الفتوى والمفتي والإفتاء في النهج العلوي [ولا يجوز الفتوى بزهق الأرواح وإباحة الأعراض وغير ذلك من البدع والجرائم...]

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 27/04/2011 - 06:05

المرسل: أبو اسكندر . 21 \ نيسان \ 2011م

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.. وبعد
سيدي الفاضل فضيلة العالم الشيخ حسين محمد المظلوم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تقبّل الله جهادكم شيخنا الفاضل وأعلى مقامكم وأدامكم على فعل كل ما فيه تحقيق رفعة ونصرة الأمة الإسلامية عامة والطائفة العلوية خاصة..

سيدي الكريم:
عانى العلويون جُل ما عانوه عبر العصور من قتل وتنكيل وتكفير وتفسيق ... بسبب فتاوى وأقوال وآراء وتعاليم صدرت عن فقهاء السلاطين وبعض الحاقدين والمتعصبين، خدمة لأهوائهم ولسلاطينهم.. وقد وضّحتم ونبّهتم سيادتكم في كتابكم (المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحُكّام ) وفي غيره من مؤلفاتكم أموراً هامة جداً، وهذه المواضيع على سبيل المثال (يمكن للقارئ النقر على أي عنوان منها ليقرأ كامل الموضوع):

العوامل التي أضعفت المسلمين وتأثيراتها على العلويين 
كُتُب الفِرَق ومُخلفاتها السلبية وحال العلويين فيها 
سلوك الفقهاء مع الملوك والأمراء عبر العصور 
تعريف ببعض الكتب والكُتّاب والمؤرخين الذين طعنوا بالعلويين 
ردود على فتاوى متعددة طالت المسلمين العلويين 
ردود على موسوعات.. 
وردود على كتب متعددة  طالت المسلمين العلويين.
ردود على المفتريات المتناقلة عبر الأنترنيت وهي مجموعة من معظم المصادر السابقة 

سيدي الكريم:
بما أننا في هذه الأيام العصيبة على الأمة العربية جمعاء نعايش ونسمع تكراراً لمثل هذه الفتاوى السلطانية الهدّامة (والسلطان أمريكا وأعوانها في هذا العصر).
ومع وجود إعلام وأساليب متطورة للتواصل السريع وإيصال الكلمة إلى ملايين من الناس حول العالم أجمع عبر الوسائل الحديثة كالأنترنيت والفضائيات، وبهذا يشتد خطر هذه الفتاوى والأقوال الجائرة والمخالفة لتعاليم الدين والشرع.
وقد ساهم أئمة جوامع ومشائخ كرام وعلماء كبار ومحترمين وجُلهم أيضاً من الطائفة السُنيّة الكريمة، كنّا نقدرهم وصرنا نقدرهم ونحترمهم أكثر فأكثر وأساميهم صارت معروفة للجميع، ساهموا مساهمات فعّالة في الرد على هذه الفتاوى الفتنوية التخريبيّة.
سيدي الكريم وحتى يكون لعلماء العلويين -المغيبين عن الإعلام!- كلمتهم أيضاً ، وحتى نُساهم في الحَد من مخاطر هذه الفتاوى المشوّهة لصورة الدين الإسلامي والضاربة لسمعة المسلمين أمام بقية الأديان.
أتوجّه إليكم إذا أذنتم بهذا الأسئلة عن الإفتاء والمفتين:

  • ما تعريف الفتوى؟ وما هي الأمور التي تحتاج لإصدار فتوى بحقها؟
  • ما هي الأسس والأصول والمبادئ التي يجب أن تستند الفتاوى عليها؟
  • من يحق له أن يُفتي في الناس؟
  • ما هي المؤهلات العلمية والشخصية التي يجب أن يتحلّى بها المُفتي؟
  • إذا خالفت فتوى أحدهم تعاليم الدين والشرع، فما هو قول الدين والشرع في هذه الفتوى وفي مُطلقها؟
  • كان لسيادتكم كلمة هامة في مقدمة كتابكم الحجة الكاملة بالأدلة الشاملة عمّا يتوجّب على رجال الدين أن يتنبّهوا إليه، وأي مسلكٍ يجب أن يسلكوه، والمخاطر المحدقة بالأمة الإسلامية، فهل تودّون إضافة شيء عليها في جوابكم على هذه الأسئلة؟
هذا وبقي أن نشكركم جزيل الشكر على رحابة صدركم وعلى بادرتكم الطيبة والقيّمة في تلبيتكم لندائنا في فتح باب السؤال أمام الجميع لتجاوبون سيادتكم عليها، وهي خطوة بالغة الأهمية والفائدة وهي غير مسبوقة لعلماء العلويين على الأنترنيت، أيضاً هناك لهفة شديدة وإقبال على طرح الأسئلة. فجازاكم الله كل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 1

أخوكم الأصغر
أبو اسكندر

الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد وآل بيته المعصومين.

أخي الفاضل السيد أبو اسكندر الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإسلام في منهاجنا:
مشكاة الفضائل والمحاسن والخير الذي لا انقطاع له، وهو الدين عند الله الجامع لكافة الرسالات السماوية مصدره الحق وهدفه الخلق به تكمل النفوس وتستضيء العقول وتتألق القلوب وتمتلئ بهجة تدفعها إلى الإقبال إلى الله تعالى والتمثل بالأنبياء والصالحين.
الإسلام نورٌ أطل على البشرية جمعاء فقبلته النفوس القابلة للحياة وأنكرته النفوس المظلمة التي لا تقبل إلا ما ينسجم مع ذاتها النافرة من كل خير القابلة لكل شر.
هاتان الصورتان قائمتان على مسرح هذا الوجود الممتد:

  • صورة خَيّرة قبلت سماحة الإسلام وشموليته.
  • وصورة مُظلمة نفرت من سنائه الوضاء وألقت ما في ذاتها من المساوئ إلى الخارج فشوهت وجه الحياة.
ومن الطبيعي أن يستمر الصراع بينهما على امتداد الزمن ولكن الحق يَعلو ولا يُعلى عليه قال تعالى: ﴿ وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء:81]

أخي الكريم:
لقد وضع العلماء عدة شروح لمصطلح المفتي أقتربت تارة وابتعدت طوراً ولن أخوض في معاجمهم لأننا لا نريد كلمة بليغة تفتقر للحياة، نعم لا نريد كلمة بلا معنى، بل نريد أن نعود إلى الأصل الذي يعطينا الحقيقة مُجرّدة من كل تمويه أو ترقيع إذا جاز التعبير.
  فالفتوى هو بيان حكم المسألة وهنا نسأل من يجرأ على ذلك في وجود النبي(ص) أو الإمام(ع)، بالطبع لا أحد لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات : 2]
وعليه نقول أنّ هذا المنصب هو وظيفة من وظائف النبي والإمام من بعده، فالنبي كان يُبيّن للأمة جمعاء أحكام دينهم العقائدية والعملية، والإمام هو الخليفة الشرعي للنبي، ولكن بعد مضي الإمام العسكري وغيبة الحجة المهدي، من هو الشخص الذي يحق له أن يُبيّن أحكام الحوادث المستجدة للسالكين؟.

  وقبل الإجابة لا بد من توضيح التالي:
مما لا شك فيه أنّ الوقائع غير متناهية، والنصوص المعصومة متناهية الصدور عنهم، فكيف يُمكن مواجهة الوقائع المُستحدثة؟
  أقول أنّ النصوص المتوفرة في كتب الحديث مُتناهية من حيث الصدور بغض النظر عن القطعية والظنية، لكننا نتحدث عن النصوص القطعية التي تناولت الكليات العامة وأكثر الجزئيات، بمعنى أنها متناهية في الشكل وليس في المضمون.
والأمر يتطلب استنطاق النصوص من جديد لتواكب الوقائع غير المتناهية لمعالجتها، وهذا يلزم قراءة النصوص من عدة جوانب وملامستها مع الواقع الجديد بتفعيل إمكانية تفتيقها وعدم الوقوف على خلاصة السابقين لأنهم ولدّوا منها ما اضطروا إليه في أزمنتهم علاجاً للوقائع التي كانت تعترضهم، فهل يمكن أن نباشر واقعنا المُغاير لواقعهم بما استخرجوه؟ بالطبع لا، لأن المستجدات كثيرة وهذا ملموسٌ، وعلى هذا الأساس أقول بوجوب تقليب النصوص وتقصي سائر وجوهها لأنها تملك كل متطلبات العصور.

هذه الكلمة هي تمهيد لمعرفة مهمة المفتي الواجب عليه بيان حكم ما غاب فهمه على المبتدئين وإجابتهم وفق النصوص الجلية مع شرحها أو الخفية بعد إظهارها من أصل يفرع عليه.
فالفتوى هو بيان حكم المسألة.

  والأمور التي تحتاج إلى إصدار فتوى بحقها هي الأمور المستجدة التي لا يوجد لها نص صريح يُعالجها، وعلى المُفتى أن يُفرّع من أصول المعصومين. قال الإمام الصادق(ع) : (نحن نلقي عليكم الأصول وعليكم بالتفريع)، مراعياً: مُحكمات الكتاب، ولحن المعصومين الذي لا يغيب عن أشياعهم الصادقين.
  ولا يجوز الفتوى بزهق الأرواح وإباحة الأعراض وغير ذلك من البدع والجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية كما يفعل بعض الغواة الذين لم يدخل الإيمان قلوبهم وما زالوا يعيشون في أوكار الجاهلية الأولى.
  والمفتي ليس منشأً للنص بل مستنبطه من منشئه، ومنشؤه كتاب الله وسنة رسوله ونهج المعصومين.

  أما الأسس والأصول والمبادئ التي يجب أن تستند الفتاوى إليها فهي ما ذكرت سابقاً: مُحكمات الكتاب المبين، وسنة المعصوم نبياً كان أم إماماً، بعد التبيّن من قطعية صدور الخبر بالعرض على أصولهم، وهذا ما يُسمّى بـ: دراسة المتن ومعرفة السند.

  أما سؤالك عمن يحق له أن يفتي فالجواب بَيّنٌ [ أعرفهم بالله، وأعلمهم بأحكامه، وأخوفهم منه ]
وبصورة أوضح: أكثرهم تشبهاً بالمعصومين، لأنه كما بيّنا أنّ الفتوى والقضاء من وظائف النبوّة والإمامة، وبالتالي فإنّ من أبرز مواصفات المُفتي: الإقتداء الصادق بأقوال المعصومين وأفعالهم، مخلصاً لله في السر والعلن، عادلاً في الرضى والغضب.

  أما سؤالك عن المؤهلات فأبرزها:

  • العلم بكتاب الله وسنة رسوله ونهج المعصومين.
  • التمييز بين المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ.
  • الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
  • صدق اللسان والقلب.
  • ممتلكاً قواه العقلية.
  • خاليا من العيوب النفسية والجسدية.
  • عدم التجرأ على المقام بوجود الأعلم.
  • وشروط كثيرة ذكرها العلماء تُطلب من مظانها ولكني أقتصرت على الأهم.

  أما سؤالك عن حكم الشرع في الفتوى المخالفة للنص وصاحبها.
فالفتوى المُخالفة يُضرب بها عرض الحائط كائناً من يكون قائلها، لأنه لا كلام لمخلوق أمام كلام الخالق.
والحكم في قائلها أجاب عنه الإمام الصادق(ع) بقوله (أنهاك عن خصلتين هلك بهما من هلك: إياك أن تفتي الناس برأيك، أو تدين بما لا تعلم)، وعليه فإن من يفتي الناس برأيه فهو من الهالكين لتجرأه على صاحب المقام ونَصَّبَ نفسه شريكاً للمُشَرّع.

فهذا باختصار ما رأيت بيانه لثقتي بسعة اطلاعك وثاقب فهمك.

  أخي الفاضل:
إنّ المُفتي الصادق: يُبيّن للمسلمين ما غاب عنهم معرفته من أمور دينهم مستنداً على كتاب الله وسنة رسوله.
أما المُفتن: فهو الذي يفتي وفق نصوص سلطانه.
فالأول يعبد الله لأنه عمل بطاعته، والثاني يعبد السلطان الجائر لأنّه عمل بطاعته، فمن أطاع شيئاً فقد عبده.

نسأل الله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حسين محمد المظلوم
26\4\2011م