اليقين

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 03/11/2010 - 11:33

وردَ الفعل أيقن ومشتقاته في كتاب الله ثمانية وعشرين مرة، واليقين كما بينا سابقاً أعلى مراتب الإيمان وأسماها، وشعبه أربع لقول أمير المؤمنين عليه السلام : ( واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين ).

واليقين في اللغة : العلم الذي لاشك معه.

وفي الاصطلاح: اعتقادُ الشيء بأنه كذا مع اعتقاد انه لا يمكن إلا كذا مطابقاً للواقع غير ممكن الزوال، وهو نقيض الشك.

وقيل أن اليقين عبارة عن العلم المستقر في القلب لثبوته من سبب متعين له بحيث لا يقبل الانهدام ، وهو مأخوذ من قولهم يقن الماء في الحوض إذا استقر ودام.

واليقين من صفة العلم لذلك يقال علم اليقين ولا يقال معـرفة اليقين، وهو سكون النفس مع إثبات الحكم.

ويتفاوت اليقين إلى مراتب بعضها ألطف من بعض كعلم اليقين لأصحاب الحجة والبرهان ،وعين اليقين وحق اليقين لأصحاب الكشف والعيان. فأصحاب الحجة والبرهان هم أهل الإيمان، وأصحاب الكشف والعيان هم أهل اليقين لأن اليقين هو رؤية العيان بقوة الإيمان لا بالحجة والبرهان، لأن الحجة والبرهان هما دليل الإيمان، والرؤية والعيان دليل اليقين لقوله تعالى: ﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى ﴾ فإبراهيم عليه السلام يطلب الرؤية حتى يتيقن فأجابه الحق بقوله: ﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى ﴾ مما يدل على انه آمن ولكنه طلب اليقين بقوله استدراكاً : ﴿ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ دليل على أن اليقين هو اطمئنان القلب بالرؤية، والطمأنينة لا يتصور عليها الجحود، وهذا الخطاب يدل على حالة الترقي من الإيمان إلى اليقين المعبر عنه بمشاهدة الغيوب بصفاء القلوب ، وملاحظة الأسرار بمحافظة الأفكار.

  • فعلم اليقين ما يحصل عن الفكر والنظر.
  • وعين اليقين ما يحصل عن مشاهدة وعيان.
  • وحق اليقين ما يحصل عن العلم والمشاهدة معاً.

ولنقف قليلاً مع الإمام الصادق وحديثه عن اليقين قال عليه السلام:
( اليقين يوصل العبد إلى كل حال سني ومقام عجيب، كذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن عظم شأن اليقين حين ذكر عنده أن عيسى عليه السلام كان يمشي على الماء. فقال: لو زاد يقينه لمشى على الهواء، فدل بهذا على أنّ الأنبياء مع جلالة محلهم من الله، كانوا يتفاضلون على حقيقة اليقين لا غير ولا نهاية بزيادة اليقين على الأبد )

وقد يكون اليقين ظناً كما عبر عنه سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ ﴾ وقال أمير المؤمنين في تفسير هذه الآية: (يوقنون أنهم يبعثون والظن منهم يقين).
وقال أيضاً: (اللقاء البعث، والظن هاهنا اليقين).

ومما ينسب لأحد الشعراء :

الــــهي لا تعــذبنــــي فأنــــي   مـقـــــرٌ بــالذي قـد كــان مني
ومـــــالي حيلــة إلا رجـائـــي   وعفوك إن عفوت وحسن ظني

وبالنتيجة فاليقين هو نور الهي يشرق في القلب وذلك من خلال الإقبال على الله والإدبار عما سواه والقيام بطاعته واجتناب معصيته فيؤدي إلى انكشاف الحق والواقع للإنسان وهو المعبر عنه بالإيمان القلبي الذي يأتي بعد الإيمان العقلي ، لأن معرفة الله بالعقل هي معرفة ناقصة ولا تكمل إلا بالإيمان القلبي المعبر عنه باليقين وهو وحده الذي يوجب الأمن من التردد والنعيم بالطمأنينة.

وختاماً أقول بأنّ علامة الإسلام الإقرار بالشهادتين ، وعلامة الإيمان بعد الإقرار الاعتقاد في القلب والعمل بالأركان ، وعلامة اليقين ظهور آثار الإسلام والإيمان في سائر حركات الإنسان وسكناته وهذا لا يكون إلا بعد رسوخهما في القلب وسطوعهما في العقل وارتسامهما في النفس وظهورهما في الحواس.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( باليقين تدرك الغاية القصوى ).

  • فالمسلمون كثيرون.
  • والمؤمنون قليلون.
  • والموقنون نادرون.