صفات النبوة في النهج العلوي

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 03/11/2010 - 17:50

من المُجمع عليه عند كافة المسلمين بأن النبوة حاجة ضرورية للإنسان ودليل على عدالة الخالق جل وعلا، وكمال حكمته الربانية في إيجاد الكائنات، وأنّ النبوة سفارة ربانية، والنبي يقوم بدور السفير بين الله جل وعلا وبين خلقه لقول الإمام جعفر الصادق(ع) في جوابه لمنكر النبوة:

إننا لما أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً، لم يُجز أن يُشاهده خلقه، ولا يُلامسهم، ولا يُباشرهم ويُباشروه، ويُحاجّهم ويُحاجّوه، فثبت أن له سفراء في خلقه يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما فيه بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون الناهون عن الحكيم العليم في خلقه، حُكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس في أحوالهم، على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيَّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والأدلة والشواهد والبراهين من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فلا تخلو أرض الله من حُجّــة يكون معه علم يدلُّ على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.

فكان من الواجب أن يكون النبي(ص) متحلياً بأكمل الصفات البشرية وأرفعها وأسناها لأن الله هو الكمال المُطلق فيستحيل في حقه أن يختار رسولاً إلى عباده ثم لا يكون متّصفاً بالكمال. بل من الواجب أن يكون أكمل أهل عصره ليتحقق الأثر المطلوب من بعثته.

فمن أبرز الصفات التي يجب أن يتمتع بها النبي: العصمة، والتنزه عن المنفرات .
ولا بد لنا من تعريفهما كي تكمل الفائدة.

فالعصمة في اللغة: المنع، والإعتصام هو الإمتناع.
وفي مصطلح المتكلمين: العصمة،قوة راسخة في النفس(مَلَكَة)، يمتنع بها الإنسان عن اقتراف المعاصي وارتكاب الأخطاء.

فالنبي يجب أن يكون معصوماً في أربعة أشياء :

  • الأول: في مقاله، بمعنى أنه لا يقول باطلاً.
  • الثاني: في أفعاله، بمعنى أنه لا يفعل باطلاً.
  • الثالث: في تركه، بمعنى أنه لا يترك حقاً.
  • الرابع: في تقريراته، بمعنى أنه لا يُقرّرُ في حضرته باطلٌ وهو ساكتٌ عنه إذ لا يجوز له التقية لمنافاتها للغرض المقصود منه.

فالنبي معصومٌ عن ارتكاب الذنوب عمداً وسهواً قبل البعثة وبعدها، كما هو معصوم عن الخطأ في تبليغ رسالته وبيان ما أنزل إليه.

فلو لم يكن النبي معصوماً لَلَزمَ انتفاء فائدة البعثة ولكان فعل المعصية منه جائزاً، وإذا وقعت المعصية -وهذا محال- فلا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يجيب اتباعه، أوْ لا. والأول باطل لاستحالة التكليف بالقبيح منه تعالى شأنه، والثاني موجب لانتفاء بعثته(ص) فإن الغرض من بعثته إتّباعه.

وإنّه مع وقوع المَعصية منه إمّا يجب أن يكون الإنكار عليه أولاً، والثاني باطل لعموم وجوب النهي عن المنكر، فلو لم ينكر عليه للزم إبطال هذه الوظيفة وهو باطل إجماعاً فيتعين الأول، أي الإنكار عليه، لكن ذلك موجبٌ لسقوط محلَّه من القلوب فلا يُصار إلى ما يأمر به، وينهى عنه فتنتفي فائدة البعثة.
وثم أنه لو جاز عليه فعل المعصية لجاز أن لا يؤدي بعض ما أمر بأدائه فيجوز أَنه قَد أُمر بصلاة سادسة أو بصوم شهرٍ آخر، ولم يرد ذلك للأمة، ولكن ذلك يرفع الوثوق بإخباراته وكل ذلك لا يليق بشأنه ورتبته.

فيستنتج مما تقدَّم وجوب عصمة النبي وعدم جواز صدور الخطأ عنه لتنافي ذلك مع الحكمة والعقل.

ومما يؤدي ما تقدم ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام: ( أرسله بأمره صادعاً، وبذكره ناطقاً، فأدّى أميناً ومضى رشيداً ).
وهذا القول لإمام الهدى من أبلغ ما يدل على عصمة النبي فلو كان النبي قد أخطأ أو عصى لما صحّ أن يقال: ( ومضى رشيدأ ) لأن الرُشد يقابل الغيَّ الذي هو الوقوع في المعصية.

فهذا من حيث العصمة، أمّا من حيث التنزه عن المنفرات فأقول :

بأن النبي يجب أن يتنزه في نسبه عن عهر الأمهات وفجـور الآباء لأن وليد هذه البيوت منفورٌ منه، بخلاف وليد البيوت الطيبة، وسليل الأنساب الطاهرة فإن القلوب إليه تميل.

ويجب أن يتنزه النبي عن نقص العقل فلا يجوز أن يوصف بالبلادة وضعف الرأي والتردد في الأمور بل ينبغي أن يكون في أعلى درجات الذكاء والفطنة والحزم.

ويجب أن يتنزه في بدنه وخلقه عن جميع الأمراض والعاهات الموجبة لوحشة الناس ونفورها منه.

ويجب أن يتنزه في أخلاقه عن قساوة القلب، وفظاظة المعاملة والطمع والحسد ونحوها من الصفات المستنكرة.

ويجب أن يتحلى بكمال الأخلاق فيكون ليّن العريكة، كثير التواضع، صاحب إيثار، أمينا،ً صادقا،ً لأن ذلك من العوامل المؤدية إلى إجتماع الناس من حوله وقبولهم لرسالته.

ويجب أن يتنزه عن سوء السيرة والمعاملة فلا يستبدّ برأيه بل يشاور أصحابه، ولا يجوز أن يستغل جهل الناس بل يسلك دائمــاً سبيل هدايتهم وإرشادهم إلى الحق ويعاملهم بالسويّة فلا يميّز بينهم لطبقةٍ أو لشرفٍ أو لمال أو لقرابة أو لعرق. ولا يجوز أن يسلك الأساليب الملتوية والمنحرفة في نشر رسالته كالخديعة والانتقام.

فهذه الصفات من أبرز ما يجب أن يتمتع به النبي كي تتحقق الغاية من بعثته، وهذه الصفات وغيرها قد اجتمعت في الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم.وروي عن رسول الله (ص) أنه قال:
لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصالٍ :

  • ورع يحجزه عن معاصي الله.
  • وحلم يملك به غضبه.
  • وحسن الولاية على من يلي، حتى يكون للرعية كالأب الرحيم.

وهذه الكلمة من جوامع الكلم الدالة على أبرز الصفات القيادية التي يجب أن تجتمع في النبي والإمام.

ومما قاله أمير المؤمنين في الأنبياء عامّةً والنبي محمد خاصّةً:
فأستودعهم في أفضل مستودع، وأقرّهم في خير مستقرٍ تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام. وهذا مما يدل على طهارة مولدهم، وقال في وصف النبي (ص): مشهورةً سماته، كريماً ميلاده.

وقال في تواضع الأنبياء:
فلو رخّص الله في الكبر لأحدٍ من عباده، لرخص فيه لخاصــة أنبيائه وأوليائه، ولكنه سبحانه كره إليهم التكابر ورضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفّروا في التراب وجوههم، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين، وكانوا أقواماً مستضعفين.

وقال في تواضع النبي (ص):
لقد كان(ص) يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرفع بيده ثوبه، ويركب الحمار ويردف خلفه.

وقال في زهده:
خرج من الدنيا خصيماً وورد الآخرة سليماً، لم يضع حجراً على حجرٍ حتى مضى لسبيله وأجاب داعيَ ربه.

وقال في زهد موسى عليه الصلاة والسلام:
موسى كليمُ الله إذ يقول: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ والله ما سأله إلا خبزاً يأكله لأنّه كان يأكل بقلةَ الأرضِ، ولقد كانت خضرة البقل تُرى من شفيفِ صفاقِ بطنه لهزالهِ وتشذّبِ لحمه.

وقال في زهد داود عليه الصلاة والسلام:
لقد كان يعمل سفائق (نسائج) الخوص بيده، ويقول لجلسائه إيّكم يكفيني بيعها. ويأكل قرصَ الشعير من ثمنها.

وقال في زهد عيسى عليه الصلاة والسلام:
لقد كان يتوسّد الحجر ويلبس الخشن، ويأكل الشجب وكان أدامــه الجوع وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه، ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يُذلّه. دابّته رِجلاه، وخادمه يداه.

وقال أيضاً في زهد النبي (ص):
قضم الدنيا قضماً ولم يُعرْها طرفاً، أهضم أهل الدنيا كشحاً،وأخمصهم من الدنيا بطناً، عُرضت له الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه، وحقّر شيئاً فحقّره، وصغّر شيئاً فصغّره.

فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم تبتعد الدنيا عنهم إطلاقاً بل عُرضت عليهم فرفضوها لعلمهم بأن الله أبغضها وصغّرها ولرضاهم بما عند الله أبغضوها وحقّروها وليكونوا قُدوةً حسنةً لمن بُعثوا إليهم وليتأدّبوا بآدابهم.
فالأنبياء يجب أن يتحلّوا بمكارم الأخلاق وفضائل الصفات وفرائد القِيَم حتى تتحقق الغاية من بعثتهم هذه بالإضافة إلى وُجوب العصمة وظهور المعجز على أيديهم.
فهم معصومون قبل البعثة وبعدها ولا يَصدر عنهم الخطأ مُطلقاً وهم أفضل أهل زمانهم لعدم جواز إمامة المفضول على الفاضل لأن ذلك قبيح عقلاً ونقلاً.

ومما ثبت عن النبي (ص) فيما يتعلق بصفاته ما روي عن عائشة (رض) أنها قالت:
قلتُ يا رسول الله إنك تدخل الخلاء فإذا خرجت دخلتُ فلم أرَ شيئاً إلا أني أجد رائحة المسك.
قال إنّا معاشر الأنبياء تنبت أجسادنا على أرواح الجنة، فلا يكون منّا ما يكون من البشر.

وعنها قالت: أنه كان إذا مشى في ليلة ظلماء بدا له نور كأنه قمرٌ.
وقالت: لقد مضى رسول الله (ص) ولم أرَ منه شيئاً، ولم يرَ مني شيئاً.
وقالت: كان ما لا يقع عليه ذباب ولا تدنو منه هامةً ولا سامّةً.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:
كان لا يقع ظل النبي(ص) على الأرض ولم يمشِ مع أحدٍ إلا وكان يطوله برأسه وإن كان طويلاً، ولم يطير الطير فوق رأسه، وكان يُبصر من ورائه كما يبصر من أمامه، وكان ينطق بلغاتٍ كثيرةٍ، ويسمع في نومه كما يسمع في انتباهه، وكان إذا مشى على الأرض السهلة لم يبنْ لقدمه أثر، وإذا مشى على الأرض الصلبة بان أثرها والذي يؤيّد ذلك كله خبر الإسراء والمعراج المثبت بقوله تعالى: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى )الإسراء\1.

وقد اختلف الناس في معراجــه (ص) فالخوارج يُنكرونه أصلاً:
وقالت الجهمية أنه (عرَّج بروحه دون جسمه)، على طريق الرؤيا.
وقالت الإمامية والزيدية والمعتزلة (بل عرَّج بروحه وجسمه معاً) وهذا رأي ابن عباس وابن مسعود وغيرهم من الصحابة.
وكان من عروجه برواية ابن عباس من نفس المسجد ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين ومن ذلك يقول ابن عمه العباس:

من قبلها طبت في الظـلال وفـي   مستودع حيث يخصف الورقُ
ثـــم هبطـــتَ البــــلاد لا بشــــرً   أنـت ولا مضغـــــة ولا عـلــقُ
وأنـت لمـا ولــدت أشرقـت الأ   رض وضـائت بنـورك الأفــقُ
فنحن في ذلك الضياء وفي النو   ر وسبـــــل الرشـــاد تختــرقُ

ويروي الشيخ الثقة الأقدم في (الهداية الكبرى) :
عن محمد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمد الحسن الحادي عشر من الأئمة عليهم السـلام:
أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مضى وله ثلاثً وستون سنة منهـا أربعون سنةً قبل أن يُنبأ ثم نزل عليه الوحي ثلاثاً وعشرين سنةً بمكة وهاجر إلى المدينة هارباً من مُشركي قريش وله ثلاث وخمسون سنة، وأقام بالمدينة عشرَ سنين وقُبض يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول من إحدى عشرَ سنةٍ من سنيّ الهجرة ومشهده بالمدينة واسمها يثرب، وطيبة.