السلفية

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48

السلفية في اصطلاح أصحابها نسبة إلى السلف، وهم من تقدم من هذه الأمة، ويقصدون بذلك أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم أطلق هذا الوصف على أتباع أحمد بن حنبل بعد محنة المعتزلة.
ثم جدد نشاطهم ابن تيمية الحراني في القرن الثامن.
ثم أحياها بعد ذلك محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري فنسبت السلفية تارة لأبن حنبل، وتارة لأبن تيمية، وتارة لأبن عبد الوهاب باعتبارهم مجددين لا مؤسسين.

لقد ترك المنهج العقلي الذي سلكه الأشعري وأتباعه في تعديل عقائد أهل الحديث شعوراً بالامتعاض لدى بعض فقهاء أهل الحديث من الحنابلة الذين تعصبوا عليه، ونالوا من ماضيه في الاعتزال فأخفق في استمالتهم بالجهر بأنه ينطق بلسانهم ووقعت اصطدامات بينهم وبين أتباعه، وكان أولها الصراع الدموي الذي تفجر في بغداد عام 469هـ وفيه منع الحنابلة الخطيب البغدادي من دخول المسجد لأنه على مذهب الأشاعرة، وتكررت الصراعات وتفاقمت إلى قتال في الشوارع بينهما أواخر القرن الخامس الهجري عندما اعتدى الحنابلة على الشيخ البسيري المتوفى عام 514هـ واضطروه إلى ترك بغداد.

وفي أواخر القرن السابع الهجري انتفض أحد فقهاء الحنابلة وهو أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية الحراني الدمشقي منتصراً للحنابلة المتعصبين على المذهب الأشعري الرائج، فقام بإحياء بعض عقائد أهل الحديث وبالأخص ما يرجع إلى التشبيه والصفات الخبرية عامة، ومن دون أي توجيه وتصرف وهاجم التأويلات التي ذكرها الأشاعرة في كتبهم حول تلك الأحاديث.
ولم يكتف بذلك بل أدخل في عقائد السلف أموراً لا يُرى منها أثراً في كتبهم، فعدّ السفر لزيارة الرسول(ص) بدعة وشركاً، كما عدّ التبرك بآثاره والتوسل به وبأهل بيته والصالحين أشياء مضادة للتوحيد في العبادة، وأنكر كثيراً من الفضائل الواردة في آل البيت والمروية في الصحاح والمسانيد حتى في مُسند إمامه أحمد، وقام بترويج الفكرة العثمانية التي تعتمد على التنقيص من أمير المؤمنين عليه السلام وإشاعة بغضه وعناده.

انفرد ابن تيمية بفتاوٍ غير مألوفة في المذاهب بل خالف فيها حتى مذهبه الحنبلي الذي ينتمي إليه ، وواجه المتصوفة والأشاعرة والمعتزلة والجبرية، وانتقد ما جاء في المذاهب الثلاثة الشافعية والحنفية والمالكية.
وكان يحرص على وجوب طاعة السلطان وحرمة الخروج عن أمره، وان كان ظالماً لاعتقاده أن الشر المتولد من ذلك أكثر من الخير.
ويقول عن لسان السلف: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان براً كان أو فاجراً .
ويعلل ضرورة وجود الحاكم بغض البصر عن مسألة عدله أو ظلمه فيقول: بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، ولأن الله تعالى أوصى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وامارة .
وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل واقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا اعتبر أن السلطان ظل الله في الأرض ، ويقال ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان.

كانت آراء ابن تيمية ضد موالي أهل البيت عليهم السلام أكثر تطرفاً من غيرهم فلم يكتف بالطعن عليهم، بل أفتى لسلطانه بوجوب قتالهم وشارك بنفسه في تلك الاعتداءات والحملات عليهم من جراء فتاواه المتناقضة ، وعدّ مصارع القوم من النعم التي أنعم الله بها على السلطان، وعلى المؤمنين في دولة نعم لم تعهد في القرون الخالية.!

إن أكثر من تعرض للظلم والبطش من المسلمين في ذلك الوقت هم أبناء الولاية العلوية الذين وصفهم بكل قبيح لا لشيء إلا لأنه كان يبغض إمامهم بدليل إنه عمد إلى ردَّ كل ما يشير إلى مزاياه ففند الأحاديث المروية في الصحاح الدالة على فضائله وبذلك يكون قد عمد إلى تكذيب أصحابها بعد أن أخذ عنهم ما ينسجم مع فكره التعصبي .
تعرض ابن تيمية للكثير من النقد من كبار العلماء في زمانه فلم يترك فئة إلا سفه آراءها.

ومن جملة الذين ردوا عليه وهاجموه الحافظ شمس الدين الذهبي المتوفى عام 748هـ في ترجمته له في تذكرة الحفاظ، وفي رسالة مقذعة أخرى داعياً أياه أن يرعوي متأسياً على السنة وضياع أهلها بما وصل إليه ابن تيمية، كذلك نقده الحافظ علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى عام 756هـ في طبقات الشافعية، ومحمد بن شاكر الكتبي المتوفى عام 764هـ في فوات الوفيات، وأبو بكر الحصني الدمشقي المتوفى عام 829هـ ، وشهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني المتوفى عام 852هـ،وشهاب الدين ابن حجر الهيثمي المتوفى عام 973هـ ، وغيرهم ممن كان في عصرهم ومن أتى بعدهم .

* * *

فهذا باختصار شديد مجمل آراء الفرق السنية ولا يدخل في جملتهم الخوارج لخروجهم عن منهج التسنن والتشيع ، ولم يبق من هذه الفرق في زماننا هذا غير الأشاعرة والسلفية وبعض الأفكار الأخرى التي لا تؤلف فرقة مستقلة،
وفيما يلي كلام موجز في أشهر الفرق الإمامية.

مصادر هذا البحث مأخوذة من عدة مراجع بتصرف بسيط وأبرزها الملل والنحل للشهرستاني ، الفرق بين الفرق للبغدادي، موسوعة الفرق والجماعات عبد المنعم الحفني، العقل الفلسفي في الإسلام علي شلق، قصة الطوائف فاضل الأنصاري، وغيرها.