معتقدات العلويين في: التقيّة، الباطنية، الغلو، الحلول، الإتحاد، التجلي...

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 03/05/2011 - 19:40

المرسل: علوية حتى النخاع \ 02\05\2011م

السلام عليكم من جديد
شيخنا الفاضل، المتابع لبعض الكتب التي تناولت العلويين في حديثها يكتشف تناقضات جَمّة وكثيرة في مزاعمهم المختلفة عن العلويين، وتم اتهامهم بعقائد مختلفة ونسبوها اليهم على الرغم من التناقض الصارخ والواضح بين الواحدة والأخرى ؟!
وممّا نُسب الينا من معتقدات تارة الحلول وتارة الاتحاد وتارة التجلي !! ولست أدري كيف جُمعت هذه المصطلحات المتناقضة في عقيدة واحدة ممّا يدل على افتراء المُفترين وعدم التزام الحيادية في النهج والموضوعية والمصداقية في الكتابة
فهلا أكرمتنا وأكرمت القراء الكرام بتعريف كل مصطلح من المصطلحات الآنفة الذكر وتوضيح الموقف العلوي منها !!

ثانياً وضمن نفس السياق وفي اطار المزاعم نَسب الينا البعض تهمة الغلو في الأئمة عليهم السلام وتحديداً في سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام حتى وصل افتراء البعض الى درجة اتهامنا بتأليه سيدنا علي عليه السلام والعياذ بالله وعليه أُسند القول بالحلول أو التجلي !! وهذا افتراء لطالما رد عليه علماؤنا في كتبهم ومؤلفاتهم ؟ ولكن يبدو أنّ قلة الاطلاع جعلت المشكلة مازالت قائمة والافتراء مازال موجوداً وبعضهم يستدل علينا في زعمه على أقوال يزعم أنها لكبار علماء العلويين فينسب لهم أقوال تثبت مزاعمهم !
فحبذا لو توضح لنا وللقراء الراغبين بمعرفة الحق ولاشيء سواه: حقيقة اعتقادنا ونظرتنا لمقام سيدنا علي عليه السلام، وتُقدّم لنا ولهم الحقيقة الساطعة والنيّرة ممّا لا يترك أدنى لبس وشك عند أصحاب العقول والضمائر

ثالثاً يتفرّع عمّا سبق مفهوم التقية والباطنية، فقد لاحظنا أثناء حواراتنا مع اخوتنا من المذاهب الاخرى أننا: عندما نُقيم عليهم الحجة وندعوهم لقراءة كتبنا يتهموننا بالتقية وأنّ فرقتنا باطنية تُخفي مُعتقدها !!
وهذه تهمة لطالما أُلصقت بنا حتى أصبحت عند البعض حقيقة غير قابلة للجدل !!
ورغم اصرارنا وتأكيدنا على أنّ عقيدتنا واضحة وضوح الشمس ولا يوجد فيها ما يستدعي اخفاؤه وكتمانه وأنه ينطبق علينا ماينطبق على سائر المذاهب الأخرى، بأن لا يُعطى العلم كله الا لمن كان أهلاً له، ومراعاة التدرّج في الحصول على المعلومة فيُعطى كل راغب لها حسب علمه وفهمه واستيعابه، وهو أمر مُطبق عند الجميع وفي كل نواحي الحياة وليس فقط في الدين ؟! ورغم الانفتاح الحاصل وكثرة الكتب الصادرة لعلماء العلويين والتي تَعرض بكل صراحة ووضوح وموضوعية وبكل بُعد عن الغموض حقيقة ما نعتقد به، ورغم كل ذلك مازال شبح الباطنية يطاردنا !!
فحبذا شيخنا الفاضل لو تضع لنا النقاط على الحروف وتُقدم لنا تعريفاً فقهياً للتقية ! اضافة الى عرض مُبَسّط لمصطلح الباطنية وجذورها التاريخية وسبب إلصاق هذه التهمة بنا ومدى صحتها وحقيقتها..

ولكم وافر الشكر والامتنان وندعو لكم بعظيم الأجر عند الله سبحانه وتعالى 1

الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين المتعالي عن صفات الواصفين ونعوت المتجسمين، والصلاة والسلام على محمد وآله أئمة الهدى ونجاة السالكين.

الأخت الفاضلة ( علويةٌ حتى النخاع ) تحية طيبة وبعد:
أسئلة تنم عن وعي وإدراك وفهم صحيح لأصول المعتقد، وقد تحدثت عنها في مواضع عدة ولا بأس من جمعها في مكان واحد:

تعرضت هذه الطائفة لكثير من حملات التشهير، وصدر بحق أبنائها فتاوى كثيرة لا تمت إلى الإسلام بصلة ، وحين يُعرف السبب يزول العجب، وما هو إلا الولاء الخالص لآل البيت ولاءً قلبياً تُرجم في الخارج عقيدة وسلوكاً، وكان ثمنه باهظاً قتلاً وتنكيلاً وحرماناً.

أُجبر العلوي على العمل بالتقية التي أباحها الله لعباده في مُحكم كتابه، ثم حوسب عليها واتهم بالباطنية وإخفاء المعتقد، ولو أتاحوا له الفرصة واحترموا حرية إعلان المعتقد لما اضطر إلى التقية، وبالنتيجة أجبروه على التقية وحاسبوه عليها!.

التقيّـة
  فما هي التقية وما الدليل عليها وما هي أسبابها وما هي حدودها ؟
التقية حكم إسلامي منصوص عليه في الكتاب الكريم والسنة النبوية، وإنّ العمل بموجبه حين الاضطرار إليه في حالات حدّدتها الشريعة الغراء لا يوجب ذماً كما يظن البعض، وهي في اللغة: الحذر، وفي الاصطلاح: تجنب العدو بإظهار ما يوافقه مع إضمار ما يخالفه من عقيدة وغيرها وهو واجب في موارد محددة.
والدليل عليها من كتاب الله قوله تعالى: (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَ‌لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً..)
أما الدليل عليها من السنة الشريفة فقول رسول الله صلى الله عليه وآله: [رُفع عن أمتي: الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه.].
ولا يُخفى على أهل العلم ما وقع لعمار وأبويه وتعذيب المشركين لهم ولجماعة من الصحابة وحملهم لهم على الشرك وإظهارهم الكفر ، وقول الرسول (ص) له: [ إن عادوا لك، فعُد لهم بما قلت.].
أما وجوبها وأسبابها فهو كما قال المولى الصادق عليه السلام: [التقية في كل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به.]
وأما حدودها فهو في قوله عليه السلام : [ إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية.]

فهذا مفهوم التقية باختصار التي اضطر العلوي إلى العمل بمشروعيتها في عصور مظلمة كان الولاء لعلي جريمةً عقوبتها الموت، وقد سجّل لنا التاريخ الكثير من الجرائم في صفحاته العفنة، ومن مِنّا لا يعرف ما تعرّض له قنبر غلام أمير المؤمنين وحجر بن عدي وأصحابه ورشيد الهجري وغيرهم من ثقات أمير المؤمنين وأشياعه.

أما الباطنية فلها بحث مستقل ألخصه في هذه الأسطر:

الباطنيـة في الإسلام

أوَّل وهلة يُصدم القارئ عند قراءة هذا العنوان ويسأل، هل هناك باطنية في الإسلام ؟
قبل الإجابة على هذا السؤال علينا تعريف الباطنية بما يتناسب مع الواقع لا مع الأوهام المختلقة، فالباطنية أمرٌ واقع لا محال، ويُعَبّر عنها بالتقية الجائز العمل بها في كتاب الله في أوقات مخصوصة مع أقوام مخصوصين، وقد مُورست هذه الباطنية عهوداً طويلة حينما فَرضَ حُكامُ السوء مذاهب معيّنة على جميع من كان في دائرة سلطانهم بالقهر والقوة، ومنعوا مذاهب أخرى من الظهور، فقام أصحابها بممارستها سراً مستعينين بمشروعية التقية حفاظاً على أرواحهم، فاتّهمهم المتعصبون لغير الحق بكل قبيح، ووصموهم بالباطنيين والغلاة، وما إلى ذلك من تعابير تتناقض مع الحقيقة.

فهذه هي الباطنية التي قامت الدنيا ولم تقعد ضد أهلها، وهي في الحقيقة: الإسلام عينه وفق منهاج كتاب الله وسنة رسوله ومذهب أهل البيت المعصومين، هذا المذهب الذي مُنع من الظهور، ومُورست أقبح الجرائم بحق مُعتنقيه، وأُلصقت بهم آلاف التُهم الكاذبة، فالحُكّام الفاسدون حرموا الناس من حرية التمذهب، وأجبروهم على استعمال التقية حفاظاً على أرواحهم، ثم رموهم بكل قبيحٍ، وحاكموهم على أساس هذه التهم المركبة.

وبالنتيجة: فلا باطنية في الإسلام كما يُصَوّرها البعض ويُروّج لها لينتقص من قدر الآخرين، فلو ساد التسامح عند من يجب أن يكونوا من أهل السماحة، وتُرك الخَيَار للأفراد لكي يُمارسوا إسلامهم وفق المذاهب التي يتمذهبون بها، لما اضطر أحدٌ أن يتكتم على مذهبه ويعمل بتقيّته، ولما كان هناك ما يُسمّى بالباطنية التي يُوصَم بها كل من لم يتمذهب بمذهب السلطان أو بمذهب فقهاء السلطان، لأن السلطان لا مذهب له إلا حُب السلطة ولو كان ذلك على حساب الدين وقد كان. (صفحات علوية)

  فالباطنية تقسم إلى ثلاثة أقسام:
  • باطنية سلبية: وهي إظهار الإسلام نِفاقاً واعتقاد ما يُخالفه سراً. وهذه هي الباطنية التي ألصقها بنا المفترون الحاقدون في مقالاتهم ونحن منها براء براءة الذئب من دم يوسف, وليست من معتقداتنا الإسلامية ولا تندرج في مقالاتنا العلوية.
  • باطنية إيجابية: وهي إظهارُ الإسلام تسليماً, واعتقادُه تصديقاً, وتصديقه يقيناً, وتيقنه إقراراً, وإقراره أداءً, وأداؤه عملاً خالصاً لوجه الله, وهذا ما ندين به ما حيينا.
  • باطنية اضطرارية: وهي القول بالتقيّة المُرخّص بها والمُصرّح عنها شرعاً في أوقات مخصوصة وبسبب عَمَل العلوي بها اتُّهِمَ بالباطنية السلبية.
فظاهر الإسلام: هو الإقرار بالشهادتين والعمل بأحكام الدين المُصرّح عنها في الكتاب المبين وعلى لسان الرسول الأمين(ص).
وباطنه: هو رسوخ هذا الظاهر رسوخاً يقينياً في القلب والإعتقاد الصادق بولاية أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين, وهذا الباطن هو عين الظاهر وكماله, لأن كمال الدين وتمام النعمة هي ولاية علي وبنيه أهل العصمة(ع).

  فالمسلم العلوي: مؤمن بولاية أمير المؤمنين، والقول بأفضليّته وعصمته من صميم كتاب الله وسنّة رسول الله(ص)، ومع ذلك فقد كُفِّرَ لهذا، واتّهم بأبشع الاتهامات، وتعرّض لأقبح العقوبات.
  فالعلوي: يُحاسَبُ منذ أمدٍ طويل لأنه يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله ونهج الأئمة المعصومين.

معتقدنـا في أمير المؤمنين
  أما معتقدنا في أمير المؤمنين فهو قديم بقدم العهد الذي أخذه الله على العباد بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف : 172] وقد شرح هذه الآية الكريمة مولانا جعفر الصادق بقوله: أخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفّهم نفسه، ولولا ذلك لم يعرف أحدٌ ربه، ثم قال ألست بربكم قالوا بلى وإن هذا محمد رسولي وعلي أمير المؤمنين خليفتي وأميني (بصائر الدرجات الكُبرى).

  أما سبب إخلاص العلوي في ولاية أهل البيت فيوضحه الإمام الصادق(ع) بقوله: خلقنا الله من عليين، وخلق أرواحنا من فوق ذلك، وخلق أرواح شيعتنا من عليين وخلق أجسادهم من دون ذلك فمن أجل تلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم تحن إلينا. (نفس المصدر)

  فالعلوي يقول بولاية علي بعد ولاية الله ورسوله عملاً بقوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة : 55] ويرى بأنه الخليفة الشرعي لنبي الأمة ورسول الرحمة، وأنّ له العصمة من الله والمعاجز الباهرة الدالة على إمامته وولايته وولاية أبنائه المعصومين عليهم السلام، وأما الحدود التي يقف عندها العلوي فهي ما أُمر به ( قولوا فينا ما شئتم واجعلوا لنا رباً نؤوب إليه).

  فتهمة الغلـوّ  وليدة القلوب الحاقدة والنفوس الجامدة، يستغلها الكثيرون لمآرب وضيعة وليس حرصاً على الإسلام كما يدّعون، ولا حولا ولا قوة إلا بالله.

الحلـول

في التعريفات، الحلول السرياني: عبارة عن اتحاد جسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد فيُسمّى الساري: حالاً، والمُسرى فيه: محلاً.
والحلول الجواري: عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر كحلول الماء في الكوز.

  وكل هذا يتناقض مع المنهاج العلوي الذي أصّلَ قواعده مولانا أمير المؤمنين حيث يقول: (توحيده تمييزه عن خلقه، وحُكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة) فكيف يصح الحلول مع وجوب التمييز المُعَبّر عنه بـبينونة صفات الخالق الكمالية عن صفات المخلوقين الحدثية، هذه المباينة ليست مُباينة عزلة لقول أمير المؤمنين في موضع ثان: (ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج)، فلو كان والجاً لوقع الحلول وهو محال، ولو كان خارجاً لتلاشت الموجودات بأسرها لأنها لا تقوم بنفسها، فسبحان الحي القيوم.

ثم أن كل حالٍ في مَحَلٍ فهو مُفتقر إليه، وكل مُفتقر إلى شيء فهو ناقص الذات كامل بالغير، والباري يتعالى عن كل ذلك، لأنها من صفات المُمكنات ونعت المُحدثات، فهو واجب الوجود بذاته، لا يفتقر إلى مَحَل حتى يَحلّ به، فلو حلّ في شيء لاحتواه، وكل مُحتوى مُمكنٌ، وكل مٌمكنٍ مَخلوقٌ.

  فعقيدتنا في الباري تعالى علوية الأصول والفروع قال أمير المؤمنين (التوحيد أن لا تتوهمه والعدل أن لا تتهمه).
صفاته أن تصفه بصفات الكمال، وتنفي عنه صفات النقص والمحال.
فهو: الأحد: بنفي الكثرة والعدد، الصمد: الباقي بعد فناء خلقه، لم يلد ولم يولد: نفي العلة والمعلول، ولم يكن له كفواً أحد: نفي الشبيه والنظير.
من قال (فيما) فقد ضمّنه، ومن قال (عَلامَ) فقد أخلى منه، كائنٌ لا عن حدث، موجودٌ لا عن عدم، مع كل شيءٍ لا بمقارنةٍ، غيرَ كل شيءٍ لا بمزايلةٍ.

الإتحـاد
  الاتحاد: هو صيرورة الذاتين ذات واحدة، وهو ممتنع عقلاً ونقلاً، وجوباً وإمكاناً، واتحاد الذاتين يقتضي انتفاء إرادة أحداهما لعدم امكانية قيام إرادتين في ذات واحدة.
والاتحاد أيضاً يدل على عجز الذاتين قُبيل الاتحاد لاضرارهما إليه، وعلى العجز بعده لانفصام السالك لتعدد المسالك.
والاتحاد يشترط المساواة وهذا مُنتفى بين الخالق والمخلوق، فالباري ليس كمثله شيء، والفاعل غني عن المفعول، والاتحاد يفترض الحاجة وهذا زائل، وبالمحصلة ما امتنع عقلاً ونقلاً انتفى حصوله.

  وقريباً من الاتحاد: عقيدة وحدة الوجود، تلك العقيدة الفاسدة التي بموجب هرطقات أصحابها تُلغى الشرائع السماوية برمّتها، وقد تبرّأ منها علماؤنا الثقات وشيوخنا الهُداة.

التجلّـي
  التجلي مُصطلح قرآني يفيد معنى الظهور والجلاء والحضور قال تعالى: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف : 143]
ومن هنا وقع الكثير من الملابسات حول هذا المصطلح: منهم من فسره بالرؤية العينية، ومنهم قال بالرؤية القلبية، وقد أبان عن هذه الحقيقة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بقوله ( لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان) فهذا القول يُثبت الرؤية القلبية لا العينية.

  أما معنى التجلي في المصطلح العلوي فهو قوله عليه السلام:
( قريب من الأشياء غير ملامس ) لأنه لو لامس الأشياء لكان مُرَكباً من طبائعَ وحَواس وهو يتعالى عن ذلك.
( بعيد منها غير مباين) فالبعد هنا هو التمييز الصفاتي الذي أوضحناه سابقاً، ووجوب نفي البينونة حذراً من تعطيل الوجود، فالتوحيد هو نفي حدي التشبيه والتعطيل، الخ. الخطبة ..

  إذاً فالتجلي: ليس انتقال أو تحوّل، أو إشغال حيّز وإخلاء آخر، كما يتوهم القاصرون أو يدعي المُشبّهون، بل هو ( ما يكون مبدؤه الذات من غير اعتبار صفة من الصفات معها، وإن كان لا يحصل ذلك إلا بواسطة الأسماء والصفات إذ لا يتجلى الحق من حيث ذاته على الموجودات إلا من وراء حجاب من الحجب الاسمائية ) التعريفات .

  هذا ما رأيت بيانه والموضوع يحتمل بحثاً أكبر ولكن لا خيرَ في كلام كثير تُغني عنه كلمة واحدة.
  ولك مني التحية والسلام.

حسين محمد المظلوم
2\5\2011