المدرسة العلوية ذات منهاج واضح جَليّ الطريق مُستوحى عن الثقلين المقترنين ببعضهما.. لا يوجد انقسام عند الطائفة الشيعية ولكن الفقه الإمامي مرّ بثلاثة مراحل ساهمت في نشوئه وتطوره.. الفقهاء الرواة، المُحدّثين، الأصوليين.. الأصولية والإخبارية..

أُضيف بتاريخ الخميس, 27/12/2012 - 11:08

المرسل: علي إبراهيم \30\09\2012م\

سلام عليكم سيدي الشيخ حسين مظلوم .
سؤال: عند الشيعة يقال إنهم مفترقون إلى طائفتين أو مذهبين أو فرقتين. الفرقة الأصولية الشيعية و الفرقة الأخبارية الشيعية . فما تعريف هذين الفرقتين و الفرق بينهما . وحاليا المراجع الشيعية إلى أي فرقة ينتمون و من ينتمي إلي الفرقة الأخبارية من الشيعة . و هل يوجد فرق بين العلويين كما يوجد عند الشيعة . و الطائفة الإسلامية العلوية إلى أي فرقة هي أقرب في الراي و العقيدة. سؤال ثاني يقال إن السيد الخميني أو الخامنئي أحدهما نائب عن الإمام المهدي (ع) أو هم مراجع للمسلمين أي أن المسلمين يجب إتباع رايهم و تعليمهم إلى حتى ظهور المهدي (ع) . هل يجوز هذا . أيضا عن المسلمين الشيعة يوجد عندهم أناس إسمهم (السيد) يعني نحو ينتمي خطيا و من خلال النسب و الدم إلى أهل البيت (ع). هل يوجد عند المسلمين العلويين أناس أو علماء أو شيوخ من خلال الشجرة التاريخية يكونون أحفاد أئمة أهل البيت (ع) مثل عند المسلمين الشيعة و المسلمين السنة و من هم أو أسماءهم 1
الجـواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين، وأصحابه الميامين.
لا يوجد انقسام عند الطائفة الشيعية ولكن الفقه الإمامي مرّ بثلاثة مراحل ساهمت في نشوئه وتطوره:

مدرسة الفقهاء الرواة

  تمثلت هذه المدرسة في الفقهاء الرواة الذين كانوا يلتقون الأئمة عليهم السلام، ويتقدمون إليهم بما لديهم من أسئلة عن قضايا حدثت لهم، أو عمّا قد يعنّ لهم ممّا يرغبون في معرفته تحسباً لحدوثه، ويتلقون أجوبة الأئمة ويفتون بها أصحابهم وأتباعهم.

تتمثل مادة الفقه في هذه المدرسة بالحديث المسموع عن الإمام، أما منهجها فيعتمد على السماع من الإمام والنقل إلى أتباعه.

يعود سبب اقتصار هذه المدرسة على المنهج المذكور إلى عدم قيام الحاجة مع وجود الإمام وحضوره للاجتهاد وإعمال النظر بغية الوصول إلى الحكم الشرعي، لأن الوصول إلى الحكم الشرعي ميسر، وذلك بالتقاء الإمام والسؤال منه.

ومع هذا كان بعض الفقهاء الرواة أدركوا انهم قد يحتاجون بسبب بُعد أوطانهم عن وطن الإمام إلى شيء من الأصول والقواعد العامة ليرجعوا إليها عند الحاجة، وتعذر وصولهم إلى الإمام حينها، فطرحوا بعض الأسئلة ذات الطابع العلمي ليفيدوا منها القاعدة أمثال أسئلتهم عن كيفية العمل عند تعارض الأخبار المروية عن الأئمة، وعن وثاقة الراوي وحجيتها.

إلا أنها لم تخرج عن نطاق كونها أخباراً ومرويّات مسموعة إلى مجال التقعيد العلمي.، بيد أنها أفادت فيما بعد بأن كانت من البذور التي ساعدت وأسهمت في انبثاق مدرسة الفقهاء الأصوليين.

إلى جانب هذا وجّههم الأئمة عليهم السلام إلى أن يجتهدوا في التفريع على الأجوبة التي هي بمثابة أصول يمكنهم التفريع عليها، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعّوا.

فكانت تفريعات الفقهاء الرواة على الأصول التي كانوا يتلقونها من الأئمة الخطوات الأولى في طريق الإجتهاد الفقهي الإمامي.

وقد استمرت هذه المدرسة من القرن الأول الهجري حتى القرن الرابع، ودونت مسموعات الرواة في ما عرف بالأصول الأربعمائة.


مدرسة الفقهاء المحدّثين

انبثقت هذه المدرسة في القرن الرابع الهجري متميزة بظاهرتين علميتين: التطور في تدوين الحديث من ظاهرة الجمع الغير منظم إلى ظاهرة التأليف.

وتمثلت هذه الظاهرة في العملين التاليين:

  1. تبويب الأحاديث حسب موضوعاتها الفقهية، فجمعوا بين النظائر، وضموا القرين إلى قرينه.
     
  2. تقويم السند باختيار الحديث المعتبر المفيد للعلم، وكانت إفادة الحديث للعلم عندهم تعني توفره على وثاقة الراوي، وتلقي الأصحاب له بالقبول الالتزام عند الإفتاء بنقل الحديث بمتنه.

أما المادة الفقهية لهذه المدرسة فهي الحديث أيضًا.

أما منهجها فقد تطور من السماع والنقل إلى تقويم السند واعتداد الأخبار الصحيحة السند المفيدة للعلم، والوقوف عند متن الحديث للفتيا.

لم تدم هذه المدرسة أكثر من قرن واحد وهو القرن الرابع الهجري حيث كان في منتصفه الأول الغيبة الكبرى، وتعذرت اللقيا بالإمام فمسّت الحاجة الملحة لدى الفقهاء من ناحية منهجية وتاريخية للتقعيد والتأصيل بغية التفريع والتخريج، فكان أن كان الاجتهاد معتمدًا فيه القواعد في دراسة النص سندًا ومتنًا، وفي معرفة ما هو الحكم أو الوظيفة التكليفية عند فقدان النص، وكان هذا هو عامل وأوان انبثاق المدرسة الأصولية.


مدرسة الفقهاء الأصوليين

طوّرت هذه المدرسة الفقه من حديث يسمع ويروى، إلى علم له قواعده وأُصوله، وله فروعه وتطبيقاته.

وكانت الأحاديث العلمية التي تحمل في طياتها مضامين القواعد العامة، والظواهر الاجتماعية التي دأبت المجتمعات البشرية على ترسّمها في سلوكها بصفتها معطيات عقلية متسالماً عليها مصدر قواعد علم الفقه.

مصادر الفقه في هذه المدرسة هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل.

وعند عدم الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي من هذه الأدلّة يرجع إلى القواعد، وهي كثر منها الخاص في موضوعه، وهي القواعد الفقهية، كقاعدة الطهارة، وقاعدة الفراغ، وقاعدة التجاوز، وقاعدة الضمان، وغيرها.

ومنها ما هو العام الذي يدخل في أكثر من موضوع، وهو القواعد الأصولية، وأعمّها الأصول الأربعة: الاستصحاب، والبراءة، والاحتياط، والتخيير.

وكلها مستفادة من النصوص الشرعية، وكيفية الرجوع إليها واستفادة الحكم منها تعرف من علم أصول الفقه، فهو المنهج الخاص لعلم الفقه.

وفي القرن الحادي عشر الهجري انشعبت المدرسة الأصولية إلى شعبتين هما: الأصولية والأخبارية.

  1. فالأصولية: هي التي التزمت خط مدرسة الفقهاء الأصوليين مادّة ومنهجًا.
     
  2. والأخبارية: هي التي حاولت الرجوع إلى مدرسة الفقهاء المحدثين فاقتصرت في مصادر الفقه على الكتاب والسنة، وألغت اعتبار الإجماع والعقل، بدعوى أن الرجوع إليهما يعني الاجتهاد خارج دائرة النص، وهو بعينه اجتهاد الرأي، وما تفرع عليه من قياس وغيره.

وقد نشطت هذه المدرسة نحو قرنين وأسسها الشيخ محمد أمين بن محمد شريف الاستربادي في مصنفه الفوائد المدنية بنهج مختلف عن الإخبارية التي ظهرت في عصر الأئمة، وقد ساعد الصفويون هذا التيار على النمو في مقابلة تنامي نفوذ المؤسسة الفقهية الشيعية وتأثيرها على الأهالي وذلك لخدمة المؤسسة السياسية الصفوية التي تراجعت بفعل تأثير المؤسسة الفقهية غير الخاضعة للسلطة وخوفاً من تحولها من مرجعية روحية إلى سلطة زمنية.

ومن الذين تأثروا بهذا النهج زين الدين علي بن سليمان، والمجلسي الأول، والفيض الكاشاني، وهاشم بن سليمان البحراني التوبلي، والمجلسي الثاني، ومحمد بن عبد النبي بن عبد الله الصائغ المعروف بميرزا محمد أخر الإخباريين البارزين حيث قام المجتهد محمد باقر البهبهاني بمناهضة هذا التيار ودحضه.


إن الفرق بين منهجي الأصوليين والإخباريين يلخص بالتالي:
  • يذهب الاخباريون إلى أن مصادر الفقه هما الكتاب والسنة، ويقول الأصوليون إنها الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل.
     
  • يذهب الاخباريون إلى عدم جواز الأخذ بظواهر القرآن إلا ما فسرته السنة منها فقط، ويجوّز الأصوليون الأخذ بها مطلقًا.
     
  • يذهب الاخباريون إلى قطعية ما في الكتب الأربعة، ويذهب الأصوليون إلى أن فيها ما هو قطعي الصدور وما هو مظنونه.
     
  • يقسم الاخباريون الأخبار إلى قسمين:
    صحيح وهو المقرون بما يفيد العلم بصدوره،
    وضعيف وهو الذي لا علم بصدوره.
     
  • ويقسمها الأصوليون إلى أربعة أقسام: (صحيح، وحسن، وموثّق، وضعيف)، وتعرف معانيها من كتب أصول الفقه.
     
  • يرجع الاخباريون في ما لا نص فيه إلى الاحتياط، ويرجع الأصوليون إلى البراءة الأصلية.
     
  • يوجب الأصوليون الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط على التخيير في الوصول إلى الحكم الشرعّي، ويكتفي الأخباريون بالرجوع إلى الأحاديث مباشرة.

بعد تطوّر الفكر الأخباري أنشعب الأخباريون إلى شعبتين هما:
  1. أتباع الميرزا محمد النيسابوري الأخباري، ويمثّلون في واقع منهجهم الفقهي الفروق المذكورة سابقًا.
     
  2. أتباع مدرسة البحرين، وقد تطور منهجها الفقهي إلى ما يقرب جدًّا من منهج المدرسة الأصولية الأصيلة، حيث انتهى إلى الأخذ بظواهر الكتاب مُطلقًا وإلى القول بالاجتهاد والتقليد، وإلى عدم قطعية ما في الكتب الأربعة، وإلى تربيع الأخبار، مع فارق الالتزام بثنائية مصادر الفقه، ولزوم استفادة القواعد الأصولية من النصوص الشرعية، ووجوب الرجوع إلى الاحتياط في ما لا نص فيه.

وفي عصرنا الحالي فإن الأكثرية الساحقة من الشيعة الإمامية يعملون وفق مدرسة الأصوليين.


أما بالنسبة للعلويين

  فلم يمروا في هذه المراحل والأدوار فلا يصح تصنيفهم ضمن المدرستين الشيعيتين الإخبارية والأصولية لأنهم يلتقون مع الأولى في بعض المسائل ويختلفون في أخرى، وكذلك الأمر مع المدرسة الثانية، فالعلويون يرجعون في سلوكهم الإعتقادي والفقهي إلى المنهج الأول الذي أعتُمِد حتى عصر الغيبة وأقصد به مدرسة الفقهاء الرواة الذين كانوا يلتقون الأئمة عليهم السلام ويعرضون عليهم ما لديهم من أسئلة عن قضايا حدثت لهم فيتلقون أجوبة ينقلونها بأمانة إلى أصحابهم وأتباعهم.

  وبأصول هذه المدرسة الجامعة ووفق قواعدها المقررة والمدونة لا يزال العلويون يتعبدون ويعملون حتى عصرنا هذا، ولهم موازين ثابتة يُقيمُ الحديثُ على أساسها، فالرواية يجب أن تخضع إلى فقه الدراية، والدراية لا يجب أن تتناقض مع منهاج أئمة الهداية وحديثهم عليهم السلام تدل عليه محكمات الكتاب .

  فالعلويون منذ زمن الغيبة إلى أن يقوم قائم أهل البيت قائلون عاملون بالخبر المروي عن الإمام المهدي:

[وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم.].

وبعد مضي رواة الحديث فإننا نرجع إلى مصنفاتهم الموثقة لنعمل بما هو قطعي الصدور ونترك مظنونه.

ولا يصح عندنا إطلاق النيابة على أي كان إلا بتعيين مباشر من صاحب العصر عليه السلام، قال الإمام الصادق :

[ ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم، من أنبت شجرة لم ينبتها الله، يعني من نصب إماماً لم ينصّبه الله، أو من جحد مَن نصّبه الله، ومن زعم أن لهذين سهماً في الإسلام]

قال تعالى : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ القصص68.

إنّ مذهب أهل البيت عليهم السلام غني بمعارفه موفور العطاء فلا يمكن اختصاره ولا يستطاع إيجازه بفقيه مهما رسخ في العلم والمعرفة، ولا بمدرسة مهما سمت بمنهاجها وأصولها، ولو قامت ألوف المدارس الفقهية لعجزت عن استيعاب معارف هذا المذهب الشريف لأنه مروي عن صاحب الوحي الذي لا ينطق عن الهوى ومن كان كذلك فهو أجل من أن يحصى وأسمى من أن يُستقصى أو يحاط به.

فكل مدرسة عَبّرت عن غاية ما بلغته ولم تُعَبّر عن كُلّيَّة المذهب، ودلّت على نفسها ولم تَدُلّ على غيرها، ولا يحق لها أن تُمَثل الآخرين فلكل مدرسة منهاجها المعتمد، وقواعدها الواضحة، وفي حال تشابه أمران بين مدرستين فلا يَعني أن تقوم مدرسةٌ على حساب إلغاء الأخرى. 2

والمدرسة العلوية ذات منهاج واضح جَليّ الطريق مُستوحى عن الثقلين المقترنين ببعضهما، تنظر في الأمور من حيث قواعدها وأصولها لا من حيث قواعد وأصول الآخرين، وتنظر في متن المذهب مباشرة لأنها لا تقبل الوسيط ، فوسيطها النصوص الواضحة الجلية بين يديها.

وبالنسبة للأنساب المتصلة بأهل البيت فلدى العلويين الكثير من العائلات التي لها شرف الإنتساب ويجمعهم البيت المحرزي، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المجاهد الكبير الشيخ صالح علي سلمان .

والحمد لله رب العالمين.

حسين محمد المظلوم
25\12\2012