تلخيص وتمهيد

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 03/11/2010 - 11:33

أوضحت في هذا الباب بأن الله جل وعلا لم يخلق هذا الخلق البديع عبثاً ،ولم يوجد العبادَ سُدى،ولكنه لحكمته الباهرة خلقهم ليعرفوه لأنه أحب أن يعرف، وليعبدوه لأنه يستحق العبادة فهو المنعم عليهم ومن حق المنعم أن يُشكر على أنعامه وهذا مما لا خلاف فيه عند أهل العقول.

وبأن الدين هو الانقياد والطاعة له، ولولاه لفسد المجتمع واختل توازنه، ولكانت الحكمة غير تامة لان كمال الإيجاد تنظيم الموجود بنظم متقنة.

وبأن الإسلام هو آخر الأديان السماوية وجامعها وأكملها ، وهو التسليم لله بالقلب السليم، والإقرار بالشهادتين مع حسن العمل بأحكامه والالتزام بنظامه.

وبأن الإيـمان هو قولٌ مقولٌ، وعملٌ معمـولٌ، واتباع للرسول،وتصديق بالعقول.

وبأن اليقين هو استقرار الإيمان ورسوخه.

وبأن المعرفة الإجمالية واجبة على كل مسلم لقول الرسول(ص)طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة،أما المعرفة التفصيلية فهي وقفاً على العلماء البالغين.

وبعد هذا أقول بأن الدين يتألف من قسمين أساسيين: العقائد والأحكام :

  • فالعقائد هي قواعد الدين وأساسه، ولذلك سميت بالأصول الواجب اعتقادها بالعقل والفهم اليقيني.
  • و الأحكام هي الواجبات التعبدية والعملية المتلائمة مع الأسس العقائدية والمنبثقة عنها، والعائدة إليها ، وتسمى بالفروع الواجب التزامها والعمل بها.

وانطلاقاً من ذلك فأنه من المجمع عليه عند كافة المسلمين ومن دون خلاف فأن أصول الدين الواجب اعتقادها من دون تقليد ثلاثة وهي: التوحيــد   النبـــوة   المعــــاد .
فمن أقر بها فهـو مسلم له ما له من الحقوق ، وعليه ما عليه من الواجبات، ومن اعتقدها بقلبه من دون شك بها فهو مؤمن .

وعندنا وفي منهاجنا الثابت عن أئمتنا فأن التوحيد يتفرع منه أصلٌ ثاني وهو العدل، والذي يعد من أبرز مباحثه وأكثرها حساسية ودقة، وكذلك الأمر فإن النبوة يتفرع عنها مبحث مستقل وهو الإمامة، والذي يعد أصلٌ مذهبي ، ولأن الإمامة امتدادٌ للنبوة فقد أُفرد لها مبحثٌ مستقلٌ لما دار حولها من خلافات كثيرة أنتجت فرقاً عديدة.

وعلى هذا الأساس الثابت بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة فتكون أصول الدين عندنا خمساً وهي :

التوحيد   العدل   النبوّة   الإمامة   المعادُ.

وتقسم إلى قسمين كما أسلفت في تمهيد الباب الأول وهي:
أصول الإسلام ، وأصول الإيمان، أو أصول الدين، وأصول المذهب، فمن أقر بها جميعاً فهو مسلمٌ مؤمنٌ، ومن اعتقدها بإخلاص وإيمان راسخٍ فهو موقنٌ.

وإنّ ترتيب هذه الأصول الخمس بهذه الصيغة المنظمة لا يخلو من حكمة بالغة ، فقد جاء التوحيد أولاً لأن معرفة الله أجل العلوم وأسناها ولأن أول الدين معرفته ومن دون معرفته لا تصح عبادته ولا يمكن معرفة سواه فبه يُعرف العقل لا بالعقل يعرف ، وبه توصف الصفات لا بالصفات يوصف ، وبه جل وعلا تُعرف بقية الموجودات.

أما العدل فقد جاء ثانياً لأنه من أبرز صفات الحكم الإلهي الذي يمتنع عنه الظلم لقبحه وتنافيه مع العدالة المطلقة الإلهية .

أما النبوة فهي السفارة الربانية والواسطة بين الرب والعبد وهي عروة الاتصال بالله وسلم الوصول إلى جناته.

و الإمامة تعقب النبوة لقربها منها ولأنها امتدادٌ طبيعيٌ لها فلا بد منها لاستمرارية القيادة الرشيدة والحكيمة ولتفسير الأحكام الكلية والجزئية وتطبيق الحدود القضائية في مختلف الجوانب كي لا تقع الأمة في الفساد ولأنه من الأمور البديهية أن يتولى شؤون الرعية راع حكيم .

و المعاد أصلٌ يقينيٌ مطلقٌ وهو الحاجز عن ارتكاب المعاصي والذنوب وللتأكيد على ضرورة الحساب على ما مضى من الأعمال كي لا يسرف الإنسان في غلوائه وليستحضر في باله دائماً ذلك الموقف العظيم المهول أمام الخالق العادل الذي لا يفوته شيء والذي أقام الحجة على خلقه بواسطة رسله وما أنزل عليهم من الذكر الحكيم.

فالأصول الأربع ( التوحيد   العدل   النبوة   الإمامـة ) تتطلب العلم لاستجلائها وفهم معانيها، والإيمان بنتائج هذا العلم المؤيد بالأدلة الكتابية والأحاديث النبوية والحجج العقلية والبراهين المنطقية.
أما الأصل الخامس فإنه يتطلب اليقين المطلق بالخبر الوارد عن المعصوم.

وعلى هذا نستطيع القول بأن الأصول الأربع أصول إيمانية، والأصل الخامس أصلٌ يقينيٌ لقوله تعالى:
﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ فالغيب هو ما غاب عن الحواس وهو الله جل وعلا لا يدرك بالحواس ومع هذا فيجب الإيمان به إيماناً ناتجاً عن علم ونظر وإشغال الفكر.
﴿ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من الأعمال التعبدية وتندرج في الفروع الشرعية.
﴿ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ وهذا أيضاً يتطلب العلم والبحث لأنه مضى.
﴿ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ فالآخرة من الأمور الآتية وهي مستقبلية ولذلك فأنها تتطلب اليقين، فما مضى يتطلب العلمَ وما سيأتي يتطلب اليقين. والله أعلم.