ترجمة الخصيبي (ق)

أُضيف بتاريخ الأحد, 31/10/2010 - 11:27

إنّ بقاء الأمم منوطٌ بحفاظها على معتقداتها وتاريخ أمجادها وجهاد عظمائها.
وإستمرارها موقوف على التمسك بنهجهم الذي عملوا من أجله وتفانوا في سبيله.
وحياتها بالسير قدما نحو الأكمل مستمدّين هذا السلوك الهادف من نقطة الأساس التي انطلق منها قدماؤهم.
والأمة التي لا تهتم ولا تحافظ على معتقداتها وتاريخها فهي إلى زوال لا محالة، وعلى هذا فأقول وبالله التوفيق:

إنّ المخلصين في هذه الدنيا والعاملين فيها قلة نادرة في كل زمانٍ ومكان، بل أندر من الكبريت الأحمر، ولكنهم رغم قلتهم فإنهم أقوياء في مبادئهم وعقائدهم التي ارتسمت في نفوسهم واكتملت في عقولهم وتعرّشت في قلوبهم، وثابتون في سلوكهم نحو أهدافهم السامية مهما اشتدت أعاصير الطغيان، وأمواج الفتن، وذلك لأن قلوبهم استضاءت بنور اليقين، واهتدت إلى الحق المبين، وتأدّبت بآداب المتقين، وتخلّقت بأخلاق النبيين.

وليس المقياس بقلة العدد وكثرته، إنّما المقياس الصحيح يكمن بسموّ الهدف الذي يسعى إليه الفرد، فكلما كان الهدف سامياً كان السالك لتحقيقه متسامياً ومثابراً على بلوغه مهما كلّف الثّمن، ولاقى في سبيله الكثير من الصعوبات التي تعترضه من قبل أصحاب النفوس المريضة بمرض الجهل الذين ينطبق عليهم المثل القائل: (المرء عدو ما جهل).

وإن في سلوك المخلصين، وصبرهم على تحمل المحن والاحن دروساً قيمة وراسخة لتابعيهم، وأثراً بالغاً في التأثير عليهم، وحثّهم على التحرك نحو الأفضل.

نعم إن العظماء والعاملين المخلصين في أفضل ميادين هذه الحياة وأسماها قلة نادرة، وذلك لقيامهم بما عجز عنه الآخرون من الذين قصرت هممهم، وضعفت نفوسهم واستعداداتهم عن تحمل المسؤوليات الكبرى والجليلة.

يرى الجبنـاء أن العجز عقل     وتلك خديعـة الطبـع اللئيـم
وكل شجـاعة في المرء تغني     ولا مثل الشجاعة في الحكيم 1

فطاقات النفوس تتفاوت بتفاوت الهمم، وتفاضل الهمم تسموا على بعضها البعض بسمو الغاية، والغايات تختلف بإختلاف قواعدها، والقواعد تتميز بتميّز واضعيها، وحينما تكون القاعدة إلهية، والهدف وجهه الكريم، وابتغاء مرضاته تسمو الهمة، ويتحقق الهدف المنشود مهما صعب وطال الزمن.

والعظماء في التاريخ بصورة عامة، قسمان لا ثالث لهما كما أرى:

  1. قسم صبر وصابر ورابط فحقق هدفه وخدم أُمته، فخلّد التاريخ ذكره.
  2. وقسم صبر وصابر ورابط فحقق هدفه وخدم أُمته، ولكن التاريخ أغفله وأساء إليه، ولم يُعطه حقه من التقدير والثناء والإكبار، ومع كل هذا الجفاء المتعمّد فلم يكن هدفه من العمل الصادق تخليد ذكراه بل كانـت غايـتـه المنشودة وهدفه الأسمى أن يُقدّم لأمته خلاصة عطائه وزبدة جهاده لتحيا الحياة المثلى التي أرادها مستمداً ذلك من القواعد الإلهية التي آمن بها وعمل من أجلها وعلى نشرها بين الناس.

وقد كان شيخنا وفقيهنا وقدوتنا وثقتنا الحسين بن حمدان الخصيبي (ق) من أولئك العظماء الأجلاء الأمناء الذين أغفل التاريخ ذكرهم، ذلك التاريخ الأجرب الأغبر الملوث بخبث السياسة ومكرها الأرعن، والذي كُتِبَ بأقلامٍ حاقدة سعت إلى طمس مآثره الحميدة، ولو استطاعت لأغفلت الجميع، ولكن لبعض العظماء ظروفاً ساعدتهم على إحياء ذكرهم وتخليد مجدهم، ولكنهم قلة نادرة.

  • 1 المتنبي