الإسلام

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 03/11/2010 - 11:33

الإسلام هو التسليم لله بقلب سليم ، والعمل بأحكامه من أصول اعتقادية إيمانية وفروع فقهية تعبدية ، وهو الخضوع والانقياد لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو دين كافة الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين وملائكة الله المقربين لقوله تعالى في كتابه المبين : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ﴾ آل عمران/19. ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ آل عمران/85.

فالإسلام دين كائن قديم من قوله تعالى:
﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ﴾ الشورى/13.
وليس المراد بالقدم أنه جاء قبل الأديان ولكن المراد أن قواعده السامية مقررة قديمة إذ أنه لم يأتِ بجديد في أصول الأديان بل جاء يوحدها وينظفها مما شابها من الأفكار والتقاليد، وجدد من القواعد والنظم ما يساير أحوال الناس في كل زمان ومكان، واستبعد من القواعد والتشاريع ما لا يتفق مع طبيعة البشرية، وما تتعفف عنه الانسانية.

فالدين الإسلامي خالدٌ بدليل أن الباحث في قواعده السامية ومبادئه الصالحة المستقيمة يجد أنها تتماشى مع الفطرة وتتفق مع الذوق السليم، لأنه دينُ الفطرة من قوله تعالى :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم ُ ﴾ الروم/3.

وقد عرّفه أمير المؤمنين بأجلى بيان وأوضح برهان ونسبه نسبةً لم يسبقه إليها سابقٌ ولن يلحقه بها لاحقٌ عندما قال:
( الإسلام هو التسليم والتسليم هو التصديق ، والتصديق هو اليقين، واليقين هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل ). (نهج البلاغة)

ومهما بالغ الإنسان في وصفه فلن يصل إلى هذا المستوى الراقي من التصوير فالإسلام جامعٌ وكاملٌ لا يوجد شيءٌ يُطلب من خارجه فهو مقرون بالتقوى والهدى والحياء والورع والدين والعمل الصالح، وأساسه حب أهل البيت عليهم السلام لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يدخل الجنة إلا من كان مسلماً.
فقال له أبو ذر: يا رسول الله وما الإسلام؟
فقال: ( الإسلام عريان ولباسه التقوى، وشعاره الهدى، ودثاره الحياء، وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل الصالح، ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت ).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
( إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة، وجعل له نوراً، وجعل له حصناً، وجعل له ناصراً، فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم ).

فالإسلام أولُ مراتب العبودية وجوهره التسليم الذي لا يكون إلا بقلب سليم ، وعلامته الصدق والشكر والحياء وحسن الخلق ، وهو مقرونٌ بالتصديق المعبر عنه بالإيمان الذي لا يتم إلا باليقين الخالي من الظن والتخمين لأن للإيمان درجات متفاوتات ومراتب متداخلات واليقين أعلاها وأسماها، وهو يُترجمُ بالإقرار الصادق والأداء الخالص والعمل الكامل.

  • فالإسلام علمٌ وعملٌ.
  • والعلمُ إيمانٌ ويقين.
  • والعملُ إقرارٌ وطاعةٌ.

وقد أوضح السيدُ الرسول صلى الله عليه وآله علامات الإسلام بقوله (ص) : ( وأما علاماته فهي الإيمان والعلم والعمل ).

  • أما علامات الإيمان فأربعةٌ : الإقرار بتوحيد الله، والإيمان به، والإيمان بكتبه، والإيمان برسله.
  • وأما علامة العلم فأربعةٌ: العلم بالله، والعلم بمحبيه، والعلم بفرائضه،والحفظ لها حتى تؤدى .
  • وأما علامة العمل : فالصلاة والصوم والزكاة والإخلاص.

أما قواعده فهي سبعةٌ شرحها أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد فقال: قواعد الإسلام سبعةٌ:

  • فأولها: العقل وعليه بني الصبرُ.
  • والثانية: صون العرض وصدق اللهجة.
  • والثالثة: تلاوة القرآن على جهته.
  • والرابعة: الحب في الله والبغض في الله.
  • والخامسة: حق آل محمد(ع) ومعرف ولايتهم.
  • والسادسة: حق الأخوان والمحاماة عليهم.
  • والسابعة: مجاورة الناس بالحسنى.

فهذا هو الإسلام الجامع للأصول والفروع والآداب والحاوي لجميع معارف الدنيا والآخرة ، وهو كنه الأديان السماوية وحقيقتها وليس وراءه إلا الوثنية والإشراك، وانه سببُ النجاة في كل وحي سماوي وقد دانت به الرسلُ الكرام والأنبياء العظام، وهو دين الرحمة والعدل، دينٌ حميدٌ بأخلاقه، عظيمٌ بقانونه، حكيمٌ بدستوره، عادلٌ بنظامه، وإن الله عز وجل لم يطلق لفظة مسلم أو مسلمين على أمةٍ خاصةٍ أو أهل دينٍ خاصٍ وإنما على الذين أسلموا له ضمائرهم وعقولهم مخلصين صادقين من أهل الأديان جميعاً وإن ما جعل الإسلام مختصاً بالشريعة المحمدية خاصة ذلك من باب تغليب جانب السلطة القادرة المفكرة الخبيرة بتصرف الأمور على ما سواها من الشرائع الدينية والنواميس الإلهية، وذلك بما انطوى تحتها من تدبير شؤون الدولة والقيام بعزم وحزم على إدارة سياستها الأهلية والاقتصادية والمدنية كاقامة الحدود وتوزيع المناصب الدينية التي لا تنعقد صحيحة إلا في استدلال الأحكام الشرعية الفرعية من أصول القرآن والحديث والإجماع والعقل.

وبالنتيجة

فإن الإسلام هو دين الاجتماع وإذا صلح الاجتماع كانت المدنية الحقة والسعادة المنشودة فلما جاء حرر العقل من ربقة التقليد الأعمى وسلطان الأوهام، وأطلق الفكر من عقاله يجول في ملكوت السموات والأرض، وما خلق الله من شيء ، ويطرد بنوره الساطع ظلام الجهل ، ويبدد بأشعته الوهاجة سُحُبَ التضليل والخرافات والسخافات فجنى العالم من غرس مبادئه القويمة ثمار الحكمة والاتزان واعتدال الرأي وسلامة الفكر وعلو الهمة وكمال الإيمان ، وفتح باب الاجتهاد وتصريف المواهب والقوى لما خلقت لإجله.

فقد كان الناس في جزيرة العرب قبل الإسلام أقرب إلى الوحشية منهم إلى الإنسانية ، كانوا يئدون البنات ويلعبون الميسر ويشنون الغارات لأوهن الأسباب ، وكانوا يتخذون الأصنام آلهةً لا كلمة تربطهم ، ولا نظام يرتب صفوفهم، يتباغضون ويتحاسدون وكانوا أقرب إلى الوحوش الضواري منهم إلى الإنسان العاقل، وبقي العرب على هذه الحالة حتى دوى صوتُ محمد في جزيرة العرب فخشعت الأصوات لدويه، وتفتحت القلوب لهديه بعد طول عناء ، وسعد الناس برسالته بعد طول الشقاء ، فدعاهم إلى معرفة الله والهدى ودين الحق ، وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.

أخذ الإسلام أنصاره بالتصون للنفس والتجافي عن مواضع النقص، والأنف من الرضاء بالجهل والغباوة أو الضعة أو الضراعة، وهذا خُلقٌ ينهض ولا شك بصاحبه إلى الفضائل وينفر به عن الشهوات الجامحة ويحثه على طلب الكمال.

فالإسلام هو الرسالة السماوية الكاملة والمكملة للنفوس الفاضلة والمنقذة لها من الأعلاق الفاسدة، وكمال الإسلام عند ذوي الأفهام هو الإيمان، والإيمان في منهاجنا العلوي هو إخلاص الولاية لمن أمر الله بولائهم واتباعهم والإقتداء بهم قولاً وفعلاً.

وأختم هذا الفصل بما روي عن أمير المؤمنين في وصف الإسلام قال :

أما بعد فإن الله تبارك وتعالى شرع الإسلام وسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه لمن حاربه، وجعله عزاً لمن تولاه، وسلماً لمن دخله، وهُدى لمن ائتم به، وزينة لمن تجلله، وعُذراً لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به، وحبلاً لمن استمسك به، وبرهاناً لمن تكلم به، ونوراً لمن استضاء به، وعوناً لمن استغاث به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاج به، وعلماً لمن وعاه، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن قضى، وحلماً لمن جرب، ولباساً لمن تدبر، وفهماً لمن تفطن، ويقيناً لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، وتوءدة لمن أصلح، وزُلفى لمن اقترب، وثقة لمن توكل، ورجاء لمن فوض، وسبقة لمن أحسن، وخيراً لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباساً لمن اتقى، وظهيراً لمن رشد، وكهفاً لمن آمن، وآمنة لمن أسلم، ورجاءً لمن صدق، وغنى لمن قنع.

فذلك الحق، سبيله الهدى، ومآثره المجد، وصفته الحسنى، فهو أبلج المنهاج، مشرق المنار ، ذاكي المصباح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، سريع السبقة، أليم النقمة، كامل العدة، كريم الفرسان.

فالإيمان منهاجه، والصالحات، مناره، والفقه مصابيحه، والدنيا مضماره، والموت غايته، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه.

فبالإيمان يُستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يُرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة، وبالقيامة تُزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة المتقين، والتقوى سنح الإيمان.

وقال عليه السلام :

إن الله خصكم بالإسلام ،واستخلصكم له، وذلك لأنه اسم سلامة، وجماع كرامة، اصطفى الله تعالى منهجه، وبين حججه، من ظاهر علم، وباطن حكم، لا تفنى غرائبه، ولا تنقضي عجائبه، فيه مرابيع النعم، ومصابيح الظلم، لا تفتح الخيرات إلا بمفاتيحه، ولا تكشف الظلمات إلا بمصابيحه، قد أحمى حماه، وأرعى مرعاه، فيه شفاءُ المستشفي، وكفاية المكتفي.

وقال عليه السلام :

إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه، واصطنعه على عينه، واصطفاه خيرة خلقه، وأقام دعائمه على محبته، أذل الأديان بعزته، ووضع الملل برفعه، وأهان أعداءه بكرامته، وخذل محاديه بنصره، وهدم أركان الضلالة بركنه، وسقى من عطش من حياضه، وأتأق الحياض بمواتحه، ثم جعله لا انفصام لعروته، ولا فك لحلقته، ولا انهدام لأساسه، ولا زوال لدعائمــه، ولا انقلاع لشجرته، ولا انقطاع لمدته، ولا عفاء لشرائعه، ولا جذّ لفروعه، ولا ضنك لطرقه، ولا وعوثة لسهولته، ولا سواد لوضوحه، ولا عوج لانتصابه، ولا عَصَلَ في عوده،ولا وعث لفجه، ولا انطفاء لمصابيحه، ولا مرارة لحلاوته، فهو دعائمُ أساخَ في الحق أسناخها، وثبت لها أساسها، وينابيع غزرت عيونها، ومصابيح شبت نيرانها، ومنار اقتدى بها سُفارها، واعلام قصد بها فجاجها ، ومناهل روي بها ورادها، جعل الله فيه منتهى رضوانه، وذروة دعائمه، وسنام طاعته، فهو عند الله وثيق ، رفيع البنيان، منير البرهان، مضيء النيران، عزيز السلطان، مشرف المنار، مُعوِذُ المثال، فشرفوه واتبعوه، وأدوا إليه حقه، وضعوه مواضعه.

فهذا هو الإسلام في نهج الإمام عليه السلام وهكذا يراه ويعتقده كل مسلم علوي العقيدة والولاء والدين والانتماء، وهذا هو تعريفه الأكمل ووصفه الأجمل لمن أراد أن يعمل به ليكمل.