الخصيبي "ق" و بطلان ما نسب اليه

أُضيف بتاريخ الأحد, 31/10/2010 - 11:27

ذَكَرَ أصحاب التراجم والمعاجم مؤلفات عدة للشيخ الخصيبي ق أكثرها نُسِبَ اليه قديماً، وبعضها حديثاً، وقسمٌ منها وضعه الحاقدون لغايات لا تخفى على المُنصفين، وللأسف الشديد فقد اعتُبِرَت هذه الكتب عند البعض كمصادر أساسية للتعريف عن عقيدة الشيخ ق، فراحوا يَعُبّون منها ويَروون عنها، ولكننا لو وضعناها وقارنّاها بإزاء ما ثبت أنه للشيخ كـ(الهداية الكبرى) لتلاشت بكليتها وذلك لتناقضها معها، ومع بعضها البعض، وقد قام المرحوم السيد محسن الأمين العاملي بايراد أسماء مؤلفات الشيخ ق، وأسماء من أتوا على ذكرها، ومَحَّضَ تلك الآراء والأقوال المُتعددة في دِقّة وأمانة فصَحّ له منها عشرةُ كتبٍ أتى على ذكرها في موسوعته الكبرى (أعيان الشيعة ) ولم يَصل إلينا منها سوى كتاب (الهداية الكبرى) المُعتمد عند الثقاة، وفي يقيني أنّ هذا الكتاب كافٍ للتعريف عن الشيخ وعقيدته فأخباره إمامية، وأدلّته علوية، ولكنّ الذين في قلوبهم مرضٌ أبوا الا تشويه الحقائق، وذلك باختلاق الأباطيل والأكاذيب على الشيخ الخصيب المُتسامي بعقيدته العلوية الطاهرة عن أدنى عيب، ولا بأس من إيراد بعض الكتب المنسوبة اليه ظلما:

أولاً:

ذكر الطويل بتاريخه العليل كتاباً للشيخ لم يسمع به لا هو ولا أحد من مقلديه اسمه (راست باش) وكنّا قد أوضحنا بأن كتاب محمد أمين غالب الطويل لا قيمة له ولا اعتماد عليه إلا عند المُغرضين وذلك لمغايرته للواقع من جهة، ولأنّ المُستشرقين الفرنسيين هم الذين كتبوه ودبّجوه وإلى الناس أخرجوه، وقام الطويل ابنهم المُدلل بتبنّيه، ومن يقرأ هذا التاريخ يرى فيه العَجب العُجاب الذي لم يَجتمع في كتاب، وكنتُ قد أفردت فصلاً للرد على مفترياته.

ثانياً:

أورد صاحب كتاب تاريخ الأدب العربي كارل بروكلمان بأن للخصيبي ديواناً من الشعر، وقد قام بعضهم بطبعه مؤخراً، ومن يقرأه ويلاحظ كثرة متناقضاته لا يداخله أدنى شك بأنه منسوب للشيخ، والأمر الغريب الذي نطرحه للمناقشة يتلخّص بالأسئلة التالية:

  • كيف غفل المؤرخون العرب و أصحاب التراجم عن هذا الديوان ولم يفطن له سوى السيد بروكلمان ؟
  • متى كان هذا الكاتب وغيرهم من المستشرقين الحاقدين على العروبة والاسلام أعرف وأخبر من أصحاب التراجم الموثوقين كالسيد الأمين بالمؤلفات الاسلامية.؟؟
  • فهل أوحيَ اليهم ؟
  • أم شاهدوا ذلك في المنام ؟

فلا هذا ولا ذاك بل أضغاث أحلام، وحقدٌ على الاسلام، وسعيٌ إلى الفتنة، وإثارة النعرات الطائفية، والشيء المُخجل هو أنّ بعض الكُتّاب العَرب والمسلمين يعتمدون على هذه المصادر المشبوهة كلّ الإعتماد وكأنّها نصّ مُحكَمٌ غيرَ قابلٍ للجدال مع علمهم اليقيني بحقد المستشرقين على الإسلام الذي قام على أنقاض وثنيتهم، ولا يخفي على أرباب العقول وأهل الانصاف بأنَّ هناك الكثير من الجامعات والمكتبات الغربية قد أُنشئت وخُصّصت لدراسة عقائد الفِرق الدينية لغايةٍ معروفةٍ ونيّةٍ مكشوفةٍ وهي دسٌّ واختلاقُ الأباطيلِ الواهية لتصل من خلال ذلك إلى الطعن بالدين الاسلامي من جهةٍ، وإثارةِ النعراتِ الطائفية بين أبنائِه من جهةٍ أخرى، وقد خَرَّجَتْ هذه الجامعات العديد من المُستشرقين الذين كان لهم الدّور البارز والفَعّال في هذا المجال، وقد ارتكبوا ذلّاتٍ أكثُرها تعمُّداً وذلك استجابة لنيّاتهم الخبيثة، وتحقيقاً لأغراضهم السياسية العائدة بالنفعِ إلى حكوماتهم التي هيّأتْهُم لهذه المُهمّة. فشوَّهوا الحقائق وفسّروها بما يُوافق أغراضهم ومَساعيهم، وقد تصدّوا للروايات الضعيفة يُروّجونها، وللكتب التي ليست بذاتِ ثقةٍ في نقلها يعتمدون عليها، وينقلون منها 1 ثم يَبنون على ذلك أحكامهم ويؤكّدون استنباطاتهم.

إنّ هذه السياسة المُلتوية والدنيئة هي التي ضخّمت الخلافات بين المسلمين ولا تزال تُغزّى حتى الآن، تارةً بنشر البحوثات الدينية المنحولة إلى فرقٍ إسلاميةٍ، وطوراً بتشجيع الكتابات عنها بصورةٍ مباشرةٍ، والغايةُ الأساسيةُ كما هو معروفٌ استعبادُ الشرق العربي وتسخيرُ خيراتِهِ، ومن يَسعى إلى ذلك منذ مئات السنين فليس بالأمر الغريب أن يفعل أي شيء لتحقيق مآربه.

ثالثاً:

أخيراً وليس آخراً وصَلنا كتابٌ اسمه (المائدة) حقّقه ونشره الكاتب أحمد على رجب زاعماً أنه من مصنفات الشيخ الخصيبي ق، وذلك لمجرد وجود خبرٍ فيه يحمل هذا الاسم.
وهنا أؤكد جازماً بأن هذا الكتاب هو غير كتاب المائدة الذي ذكره السيد الأمين العاملي في أعيانه، وعَدّه من مُصنفات الشيخ ق، ولو نظرنا إلى ما قاله ناشره في مقدمته لتبيّن لنا صحة ذلك حيث أنه يقول:

حتى قيّض الله لي أحد الأخوة زعم أنه رأى كتاباً عند أحدهم نسخته عتيقة مهترئة فطلبت منه أن يصطحبني لرؤيته، وبشوق وفضول قرأته فأعجبني مضمونه لكن للأسف وجدت النسخة بلا غلاف ولا عنوان وبلا مقدمة أولها بسم الله الرحمن الرحيم (باب في طلب العلم )، والذي جعلني أحتمل كونه كتاب المائدة وجود خبر فيه بهذا الاسم أما احتمال كونه للشيخ أبي عبدالله فهو وجود أخبار متعددة يرويها عن رجاله عن الأئمة عليهم السلام.

  • إنّ من ينظر إلى تعاليله العليلة، وحُجَجِهِ الهزيلة التي أوردها يتيقـّن بعدم صحّة كَون هذا الكتاب المطبوع حديثاً للشيخ لأن الزعم والاحتمال اللذين ذكرهما لم يكونا يوماً من الأيام من اليقينيات المسلّم بها والمطمئن اليها عند المنطقيين.
  • ثانياً: ان قوله ( وجدت النسخة بلا غلاف ولا عنوان وبلا مقدمة ) يؤكد ما ذهبنا اليه من أن هذا الكتاب منسوب إلى الشيخ.
  • ثالثاً: إنّ احتماله أن يكون هذا الكتاب للشيخ وجود أخبار يَرويها عن رجاله، لا يعتبر دليلا قاطعاً، لأن رجال الشيخ مشهورون بالرواية وقد روى عنهم كثيرون غيره، هذا بالاضافة إلى وجود اضطرابات في بعض الأحاديث لا تصدر عن أمثالهم من أهل التحقيق والتدقيق.
وفي الختام أقول:

بأنّ ما ثبت أنه للشيخ الخصيبي (ق) هو ما وافق نهج الأئمة المعصومين عليهم السلام، وأما ما شذّ عنهم فهو منسوب اليه من قبل أصحاب النفوس الحاقدة والعقول الجامدة.

فالشيخ هو الذي يُقيّم صحّة الأحاديث من وضعها، وذلك لصحّة عقيدته المأخوذة بالدليل القاطع والبرهان الساطع عن الثقاة الأمناء الميامين الذين رووا عن أهل العصمة ومعدن الحكمة عليهم السلام.

  • 1 المراد بهذه الكتب هي كتب الفرق والنحل التي وضعها بعض المتعصبين لخدمة السلاطين وما زلنا حتى الآن نعاني من ويلاتها.