مقدمة وتمهيد

أُضيف بتاريخ الأحد, 31/10/2010 - 11:27

بسـم الله الرحـمن الرحـيم

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، المتعالي عن صفات الواصفين، ونعوت المتجسمين وطباع المتخلقين، وطبائع المخلوقين، المقدّس بذاته عن الكيف والحيث والأين، والمنزّه بصفاته عن تحديد العين.

والصلاة والسلام على المخصوص بالهدى والتبيين، والمرسل إلى الخلائق أجمعين، خاتم الانبياء وسيد المرسلين، سيدنا محمد الصادق الوعد الامين، صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين، الذين أُذهِبَ عنهم الرجس ونطق بفضلهم الكتابُ المبين.

أمّــا بعـــد

الإنصاف شرط أساسي من شروط الكتابة ومستلزماتها الأولية، ولكن الملتزمين به قلة نادرة تكاد أن تغيب أمام كثرة ساحقة لم تتخلق بهذه الصفة الرفيعة إذ أننا نلاحظ بوضوح تام بأن أكثر الكتاب في المجال الديني وخصوصاً الباحثين في أحوال الفرق والرجال يسعون بجهد مستميت إلى تحريف الحقائق حينما يعجزون عن طمسها كلياً، وذلك خدمةً لأهدافهم المتناقضة مع مبادئ الإسلام الرفيعة وقيمه العليا.

والأغرب من كل هذا هو كثرة المسارعين إلى تصديق هؤلاء الكتاب، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على إنعدام الوعي والتّمييز لدى أكثر القراء، وفقدان ثقافة التدقيق ومنطق التحقيق عندهم.
فعلى القارئ أن يكون واقعياً حينما يقرأ، ومنطقياً حينما يصدق، وحذقاً حينما يحلل، أما أن يتقبل الأمور على علَّاتها فالأحرى به أن لا يقرأ كي يريح ويستريح.
فهذا بعض ما يجب عليه، أما ما يجب على الكاتب فأقول:
إن الكتابة الصادقة والهادفة إلى خدمة الأجيال، وإظهار الحقيقة تتطلب من الكاتب المنصف شروطاً عدة لا بدَّ منها، ولا غنى عنها، أهمّها:

  • عدم التحيُّز إلا للحق الذي لا مناص منه.
  • إجتناب التّقليد الأعمى الذي يؤدّي إلى الضّلال.
  • التجرد عن الأهواء المقيتة.
  • المحافظة على أمانة النقل.
  • إيضاح المعنى بإختصار المبنى.
  • إبراز الغاية المتوخّاة من الكتابة بالدليل القاطع والبرهان الساطع.

فإذا اجتمعت هذه الشروط المثالية في الكاتب والكتاب تجلت الحقيقة بأبهى صورها، واستنارت العقول من وهج ضيائها، وَصَفَت النفوس من الادران المتعلّقة بها بفعل الوضع والدس.
أما إذا انعدمت وهذا ما يحدث في أكثر الأحيان فستنعكس الوقائع، وتنقلب الحقائق أمام محكمة الحاضر والمستقبل.

ولا يخفى على الباحثين بان علم الرجال من العلوم الدينية الهامة، والمعارف الاسلامية العامة، لذلك فقد أخذ حيزاً كيبراً من البحث والتنقيب والدراسة والتعقيب من قبل العلماء والمحققين والفقهاء والرجاليين، فوضعوا فيه عشرات الموسوعات الشاملة، والمصنفات الكاملة، وأعطوه أهمية قصوى من الإهتمام إذ انه الوسيلة القويمة لمعرفة صحة الاحاديث من كذبها ووضعها، ولهذا فإنه يتطلب الدّقة المتناهية، والشمولية التامة، والصدق المجرد، والامانة الكاملة، إنصافاً للرجال الذين يستحقون الإنصاف، وخدمةً للحقيقة التي لا غنى عنها.

فالتشكيك براوٍ من الرواة لغاية سلبية يؤدي في مطلق الأحيان إلى إضعاف الرواية الصحيحة الواردة عن الائمة المعصومين عليهم السلام، والمندرجة في دائرة الأصول الواجب إعتقادها، والفروع اللازم العمل بها.

فهذا العلم وضع لتشخيص رواة الحديث: ذاتاً ووصفاً، مدحاً وقدحاً.

  • فمعرفة الراوي ذاتاً: هو معرفة ذات الشخص وكونه فلان بن فلان.
  • ومعرفته وصفاً: هو معرفة أوصافه من الوثاقة ونحوها.
  • ومعرفته قدحاً ومدحاً: بيان لوجوه الوصف.

وخلاصة القول هو علم يبحث في أحوال رواة الحديث التي لها دخل في جواز قبول أقوالهم وعدمه. 1

والحديث عن الشيخ الخصيبي (ق) أمر في غاية الدقة والصعوبة وذلك لتضارب وتناقض أقوال الرجال فيه حتى صار عند بعضهم لغزاً من الألغاز التي يصعب حلها، وعند آخرين شخصية غامضة لا يمكن اكتشافها لقلة المصادر المتحدثة عنها.

فرأيت من الواجب الكفائي 2 إفراد بحث مقتضب يتعلق بهذا الشيخ الثقة الجليل من حيث الترجمة لحياته، والوثاقة برواياته وذلك ضمن معرفتي المحدودة، سالكاً النّهج المتّبع في علم الرجال والمنقسم إلى قسمين تقدم ذكرهما فيما مضى من القول.

ولا أدّعي بأنّني أحطت بالموضوع من كافة جوانبه، أو أعطيت الشيخ حقه من التقدير والثناء الذي يستحقه وأنّى لي ذلك فلا يعطيه حقه الكامل إلا من كان في منزلته الرفيعة، بل ما اقوم به هو عبارة عن محاولة خجولة ومتواضعة كان الدافع إليها أمور:

  • اعترافاً بفضله فيما قدم من الاخبار الصادقة.
  • وتعظيماً لمقامه عند ثقاتنا الاجلاء.
  • وتفنيداً لأقوال الظالمين له، وخصوصاً أننا نعيش في عصر كثرت فيه التقولات التي لا تستند على بيانات صادقة.

ومسك الختام في تمهيدنا مفتاح الكلام لفصولنا وهو ما قاله الإمام الجليل والعلامة النبيل أستاذ الفقهاء وفقيه العلماء الشيخ سليمان الاحمد (ق) عضـو المجمع العلمي العربي في دمشق 3 حيث يقول في معرض حديثه عن الشيخ الخصيبي(ق):

"الحسين بن حمدان الخصيبي"
من رجال الشيعة الامامية ورواتها تبحَّرَ في علوم آل محمد عليهم السلام روايةً ودرايةً، واستنكههُما إلى غاية يتعسر بل يتعذر على أحد بعده أن ينالها فضلاً أن يفوقه بها وقد تضاربت فيه أقوال الرجاليين بين موثّق ومبدع ومكّفر كما تقتضيه الآراء والأهواء، ومهما يكن من أمر فقد روى عن الثقات وروت الثقات عنه ومن يروي عنه الثقة فهو ثقة في اصطلاح فن الرجال.

وقال رحمه الله في جوابه على رسالة الأستاذ محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي في دمشق ما يلي:

" وإن شيخ مذهبهم الخصيبي (الحديث عن المسلمين العلويين) من رجال الإمامية تقرأ ما له وما عليه في كتب الرجال ".

وإنّ هذا الكلام الصريح للعلامة الأجل يُبطل الزّعم القائل بأنّ الشيخ الخصيبي شخصية شبه غامضة يصعب التعرّف عليها، أو اكتشافها ذاتاً ووصفاً.

وختاماً أقول : بأنّني إعتمدت في دراستي هذه أن أضع ترجمةً مختصرة تتعلّق بالشيخ الأجلّ منذ ولادته وحتى وفاته، وذكر أسماء الثّقات الذين روى عنهم، ورووا عنه، ودفع الشبهات التي ألصقها الآخرون به وإيضاح أسبابها، وتخريجاً لأهم أحاديثه التي رواها في كتابه وكانت سبباً للطّعن به، إضافةً لبعض الفوائد الهامة المتعلقة به.

وعلى الله الإتكال في كل حال.

  • 1 مما لا خلاف فيه عند أهل هذا الفن هو وجودُ كمّ هائل من الوضاعين الذين كانوا يُرَوِّجون لبضاعتهم الكاسدة من خلال نسبتها إلى المعصومين (ع) فكان هذا العلم غربالاً دقيقاً لتلك الروايات المنسوبة، وفاحصاً وثيقاً لاولئك الرجال.
  • 2 الواجب الكفائي هو الواجب الذي إذا قام به فرد سقط عن الجماعة.
  • 3 ولد الإمام الشيخ سليمان الأحمد (ق) في قرية الجبيلية سنة 1287هـ وتوفي سنة 1361هـ ودفن في قرية السلاطة، وكان يعتبر بحق موسوعة إسلامية كبرى وقد تخرج على يديه كبار العلماء والفقهاء والشعراء والأدباء في الجبل العلوي. وله الفضل الكبير على أبناء شعبه.