مقام الشيخ الخصيبي عند تابعيه

أُضيف بتاريخ الأحد, 31/10/2010 - 11:27

يُعتبر الشيخ (ق) المرجع الروحي الأعلى للمسلمين العلويين في زمانه، وذلك ابتداء من وفاة شيخه الجنان سنة 287هـ إلى حين وفاته سنة 346هـ وهي مدة إمامته الدينية ومرجعيته الروحية التي دامت تسعاً وخمسين عاماً قضاها في تأصيل وتفريع ونشر مذهب أئمتهِ في قلوب أهل الولاية الذين وثقوا بفضله ونبله، وما زالت إمامة هذا الشيخ الجليل راسخة بين أبناء هذا المذهب الشريف لما له من عظيم الفضل عليهم وعلى آبائهم الأقدمين.

فالشيخ عند تلاميذه وتابعيه من العلماء الروحيين العلويين، في قمّة الوثاقة والطهارة، وهو الذي يوثّق الرجال وليس العكس، فَطَعْنُ الغضائري والنجاشي وغيرهما لا يشكل أي قيمة عندهم، ولا يضعفه بل العكس هو الصحيح، فمن طعن به فهو ضعيف، ومن أثنى عليه فهو ثقة، وهذا هو الميزان الصحيح في علم الرجال عندنا.

فالخصيبي (ق) في المنظور الإسلامي العلوي يعد من حيث الوثاقة وصحة المذهب وحسن المعتقد في الرعيل الأول، والصف الأكمل فلا يُشقّ له غبار، ولا يُسبق بمضمار، قد فاق أقرانه بعلمه وبيانه، وفقهه وعرفانه، وإن إمامته الروحية ومرجعيته الدينية هي امتداد للبابية، وكذلك فان البابية هي امتداد للامامة. 1

فالمسلمون العلويّون يَرَون أنّ البابية الناطقة والوكالة الحقة الصادقة هي للثقة الأجل السيد أبي شعيب محمد بن نصير النميري الذي تفانى في نصرة المذهب الإمامي، وتحمل الكثير من المحن والطّعن من قبل حاسديه ومبغضيه لصرفه عـن منصبه 2 ، وقد تخرج على يديه ثلة من الفقهاء والعلماء 3 والمحدثين والحكماء ومن جملتهم السيد الجنان (ق) معاصر الإمامين العسكريين الذي انتقلت المرجعية إليه بعد وفاته سنة 270هـ ومن ثم انتقلت إلى الشيخ الخصيبي سنة 287هـ ومن ثم انتقلت إلى تلميذه الأمين والثقة الفطين أبو الحسين محمد بن علي الجلي الذي قضى معظم أيامه في حلب الحمدانية وهو بالأصل من أنطاكية من قرية تدعى الجلية (نسب اليها واشتهر بها) وهو الذي قال فيه الشاعر العلوي الفقيه منصور بن عذيبة المعروف بالخبّاز الصوري رحمه الله:

لله جـلـيّ الـــزمــــان جـليـلنــــا   مــــا زال فـي كل العلـوم جليـلا
ما زال في حلب ونشر علومها   حتـــى تحــوّل علمها تحويـلا 4

وخلاصة القول فإنّ الشيخ الخصيبي عند العلويين في منتهى الوثاقة، ويأتي في تصنيفهم بعد الأئمة المعصومين وخواص أصحابهم الصادقين.

  • 1 الإمامة أصل من أصول الدين عند المسلمين العلويين وهي إمتداد للنبوة وكمال لها لقوله تعإلى: اليومَ أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. وهذه الآية المحكمة نزلت بعد أن بلغ الرسول الأكرم ص ولاية أمير المؤمنين لكافة المسلمين.

    وكذلك الأمر فإنّ البابية هي امتداد للإمامة وهنا وقع الإختلاف بين بعض الفرق الإمامية بحيث أن كل فرقة اتخذت لنفسها باباً ترجع إليه وذلك بحسب مصادرها المعتبرة والموثقة عندها.

  • 2 أوضح الشيخ الخصيبي في عدة مواضع من هدايته بأن السيد أبا شعيب هو الباب الشرعي للإمام العسكري ع ويبدو ذلك ماثلاً بوضوح في حديث المفضل بن عمر (ر) وغيره من الأحاديث التي رواها الشيخ (ق) عن رجاله الثقات، وان هذا الرأي الذي أقره شيخنا وأكده مراراً يندرج في مبحث الإمامة عند أعلام العلويين، وكل كلام يتناقض معه نعيده إلى أصحابه مع إحترامنا لهم جميعاً. فقناعاتنا تنبعث من ثقتنا برجالنا، وثقتنا بهم تبنى على قواعد متينة ينتج عنها تشخيص دقيق للرجال من حيث الوثاقة وعدمها.
  • 3 أمثال فادويه الكردي، ومحمد بن جندب، ومحمد بن عمر الكناسي، وأحمد بن محمد بن فرات الكاتب، وعلي بن أم الرقاد، وأحمد بن الخصيب عم الشيخ الخصيبي، ووالده حمدان الخصيبي وغيرهم من الأمناء الرواة.
  • 4 ذكرنا فيما مضى عن ابن العديم بأن أكثر أهل حلب كانوا على مذهب السنة وبعد هجوم الروم عليها وقتل أكثر أهلها سنة 351هـ نقل إليها سيف الدولة جماعة من شيعة حران وكان سيف الدولة نفسه يتشيع بالإضافة إلى ذلك فقد كان للشيخ الجلي تأثيراً كبيراً في هذا المجال كما صرح بذلك ابن عذيبة (الخباز الصوري) شعراً.