هل العلويون شيعة؟

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

نقف قليلاً مع كتابه الذي عنونه بصيغة السؤال ( هل العلويون شيعة؟ ) . والذي أعاد فيه أكثر ما قاله سابقاً، وأضاف فصلاً جديداً أطلق عليه (بحث تاريخي من واقع وثائقهم وأدبياتهم المنشورة وغير المنشورة ) ، زاعماً أنّ ما أورده في هذا الفصل هو من عقائدنا...

وهنا أقول: إنّ هذا العنوان الذي طرحه بحاجة إلى جواب صريح، إما نفياً أو إيجاباً.
والشيء الغريب أنه في كتابه ( العلويون بين الأسطورة والحقيقة ) أجاب بالنفي والإثبات معاً حيث قال:
( إنهم إماميون اثنا عشريون ) وهذا يعني أنهم شيعة.
ثم قال: ( إنهم يتمسكون بالباطن ) وهذا يعني أنهم ليسوا شيعةً لأن الشيعة لا تقول بالباطن.
ولهذا قلتُ أنّه أوقع القارئ في حَيرة من أمر هذه الطائفة، وسنُجيبه على سؤاله الذي حيّره ثم نناقش ما تَوَصَّل إليه في بَحثه.

سأل وقال: هل العلويون شيعة؟
فنجيبه بسؤال، وما هي الشيعية؟
ونجيب عنه لعله لا يدري: هي حُب علي عليه السلام.
وإذا قيل رجلٌ شيعيٌ فَهِمْنا أنّه مُحِبْ لعلي عليه السلام. والعلوي مُحب لعلي ومُوالٍ له فإذاً كل علوي شيعي، وما في العلويين من يَأبى هذه الصفة.

والفرق بين الشيعي الحقيقي والمتشيّع واضح وجليّ.

» فالشيعي الحقيقي هو من يتولّى علياً ويقول بإمامته بعد رسول الله (ص وآله) بالنص الجَلي والخفي، ويعتقد أنّ الإمامة لا تخرج عنه وعن أولاده وأنهم أهل العصمة. هذا قول العلوي ومن قال غير هذا فليس بعلوي.

» والتشيع لغةً : تشيّعَ الرجل ادّعى الشيعية والدعوى قد تكون صدقاً وقد تكون كذباً. وما من علوي إلا وهو صادقٌ في تشيّعه لأمير المؤمنين عليه السلام. تزول الجبال من أماكنها وحب علي لا يزول من قلبه، والظلم الطويل والمرير الذي عاناه العلوي يشهد بصحة ذلك.

والفرق بين الدعوى الصادقة والكاذبة هي: أنّ الدعوى الصادقة لا تغيّرها أموال معاوية كما جرى في الماضي، أما الكاذبة فهي للمنفعة والزينة فقط.

الصوفية وتحريف كلام العلاّمة

فهذا هو جوابنا على سؤاله أما جوابه هو فهو قوله: (إنّ العلوية عبارة عن طريقة صوفية) .
واستشهد على ذلك بقول العلامة الكبير الشيخ سليمان الأحمد (ق) بعد تحريف جزء منه.
وسأنقل نص السؤال مع جوابه من كتاب هاشم عثمان لأقارنه بالسؤال والجواب الصحيحين والمنقولين عن خط العلامة.

♦ قال هاشم عثمان في كتابه (تاريخ العلويين وقائع وأحداث ):

وظلت معرفة أصل العلويين وتاريخهم الشغل الشاغل لنفرٍ من المؤرخين المعاصرين على رأسهم محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق، الذي كتب إلى الشيخ سليمان الأحمد شيخ العلويين وعلّامتهم في عصره، يسأله عن أصل العلويين وتاريخهم، وكشف لنا عن مضمون جواب الشيخ، قال:

"وقد سألنا الأستاذ الشيخ سليمان الأحمد من علمائهم فأجاب معتذراً عن التوسع في وصف مذهبهم وختم بقوله:
أمّةٌ توالت عليها النوائب السياسية والإجتماعية خمسة أجيال، فأخملتها أي إخمال، وانزوى علماؤها وصلحاؤها وعاث الجهل في عشائرها فساداً، ليس من السهل الكتابة عنها، وليس بالهين ضلال التاريخ، وقلّ من جرى في ميدانه فلم يعثر، لا فرق بينهم وبين الإمامية إلا بما أوجبته السياسة والبيئة وعادات العشائر التي توارثها سكان الشام، أكثر الناس اختلافاً، وأقلهم ائتلافاً إذ شيخ مذهبهم الذي ينتمون إليه (الخصيبي) من رجال الإمامية تقرأ ما له وما عليه في كتب الرجال. إنما لهم طريقة كالنقشبندية والرفاعية وغيرها من الطرق الصوفية بالنسبة لأهل السنة، وهذا مصدر التقوّلات الباطلة عليهم، وما أبرئ جهلتهم من كل ما يُقال ولكن أشهد بالغرض والتغرّض على غالب المؤرخين الذين كتبوا عنهم".

فهذه هي المقالة التي أوردها هاشم عثمان نقلاً عن محمد كرد علي، وهي لا تخلو من زيادة وتحريف واضح..
» وننقل هنا سؤال الأستاذ محمد كرد علي وجواب العلامة كما نقلهم العالم الأستاذ الشيخ "محمد حسن شعبان" عن خط العلامة الكبير وذلك في معرض حديثه عن سيرته الفاضلة. قال:

عَطّرَت سُمعَة الشيخ آفاق بلاد العلويين وانداحت لتشمل سورية ولبنان والعراق وطَرَقت أسماع المُستشرقين الذين يَؤمّون البلاد العربية، فزاره المستشرق الفرنسي ( ماسينيون ) في بيته واستمع له وأبدى إعجابه بعلمه وسعة أفقه، وما كان يَفوت المجمع العلمي العربي بدمشق دعوة تلك الشخصية الفذّة للإنتماء إليه والإفادة من شريف مقامه وقدّم له ثَبتاً لا يزال في بيته أثراً مُمَيّزاً في آثاره.

وفي 4 تشرين الأول سنة 1925 م كتب له الأستاذ محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي يطلب إليه كتابة لمحة عن تاريخ العلويين ومذهبهم، ننقل بعض مقدمة الكتاب عن خطه كوثيقة تاريخية قال:

كتبت كتابين صرّحتُ بهما إلى مولاي ألتمس منه أن يَتفضل ويَكتب لي ثلاث صفحات في تاريخ العلويين ومذهبهم ومعتقدهم وما يخالفون فيه الجعفرية من المعتقدات، وإحصاءً تقريبياً عنهم وعن مواطنهم في الشام.

وأجابه الشيخ بقوله:

أمّة توالت عليها النوائب السياسية والإجتماعية طيلة خمسة أجيال فأخملتها أي إخمال وانزوى علماؤها وصلحاؤها وعاث الجهل في عشائرها فساداً، ليس من السهل الكتابة عنها، وليس بالهيّن ضلال التاريخ وقـَلّ من جرى في ميدانه ولم يعثر لا فرق بينهم وبين الإمامية إلا ما أوجدته السياسة والبيئة وعادات العشائر التي توارثها سكان الشام، أكثر الناس اختلافاً وأقلهم إئتلافاً، وإنّ شيخ مذهبهم الخصيبي من رجال الإمامية تقرأ ما له وما عليه في كتب الرجال وإني أشهد بالغرض والتغرّض على غالب المؤرخين الذين كتبوا عنهم ... 1 .

هذا هو جواب العلامة الكبير (ق) كما نقل عن خط يده وهو يختلف مع ما أورده هاشم عثمان في كتابه عن لسان الأستاذ محمد كرد علي.
ويتلخص معنا ما يلي:

  • أولاً: أنّ العلامة لم يعتذر عن التوسّع في وصف مذهب العلويين بل أجاب بكل وضوح حينما قال: ( لا فرق بينهم وبين الإمامية ) ، وهذا يعني أنهم على مذهب أهل البيت عليهم السلام. وإنما اعتذر عن التوسع في تاريخهم لأسباب أوضحها وهي كثرة ضلال التاريخ الذين زيّفوا الحقائق وشوهوها عمداً كما هو معروف.
  • ثانيا: إنّ العلامة لم يقل (أنّ لهم طريقة صوفية كالنقشبندية والرفاعية)، بل قال: إنّ مذهبهم هو المذهب العلوي الإمامي الذي يُعتبر شيخهم الخصيبي من رجاله.
  • ثالثاً: إنّ جملة ( وما أبرئ من جهلتهم من كل ما يُقال ) زائدة على نسخة الأصل وإضافتها لا تخلو من غايات.
  • رابعاً: إنّ هذه المقالة تدحض ما ذهب إليه هذا الكاتب من القول إنّ العلوية طريقة صوفية. وتؤكد أنّ المسلمين العلويين إماميون إثنا عشريون ظاهرهم عين باطنهم وباطنهم عين ظاهرهم.

وفي الختام أعقب على ملاحظة أوردها وهي قوله:

إنّ الطائفة العلوية هي بالأصل شيعة إمامية إثنا عشرية ثم مع الأيام بلوَرَت لنفسها مفهوماً خاصاً للأحكام الشرعية لا يختلف في جوهره عمّا تقول به بعض الطرق الصوفية، واعتُبرت معه فرقة مستقلة عن الشيعة الإمامية تتفق معها في أمور وتختلف معها في أمور...

  • أولاً: إنّ الأحكام الشرعية المعمول بها عند المسلمين العلويين منذ نشأتهم وحتى الآن لم تتغير ولم تتبدل ولم تتبلور كما ادعى صاحبنا مقلداً غيره.
  • ثانياً: إنّ الأحكام الشرعية في الشريعة الإسلامية ثابتة الأركان واضحة البرهان صريحة البيان، لا يستطيع أي مخلوق مهما سَمَت رُتبَتُه أن يُغيّرها أو يُبلور مفهومها على هواه، لأنها مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله (ص وآله) ومن فعل ذلك فهو مُبتدِع كائنٌ من كان.

» وكنا نتمنى من هذا الكاتب أن يُبيّن لنا أوجه الإختلاف بيننا وبين الشيعة كما ادّعى وقال، ولن يستطيع لعدم وجود ذلك، لأن العبادات والمعاملات في المذهب العلوي مأخوذة من أقوال الأئمة المعصومين الذين استنبطوها من كتاب الله، ونقلوها عن رسول الله (ص).

» والتصوف عند العلويين هو القيام بالطاعات على أكمل وجه واجتناب المحرمات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه والرسول (ص وآله) في خطابه. والتخلق بأخلاق الأئمة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

فنسأل الله أن يطهّر نفوسنا وعقولنا وقلوبنا من أخلاق أهل الرذيلة بمحمدٍ وآلهِ إنه على كل شيئ قدير..

ولهذا الكاتب عثرات وسقطات لا تحصى تركناها اختصاراً ولأننا رددنا عليها في مواضع أخرى من كتابنا...

  • 1 لما سأل علماء مصر الشيخ سليمان ظاهر أحد علماء جبل عامل عن العلويين أجابهم بكتاب الشيخ سليمان الأحمد الآنف الذكر تثبيتاً بأنّ العلويين شيعة إماميون وهذا يعني أنّ كلامه حُجّة في الأوساط العالمة من شعبه وغير شعبه...( الشيخ محمد حسن شعبان) .