الإسلام والإيمان في المفهوم العلوي

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

مَهّد هذا الكاتب لكتابه بفصل يتعلق بالإيمان والإسلام يتناقض مع المفهوم الإسلامي العلوي وهو قوله:

إنّ الإيمان والإسلام واحدٌ، فلا يصح في الشرع أن يُحكم على أحد أنه مؤمن وليس مسلم، أو مسلم وليس بمؤمن.

وقال:

إنّ الإيمان هو الإقرار باللسان فمن نطق بالشهادتين وهما: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صار مسلما، أي مواطناً في دولة الإسلام وتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها المسلم.

فأقول:
إنّ هذا التلخيص حول الإيمان والإسلام ينقُصُهُ الدّقة ويَحتاج إلى التوضيح.
فقوله: (إن الإيمان والإسلام واحد) لا يتفق مع النهج الإسلامي العلوي كما أسلفنا لقول الإمام الصادق عليه السلام: (والإسلام غير الإيمان، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً) .

فالإسلام أعمّ والإيمان أخص لقوله تعالى ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾

فالإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به الرسول وبذلك يُحقن الدم فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقادٌ وتصديقٌ بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن المسلم حقاً.
فأما من أظهر قبول الشريعة واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم وباطنه غير مصدّق.
فالمؤمن مُبَطّن مع التصديق مثل ما يُظهر.
والمسلم التام الإسلام مُظهر للطاعة وهو مع ذلك مؤمن بها.
والذي أظهر الإسلام تعوّذاً من القتل غير مؤمن في الحقيقة إلا أنّ حُكْمَهُ في الظاهر حُكم المسلمين.

وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق نقول:

  • إنّ الإيمان ما عليه الظاهر والباطن من الإعتقاد بالإسلام وبشرائعه، والعمل بأحكامه.
  • أما الإسلام فما عليه الظاهر لا الباطن، إذ قد يكون الشخص مسلماً ولكنه غير مؤمن أيضاً.

وصفات المؤمن الإقرار والخضوع لله تعالى وذلك بالتقرب إليه، والطاعة له بأداء الفرائض والأوامر الإلهية وترك كبائر المعاصي واجتنابها، قالى تعالى ﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ﴾
وصفات المسلم الإقرار بالظاهر من غير العقد عليه بالقلوب.

  • فمن اعتقد بيقين، وشهد بصدق، وعمل بإخلاص، فهو مؤمن صادقٌ في إيمانه، ومسلمٌ مخلصٌ في تسليمه.
  • ومن شَهِد بلسانه ولم يعقتقد في قلبه وعمِلَ طاعة فهو مسلمٌ مستضعف.
  • ومن شهد بلسانه واعتقد في قلبه ولم يعمل فهو فاسق.
  • ومن أخلّ بالشهادة فهو كافر.

والإيمان يُقسم إلى خمسة أقسام:

  • إيمان معصوم: وهو إيمان الأنبياء وهو التام المنتهي تمامه.
  • وإيمان مطبوع: وهو إيمان الملائكة المخلوقين للطاعة والعبادة.
  • وإيمان مقبول: وهو إيمان المؤمنين المتقين.
  • وإيمان موقوف: وهو إيمان المبتدعين.
  • وإيمان مردود: وهو إيمان المنافقين.

فلو لم يتفاوت الإيمان عند الناس لكان أبسطُ الناس من الأمّة بل المُنهمك في الفسق مساوياً تصديق الأنبياء ويقينهم، وهذا أمرٌ مردودٌ عقلاً ونقلاً.
وعلى هذا فالإيمان يقبل الزيادة والنقصان، مصداق قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ الأنفال\2.
وقوله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ الفتح\4.
فالإيمان هو رسوخ الإعتقاد في القلب وهذا الرسوخ يكون تدريجياً وعلى مراحل ويأتي بعد اليقين وهو أشرف المراتب.
واليقين مأخوذ من قولهم يقن الماء في الحوض أي استقر، وحدّه: ألا تخاف مع الله شيئاً.
والإيمان القلبي فهو ثابت غير مسترجع، وصاحبه مأمون من الشك والتردد.
وحقيقة الإيمان الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله.
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ( من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممّن كمُل إيمانه...) .

وجاء من كتب الفريقين أنّ ( حُبّ علي إيمان وبغضه نفاق ) ولهذا اجتمعت الفرق الإمامية الإثنى عشرية على أنّ حب علي أمير المؤمنين من أسمى علامات صحة الإيمان وصدقه وأنّ الإمامة أصل من أصول المذهب.

والإيمان والإسلام مترادفان، ومختلفان، ومتداخلان

فمن الترادف
قوله تعالى: ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ الذاريات\35\36.

فقوله ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا ﴾ أي في قرى قوم لوط ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ وذلك أنّ الله تعالى أمر لوطاً بأن يخرج هو ومن معه من المؤمنين لئلا يصيبهم العذاب. ﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ أي غير أهل بيت من المسلمين، يعني لوطاً وبنتيه، وصفهم الله بالإيمان والإسلام جميعاً لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم وليس العكس.

ومن الإختلاف
قوله تعالى: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ الحجرات\14.
أراد بالإيمان التصديق وطمأنينة النفس، وبالإسلام الإنقياد والإستسلام في الظاهر.

ومن التداخل
سُئل النبي (ص وآله) أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: " الإسلام ".
فقيل: أي الإسلام أفضل؟ قال: " الإيمان ".
وهذا دليل على أنّ الإسلام أعم والإيمان أخص.
والإسلام مدخل إلى الإيمان والإيمان مُتمّم للإسلام فيبدأ الإنسان بالتداخل أولاً فإمّا أن يرتقي إلى الترادف أو يتقهقر إلى الإختلاف.

وهذا يعني أنّ مُعتنق الإسلام لا بُد له كمُقدّمة لدخوله في حصنه أن يُقِرّ أولاً بالشهادتين ومن هنا ينتقل من الإقرار إلى الإعتقاد الثابت والعمل الخالص وحينئذٍ تترادف الكلمات بالنسبة إليه فلا مشاحة في التسمية، وأما إذا أقر بالشهادتين وعمل بالأركان المفروضة ولم يعتقد في القلب وهذا أمرٌ لا يعلمه إلا الله فهو مسلمٌ وإسلامه متختلف عن الإيمان.

فهذا معنى الترادف والإختلاف والتداخل؟.
وقال الإمام الصادق عليه السلام يصف الإيمان والإسلام:

معنى صفة الإيمان الإقرار والخضوع لله بذل الإقرار، والتقرّب إليه به والأداء له بعِلم كل مَفروض من صغير أو كبير من حد التوحيد فما دونه إلى آخر باب من أبواب الطاعة أولاً فأوّلا مقرون ذلك كله بعضه إلى بعض موصول بعضه ببعض، فإذا أدّى العبد ما فرض عليه ممّا وصل إليه على صفة ما وصفناه فهو مؤمن مستحق لصفة الإيمان، ومستوجب للثواب وذلك أنّ معنى جُملة الإيمان الإقرار، ومعنى الإقرار التصديق بالطاعة، فلذلك ثبت أنّ الطاعة كلها صغيرها وكبيرها مقرونة بعضها إلى بعض، فلا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلا بترك ما استحق أن يكون به مؤمناً.
وإنما استوجب واستحق اسم الإيمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة وترك كبار المعاصي واجتنابها وإن ترك صغار الطاعة وارتكاب صغار المعاصي فليس بخارج من الإيمان ولا تاركٍ له ما لم يترك شيئاً من كبار الطاعة ولم يرتكب شيئاً من كبار المعاصي، فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله: ﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ﴾ النساء\31. يعني المغفرة مادون الكبائر.
فإن هو ارتكب كبيرة من كبار المعاصي كان مأخوذاً بجميع المعاصي صِغارِها وكبارِها مُعاقباً عليها مُعذباً بها، فهذه صفة الإيمان وصفة المؤمن المستوجب للثواب.

وأما معنى صفة الإسلام فهو الإقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم والأداء له.
فإذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم الإسلام ومعناه واستوجب الولاية الظاهرة وإجازة شهادته والمواريث. وصار له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، فهذه صفة الإسلام.

وفرقٌ ما بين المسلم والمؤمن أنّ المُسلم إنّما يكون مؤمناً أن يكون مُطيعاً في الباطن مع ما هو عليه في الظاهر.
فإذا فعل ذلك بالظاهر والباطن بخضوع وتقرب بعلم كان مؤمناً، فقد يكون العبد مُسلماً ولا يكون مؤمنا إلا وهو مسلم.

فهذا معنى الإيمان والإسلام لا كما ذهب إليه صاحبنا...