص).
  • ومنها تسليم الحجر والشجر عليه(ص).
  • ومنها إقرار الظبية بالشهادتين بين يديه.
  • ومنها حنين الجزع له(ص).
  • ومنها تظليل الغمام وتكليم الموتى.
  • ومنها إخباره بالغيب في مواطن كثيرة:
    • كإخباره بقتل الحسين عليه السلام وموضع قتله.
    • وإخباره لعلي عليه السلام: ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بقتله بأنه سيضرب على رأسه فيخضب لحيته من دمه.
    • وقوله لعمـار بن ياسر رضي الله عنه تقتلك الفئة الباغية فقتله أصحاب معاوية.
    • وإخباره للصحابة بأنهم يفتحون مصر وأوصاهم بالقبط خيراً فإنّ لهم ذمّة ورحماً.

وغير ذلك من المعجزات التي لا يتأتى بيانها بالاختصار ، وقد ضبط له المؤرخـون ألف معجزة(ص) كلها ثابتة بالتواتر والشهرة، وكفى بكتاب الله تعالى معجزاً وهذا يدل على صدق نبوّته وبأنّ كل ما جاء به من عند ربه وبأنه لا ﴿ يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ﴾ النجم\3\4\5.

فتبين لنا بأن المعجزة حاجة ملحة للنبي وللناس على حد سواء.

أما النبي فإنه لا بد له من الإتيان بالمعجزة ليتمكن من القيام بدوره الذي بُعث لأجله على أكمل وجه. ولأن المعجزة تكون شاهداً على صدق دعواه إذ كل دعوى تحتاج إلى دليل يثبتها.

أما حاجة الناس إلى المعجزة فلأن رسالة النبي تحمل إليهم الكثير من التكاليف التي لم يألفوها وتفرض عليهم التخلي عن عقائد لازمتهم أمداً طويلاً فلا بد من سلوك سبيل الإقناع معهم والمعجزة كفيلة بذلك.

وأختم هذا الفصل بقول العلامة الحكيم الإمام الشيخ عبد اللطيف إبراهيم:

لك معجـــزاتٌ لا يطيــق بيــانهـا   فكــري ولا يسطيعهـا إنشـائي
كيف السبيل لحصرها وهي التي   تربــو بكثرتهـا على الإحصـاء


وفي هذا كفــــاية