أسباب نشوء القدح

أُضيف بتاريخ الأحد, 31/10/2010 - 11:27

كما هو معروف بالدليل المنقول والمعقول بأن لكل شيء سبباً، وأنّ المرء عدو ما جَهِل، وبالنتيجة فإنّ السبب المباشر في نشوء القدح ببعض الثقات هو الجهل بمضامين رواياتهم التي أدلوا بها نقلاً عن أئمتهم عليهم السلام.

هذه الروايات الصحيحة التي دقّ فهمها على الكثيرين كانت العامل الأساسي في الطعن بمن رواها، إذ أنّ الطاعن إتهم الراوي بوضعها واختلاقها لإثبات عقيدته التي يعتقدها، وما درى ذلك الغافل بأنّ طعنه هذا إنّما هو ناتج عن قصور فهمه في ما يجب اعتقاده، فنشأ عن ذلك تكفيراً للأمناء الأبرار،وتكذيباً واسقاطاً للكثير من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار والتي تكتظّ بها متون الأسفار.

فالخلاف إذاً ناتج حول ما يجوز في حق الأئمة وما لا يجوز.

والعلماء انقسمو في ذلك ما بينَ وبين، فراح كل طرف يُلصق بالثاني ما يشاء ويختار، فمن قال بمعاجز الأئمة الأطهار صنَّف مُنكريها بالتقصير وقلة الدراية والإنكار، ومن استعظم بعضها ولم يتقبلها اتُهِمَ مُصدّقيها بالغلو والوضع والإكثار، فنشأ عن هذا الجدال العقائدي تهمتين، هما:

  • تهمة الرمي بالغلو.
  • تهمة الرمي بالتقصير.

فالأولى وجودها ذهنياً خيالياً ظنياً أصحابها قوم آمنوا وصدقوا بما جاء عن الأئمة المعصومين فأُلبِسوا ظلماً ثوب الغلو.
والثانية وجودها حقيقياً واقعياً أصحابها قوم عجزوا عن تصديق ما جاء عن الأئمة المعصومين فارتدوا بأنفسهم ثوب التقصير.

وراح كلاً منهما يُزيل عن نفسه وصمة الثاني بحُجَجِهِ وأدلته فامتلأت كُتب الرجال بالتضعيف والتشكيك والتجهيل والرَّمي بالغلو والإتهام بالمُنكرات لقومٍ، وبالتوثيق والمدح والتعظيم لآخرين إلى ما هنالك مما لا يحصى.

وما يزيد الأمر وضوحاً وجلاءً ما رواه شيخُ القميين وثقتهم أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل عن جابر قال:
قال أبو جعفر ع قال رسول الله ص أنّ حديث آل محمد صعبٌ مستصعب لا يؤمن به إلا مَلكٌ مُقرب أو نبيٌ مُرسل أو عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبَلوه، وما اشمأَذّت منه قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد وإنما الهالك أن يُحدّث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول والله ما كان هذا ثلاثاً 1 .

يُستفاد من هذا الخبر بأنّ علوم آل محمد عليهم السلام لا يَحتملها الجميع لأن العقول تتفاوت والأذهان تتفاضل، فمن البديهي القول بأنّ الإنسان إذا كَبُرَ عليه أمراً من أمورهم أو علماً من علومهم نفى نسبته إليهم ورمى ناقله بالوضع ومُعتقِده بالغلو من دون أن يدري بأنّ في ذلك هلاكه إذ أنه يرد على أئمته عليهم السلام ويُكفّر ثقاتهم وخواصهم.

فإن قال لنا قائلٌ:

  • ما هو هذا الصعب المستصعب من علوم آل محمد عليهم السلام؟
  • ومن أين أتيتم بهذه الحجة لتبرئة ساحة الرجال؟

قلنا له: رويداً أيها المتبجّح بفهمك المتسرّع بحُكمك فلا يذهب بك الظن إلى إختلاف ما اختلقوه فإنّ ما تعرفه وتقرُّ به الآن هو عينُ ما دقّ فهمه على بعض المُقصرين وكفّروا لأجله السادة المُحققين، وإنّ فهمك لما صَعُبَ على غيرك ما هو إلا نتيجةً لتوضيحِ من جاء بعدهم من المُدققين فوصل إليك بصيغة استساغها عقلك، وصورة تقبّلها ذهنك فليس الجُهد جهدك ولا التدقيق شأنك، ولولا فضل من تقدّم لَذَهبتَ إلى ما ذَهَبَ إليه غيرُك من المُسارعة بالرد على الأئمة عليهم السلام.

  أما الصعب المستصعب من علوم الأئمة هو إخبارهم بالمغيبات وما جرى على أيديهم من المُعجزات الخارقات التي استعظمها البعض واعتبرها من الموضوعات ظاناً بأنّ ذلك من صفات الخالق وكأنه بظنِّهِ هذا قد أدرك كليات الصفات وما يجوز وما لا يجوز من الإمدادات، ولم يعلم بأن الله يختص برحمته من يشاء ويفيض على خواص أوليائه النعم والآلاء ويُكرمهم بغرائب الأشياء التي يصعب فهمها على الضعفاء.
وإنّ ظهور تلك الكرامات على أيدي المعصومين إنّما تدل على عظيم مكانتهم عند رب العالمين وعُلُوّهم على بقية المخلوقين ولولا ذلك فأين التفاضل بينهم وبين غيرهم من المحدودين.
وإنّ منكر تلك الآثار وجاحد هاتِيك الأخبار إنما هو جاهل بفضائل الأئمة الأطهار ولا فرق بينه وبين الأغيار بل ربما ارتفع بعضهم عليه بما يُقرّ به ويرويه ويتقبله ولا يجافيه.

وإنّ الدليل على وجود أخبار أسرّتها الأئمة لخواصهم ما رواه الشيخ الخصيبي في هدايته عن جعفر بن أحمد بن قصير عن صالح بن أبي حماد، والحسين بن طريف جميعاً، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق ع، قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري:
إنّ لي إليك حاجة فمتى يَخفَ عليك أن أخلو بك وأسألك عما شئت قال جابر: في أي الأوقات أحببت يا سيدي.
فخلا به أبي في بعض الأيام فقال له يا جابر: أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وما أخبرتك أمي أي شيء مكتوبٌ في اللوح.
قال جابر: أشهدُ بالله أني دخلتُ على أمّك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فهنّأتُها في ولادة الحسين ع ورأيتُ بيدها لوحاً أخضرَ ظننتُ أنّه زمرّد ورأيتُ كتاباً أبيضَ شبه نور الشمس، قلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟
قالت: هذا اللوح أهداه الله إلى رسوله صلى الله عليه وآله فيه اسم أبي واسم بَعلي وأسماء أبنائي وأسماء الأوصياء من ولدي واعطانيه أبي ليسرّني بذلك، قال جابر: ثم أعطتني إياه أمك فاطمة فقرأته ونسخته.
فقال أبي: فهل لك يا جابر: تعرضه عليّ، قال: نعم.
فمشى أبي معه حتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج أبي صحيفة من ورق وقال: يا جابر انظر بكتابك لأقرأ عليك فنظر جابر بنسخته وقرأ أبي عليه فما خالف حرفٌ لحرفٍ فقال جابر: أشهد بالله هكـذا مكتـوب، وهـو:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب من الله العزيز الحكيم، لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله لا إله إلا أنا قاصم الجبارين ومديل المظلومين وديان يوم الدين، إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل، إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسناً وحسيناً فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحي، وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلتُ كلمتي التامة معه وحُجتي البالغة عنده، بعترته أُثيب وأُعاقب، أوّلهم عليّ سيد العابدين وزين أوليائي العارفين الماضيين، وابنه شبه جده المحمود محمد باقر علمي، والمدن لحكمتي (لحكمي) سيهلك المرتابون في جعفر، الرّاد عليه كالرّاد عليَّ، حق القول مني لأكرُمَنّ مثوى جعفر ولأسرّنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، انتجبتُ بعده موسى وأتيحت بعده فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى، وإنّ أوليائي يُسقون بالكأس الاوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي ومن غيّر آيةً من كتابي فقد افترى عليَّ، ويلٌ للمفترين الجاحدين، عند انقضاء مُدّة عبدي موسى وخيرتي وإنّ المكذب بالثامن مُكذب بكل أوليائي علي ولي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه الاضطلاع عليها، يقتله عفريت مُستكبر يُدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حق القول منّي لأسرّنّه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي وموضع سرّي وحجتي على خلقي، لا يُؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابنه علي ولي وناصري والشاهد في خلقي وأميني أخرِجُ منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن وأكملُ ذلك بابنه رحمةً للعالمين عليه كمال صفوة آدم ورفعة ادريس وسكينة نوح وكلم ابراهيم وشدة موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب، ستُذلّ اوليائي في غيبته وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ويُقتلون ويُحرقون ويكونون خائفين وجلين تضيق بهم الأرض، ويغشوا الويل والرنة في نسائهم، أولئك أوليائي حقاً بهم أدفع كل فتنةٍ عمياء حندس وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصال والأغلال. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة أولئك هم المهتدون.

قال عبد الرحمن بن سالم: قال ابو بصير جدي لأبي: لو لم تسمع يا بني في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك، فصُنْهُ إلا عن أهله 2 .

وروى الصدوق في كمال الدين وعيون أخبار الرضى عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي عن أبي جعفر محمد بن الحسين بن درست السرويٌ عن جعفر بن محمد بن مالك عن محمد بن عمران الكوفي عن عبد الرحمن بن أبي نجران وصفوان بن يحيى عن اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله الصادق ع أنه قال لاسحاق بن عمار: يا اسحاق ألا ابشرك.
فقال له اسحاق: بلى وجعلت فداك يا ابن رسول الله.
فقال له الامام: وجدنا صحيفة بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط أمير المؤمنين عليه السلام فيها: (وذكر حديث اللوح الذي رواه جابر عن الامام الباقر) وفي ختامه قال الامام لاسحاق: يا اسحاق هذا دين الملائكة والرسل فصُنْهُ عن غير أهله يَصُنك الله ويُصلح بالك. ثم قال ع: من دان بهذا أمن عقاب الله عز وجل.

والفقير لله تعالى يقول:

لو نظر ذو عقل ثاقب إلى قول الامام الصادق لإسحاق بن عمار: ( فصنه عن غير أهله يصنك الله ) وقول أبو بصير لعبد الرحمن بن سالم ( فصنه إلا عن أهله ) لتبيّن له صحة ما قلناه من وجود أخباراً كثيرة كان الأئمة لا يُلقونها إلا إلى مُستحقيها وذلك رفقاً بضعفاء شيعتهم وتقيّة على أعدائهم من الحُكّام المُتسلطين والشيوخ المتعصبين.
ولِمِثْلِ هذه الاخبار طُعِنَ بالشيخ الخصيبي وغيره من الثقات أمثال أبي شُعَيْب وعُمَر بن الفرات والمُفضل بن عمر وأتُهموا بالغلو ووضع الأحاديث.
فالإسراع في التكفير بدل التفكير يؤدي بلا خلاف إلى الوقوع في ورطة التقصير التي هلك بها الأكثرون ونجا منها الاقلون.

وإنّ الائمة المعصومين عليهم السلام أمروا شيعتهم بـ(الرد إليهم) وحذّروهم من (الرد عليهم) لأن في ذلك خروجاً عن الولاية وتخبطاً في الغواية وإلى القارئ الكريم ما يثبت ذلك:

جاء في منتجب البصائر للصفار أنه قال :
حدثنا أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول:
أما والله إنّ أحَبَّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم بحديثنا وإنّ أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم إليَّ الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروي عنا فلم يعقله ولم يقبله اشمأذ منه وجحده وكفر بمن دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خَرج وإلينا سند فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا.

وفيه أيضاً :
حدثني الهيثم الهندي عن محمد بن عمر بن يزيد عن يونس عن أبي يعقوب بن اسحاق بن عبدالله عن أبي عبدالله ع قال:
إنّ الله تبارك وتعالى حصر عباده بآيتين من كتابه ألا يقولوا حتى يعلموا ولا يردوا ما لم يعلموا، إنّ الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ . وقال: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ .

وفيه أيضاً :
حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن اسماعيل عن حمزة بن يزيع عن علي السناني عن أبي الحسن ع أنه كتب إليه رسالة: ولا تقل لما بلغك عنا أو نُسب إلينا هذا باطلٌ وإن كنتَ تعرفه خلافه لا تدري لما قلنا وعلى أيّ وجه وصفه.

وفيه أيضاً :
عن أحمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن جعفر بن بشير عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال:
لا تُكذّبوا بحديث أتاكم أحد فإنّكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبوا الله فوق عرشه.

ومن خلال هذه الاخبار يتضح لنا معنى قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ .
فقد أمر الله تبارك وتعالى بالتبيّن من خبر الفاسق وعدم رفضه ابتداءً تحسباً من الندامة الناتجة عن نُكران الحق لجهله، فربما أتى الفاسق بحديث صحيح فرفضُهُ بسبب حامِلِه يُؤدّي إلى إنكار الحق الكامن في طيّاته، وإنّ احتياط البعض في رفض حديث الفاسق من دون تبيّن باطلٌ ومخالف لنص الآية الدالة على التبيّن, وإنّ طريق التبيّن من الخبر هو عرضُهُ على كتابِ الله والسُّنَة النبوية لقول الامام الصادق ع:
(كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف، وقد خطب النبي ص بمعنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله).

* * *

وبعد هذا التمهيد السديد والتوضيح المفيد أورد للقارئ الرشيد خمسة وجوه في أسباب نشوء القدح ببعض الثقات، من كتاب صحيفة الابرار للعلامة ميرزا محمد تقي فقد رأيت فيها تأييداً لما أوردته في فصول كتابي ورداً واضحاً على ما قاله السيد هاشم معروف الحسني وغيره بحق الثقات الصادقين أمثال المفضل بن عمر وعمر بن الفرات والشيخ الخصيبي ومن كان في منزلتهم من رواة العلم عن المعصومين ع، قال في تمهيده:

إنّ أوهن الطرق طريق من حصر وجه رد الأخبار وقبولها على ضعف رجال السند ووثاقتهم لأنّه يُؤدّي بالبديهة إلى طرح طائفةٍ من الأخبار التي نقطع بأنّ فيها ما ورد عن المعصومين عليهم السلام قطعاً وجزماً إن لم يكن الكل ولأنه شأن من لا يرى الطريق فيحتاج إلى عصا في المسير.
وأمّا من فتح الله مسامع قلبه فعرف لحنَ كلام ساداته وحفظ الميزان الذي قرّرنا فيما سبق من العرض على مُحكمات الكتاب والسنة فمثله لا يحتاج إلى هذا التكلف المُوقع صاحبه في المَحذورات والمُهلكات بل يَقبلُ كلما وجده موافقاً للقسطاس المستقيم وإن جاء به كافر ودهري، ويَرُدُّهُ أو يُؤوّله إذا لم يجده كذلك وإن جاء به أفضل من يوثق به.
على أنك لو تتبعت زبر أصحابنا الاكابر وجدتهم لا يسلكون في العمل بالأخبار إلا هذا المسلك الذي قرّرناه، فكم من خبرٍ ضعيفٍ يقبلونه ويعملون به إذا وَجَدوه مُوافقاً لميزان الكتاب والسُنَّة، وكم من صحيحٍ يطرحونه إذا وجدوه مُخالفاً لذلك.
فليتَ شعري إذا كان المرجع في العمل بالأخبار وتركه ذلك فما الحاجة إلى التكلفات التي ارتكبوها في تشخيص أحوال الرجال؟
إن قلتَ الداعي لنا إلى ذلك قول الله سبحانه: ﴿ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ الآية، قلنا: نعم، قول الله تعالى صادقٌ وصِدْقٌ ولكنك حَرَّفتَ معناه فإنّه تعالى لم يقل ﴿ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ﴾ فاطرحوه وإنما قال ﴿ فَتَبَيَّنُوا. ﴾ وأيُّ تبيُّنٍ أعظمُ من عرض النبأ على الكتاب والسنة القطعية.
إن قلتَ: إنّ أهل البيت عليهم السلام أمرونا في عدّة أخبار بالأخذ بقول الأوثق والأعدل والأورع ناهيك هذا في اعتبار علم الرجال، قلنا: حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ. إنّ الائمة عليهم السلام إنّما أمرونا بذلك إذا كان في قضيّته روايتان وأعوَزَنَا سائر وجوه الترجيح وأمكننا تشخيص وَثاقة الراويين وعدالتهما، وهذا إنما يتفق في نادرٍ من الفروض جداً ولا يوجب سُلوك هذا المَسلك في الكُليَّة لا سيما في الأصول والعقائد التي هي المقصودة من تمهيد هذا العنوان، فإنّما نجدُ كثيراً من مُعاصرينا الذين يَنتحلون العلم إذا ورد عليهم حديث بما لا تهوى أنفسهم يُنكرونه استناداً إلى مُجَرَّد كون راويه ضعيفاً على زعمهم من غير أن يتدبّروا معناه ويَعرضوه على المَوازين التي وضعها لنا حَمَلة الكتاب عليهم السلام وتلقاها بالقبول جميع الأصحاب. هذا كله على تقدير تسليم صحّة ما دوَّنَه علماء الرجال في كتبهم من التوثيقات والتضعيفات حتى يُمكن لنا العلم بوثاقة الراوي وضعفه.
وأما إن رجعنا إلى التحقيق فالكلام فيه طويلٌ يحتاج إلى بسطٍ وتفصيلٍ، ولا بد من الاشارة إلى جملة من ذلك ليدل على ما لم نذكر حذراً من الاطالة.


  فنقول وبالله التوفيق: إنّ من تتبع زبر أصحاب الرجال وتدبّر وجوه القدح والمدح فيها وَجَدَ أساسها مَبنياً على فساد العقائد واستقامتها، واذا حققت ذلك ورجَّعْتَ مأخَذَ تشخيصهم لعقائد الرجال وَجدتهم يستندون في ذلك إلى أدنى شُبهة في حَقّه أو في حق كتابه، لا يُسمن ولا يُغني من جوع بعد بناء أساسِ القدح على مُخالفة ما ارتضوه عندهم من الاعتقاد في أصول المذهب. وأنت تعلمُ أنّ درجات الناس في معرفة العقائد الدينية والوقوف على فروعها وتفاصيلها متفاوتة، لا تكاد تنضبط لكثرة انبساط شعبها، بحيث لا تجد اثنين في درجة واحدة في ذلك. ولا ريب أنّ كلاً من المخالفين يرى من يُخالفه ليس على شيء وناهيك في تصديق ذلك قول الأمام ع:
لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخى رسول الله ص وآله بينهما فما ظنك بسائر الخلق... الخبر وقد مرّ في "العنوان" السابق. فمع ذلك كيف يجوز بناء أساس القدح على مخالفة ما عند القادح من الإعتقادات النظرية على فرض نص المقدوح بالمخالفة، فكيف بشبهة الخلاف فإنه غلط على غلط.

  وبالجملة ان من تتبع مطاوي الأخبار وجالس خلال السير والأثار وجد وجوه القدح في كثير من أكابر الرواة تدور على أحد وجوه، منها:

أنّ أصحاب الأئمة عليهم السلام كانوا متفاوتي الدرجات في العلم والمعرفة والورع والتقوى والإنقطاع إلى أهل بيت الطهارة وما أشبه ذلك من وجوه التفاضل، ولا ريب أنهم عليهم السلام ما كانوا يُسَوّون بين الفاضل والمفضول، بل كان تقريبهم لهم وإظهارُ التلطّف بهم على حسب تفاضلهم في الأمور المذكورة، فكانوا عليهم السلام يَعتنون بشأن بعضهم بما لا يعتنون به شأن الآخرين، وربما كانوا يُحيلون بعض الأمور إليهم من الوكالة في أخذ الحقوق والإذن في الإفتاء والمحاورة مع الخصوم وأشباهها. وأنتَ تعلمُ أنّ هذا يورثُ حَسداً عظيماً من أكثر أقرانه عليه إلا قليلٌ مِمَّن قتل إبليسَ نفسه ودخل صرح التسليم وعرف مقام إمامه وأنه لا يختار إلا من هو أهلٌ لذلك.
وهذا ديدن جار في حواشي كل رئيس فإنهم إذا رأوا اختصاص واحد منهم بالرئيس وميل ذلك الرئيس إليه هاج في كثير منهم عِرْقُ الحسد لا محالة، فيأخذون في قدحه وذمّه وذِكر مَسَاوٍئ له مُفتريات عند ذلك الرئيس ليُسقطوه عن مكانته عنده، وهكذا كان حال جُملة من أصحاب النبي والأئمة وديدنهم.
ألا ترى كيف بعث تقريب النبي ص وآله لأمير المؤمنين عليه السلام وإظهار فضائله بين الناس أصحابه المنافقين على الحسد عليه إلى أن آل بهم الحال إلى أن نسبوا إليه من الأمور الفظيعة ما لا يُساعد اللسان بذكره من رميه بتزويج بنت أبي جهل على فاطمة عليها السلام وغضب النبي ص وآله بذلك، ونسبته إلى ترك الصلاة وغير ذلك من الشنائع والفضائح.
فإذا كان هذا حال مثل أمير المؤمنين عليه السلام بين أصحاب النبي ص وآله ومكانه من الله ومن رسوله ص وآله فما ظنك بسائر الخلق.
هذا أحد أسباب شيوع القدح في حق من ليس له بمستحق. 3


  ومنها:
أنَ قوماً منهم إذا وجدوا بعض الخواص من الأصحاب عنده ما ليس عندهم من العلوم وشاهدوا رجوع الناس إليه في معالم دينهم وأخذهم عنه مراشد يقينهم ، واشتهاره بذلك بين الناس، أورث ذلك لا محالة حسداً وخنقاً وغيظاً آخر منهم عليه كما هو عادة كثير من المُعاصرين بعضهم مع بعض، فيبعثهم الحسد على الوقيعة فيه وإطفاء نوره وما كان كل من صَحِبَ الإمام عليه السلام أو دان بدين التشيع قد هتك هذا الحجاب 4 .
وقد نقل عن السيد الجليل صاحب الكرامات والمقامات علي بن طاوس قدس الله سره المأنوس أنّه قال في ذِكر محمد بن سنان الزاهري: إنّي اتعجب ممّن ذمّوه أليسوا رووا أخبار مدحه عن الائمة الثلاثة صلوات الله عليهم! ثم قال: أنّه يكون بعض الأشياء من بعض المُعاصرين مع بعضهم فإن الفضل بن شاذان ذكر: أن لا تردّوا أحاديث محمد بن سنان عني ما دمتُ حياً وأرووها بعد موتي. ثم قال السيد رحمه الله: فلا تعجل في ذمّ من ذمّوا... إلى آخر كلامه رحمه الله.


  ومنها:
إنّ منهم من كان من أهل المعرفة وحَمَلة الأسرار المَكنونة المَحفوظة عن الأغيار والضُعفاء في كثر من أبواب الأصول الدينية 5 فكانت الائمة عليهم السلام يُلقون إليه من العلوم والحقائق ما لا يُلقونَهُ إلى من هو دونه رُتبةً لعَدَم تحَمُّل أمثاله لذلك لكونه من الصعب المستصعب الذي لا يحتمله إلا مؤمن مُمتحن، فإن باح من هذا حاله بشيء من تلك الأسرار واتصل ذلك إلى من ليس له بأهل قابله بالانكار وأخذ في الطعن على من روى ذلك واعتقده، فصار هذا من أكبر دواعي القدح والتضعيف لجَمٍ غفيرٍ من حَمَلَةِ الأخبار ومن أخذ عنهم ودان بما أخذ، فوَصَفَهُم تارةً بأنّه يَروي المُنكرات، وأخرى بأنّه من الغلاة، وطـوراً بأنـه زنديق وأشباه ذلك من الاوصاف المُنكرة.
وكان اكثر ذلك في مراتب الأئمة الطاهرين عليهم السلام، أمّا أنّي لا أقول أنّ كل من وصفوه بتلك الأوصاف فهو بريء منها 6 وإنّما أقول: أنهم خلطوا الغث بالثمين، فرموا بها بعض من لا يستحقها من أصحاب أئمتنا عليهم السلام، ومن تأخر عنهم كجابر بن يزيد والمفضل بن عمر ومحمد بن سنان وأمثالهم من الأصحاب، ومن تأخّر عنهم.
فإذاً أذكر مُذكِر وأعتبر مُعتبِر وجد أن كثيراً من القول في كثيرٍ من الأصحاب إنما نشأ من اجتهاد القادحين في روايات المقدوحين وأقوالهم ولم تعلموا أنه يُمكن أن يكون الضعف في عقول القادحين لا في عقول المقدوحين.


  ومنها:
أنّ جمعاً من عُظماء الأصحاب كانوا قد اشتهروا بين الناس بالإختصاص والإنقطاع إلى الأئمة عليهم السلام، وكان هذا موجباً لدخول الضَرر والأذى عليهم من المُخالفين لا مَحالة، فكانوا عليهم السلام ربّما يُظهرون البَراءة ممّن علِموا منه وقوع ذلك في حَقه دِفاعاً عنه ووقايةً لَهُ من شرّ الأعداء. وهذا هو وجهُ ما ورد من القدح في شأن ثلةٍ من الأصحاب المتفق على جَلالة شأنهم كــمحمد بن مسلم وزرارة بن أعين وأبي جعفر الأحول وبَريد بن معاوية وأضرابهم، فمن ليس له مسكة في معرفة لحن الكلام وتصرّف في موارد الشبهات إذا وقف على أخبار القدح في شأن بعض هؤلاء حَمَلَ على ظاهرها وطَعَنَ في جملةٍ من الأكابر.


  ومنها:
أنّ الأئمة عليهم السلام كانوا في زمن الإستتار والتقيّة وغَلَبَتِ الباطل على الحق، وكان جُهْدُ سلاطين زمانهم والأمراء الخونة من حواشيهم في إطفاء نورهم بأيّ وجهٍ قدروا عليه، وكانت الأئمة عليهم السلام ربما يُلقون إلى بعض الأصحاب ما لا يَجوز إظهاره عند الأعداء بل وعند الضعفاء من الشيعة، حتى أنهم ما كانوا يُظهرون دعواهم الإمامة وأنهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا لمن يختص بهم، وربما كان بعض هؤلاء يُظهرون شيئاً من ذلك من فرط حُبّهم أو ثقةً منهم على بعض الناس عند غيرهم، ولما كان السامعون ليسوا له بأهلٍ وكان في شيوع ذلك الأمر مفاسدُ كثيرةٌ، فكانوا يجيئون ويسألونهم عن ذلك ويقولون: أخبرنا فلان عنك بكيت وكيت. فكانت الائمة عليهم السلام يتبرّؤن من ذلك ويُكذّبون ذلك الشخص، بل ربما كانوا يَلعنونه حِفظاً لأصل الدين، لكن على طور لا يلزم منه الكذب كما قال ابراهيم: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴾ . فإنه عَلّق وقوع الفِعلِ من كبيرهم على النُطق الذي لا يأتي منه، تورية. فمن لا يعرف مَعَاريضَ الكلام إذا وقف على مثل تلك الأخبار اتخذه من أسباب القدح في حق من هو أجل شأناً من ذلك.

فهذه خمسة وجوه في أسباب نشوء القدح أوردناها عن غيرنا عقيب كلامنا لجهة إلزام الآخرين بها، ورداً على ما قيل بحق الصادقين فعسى أن تعيها آذان صاغية وقلوب واعية.

وقبل ختام هذا الفصل أورد بعض عقائد المقصرين نقلاً عنه وهي قوله:

فمن أهل التفريط كثيرٌ من المُتكلمين وغيرهم مما نشأ على ممارسة كتب أهل الآراء وحُرِمَ عن تتبُّع آثار أئمّة الهُدى وعن تسليم ما في شأنهم مما يُخالف مذهب أصحاب الآراء فمن هؤلاء من زعم أنّهم عليهم السلام كانوا لا يعرفون كثيراً من الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم.
ومنهم من يقول أنهم كانوا يلجأون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون.
ومنهم من أنكر جواز صدور المعجزة عنهم عليهم السلام ونفى سماعهم كلام الملائكة ولو بدون رؤيتهم.
ومنهم من أنكر تفضيلهم على غير النبي من سائر الانبياء وكذا الملائكة حتى أنه قال بعضهم بتفضيل جبرائيل وميكائيل وأولى العزم من النبيين عليهم، بل قال بعضهم بتفضيل سائر الانبياء عليهم.
وقد قال بعضهم من الغلو نفي السهو عنهم، أو القول بأنهم يعملون ما كان وما يكون، إلى غير ذلك من الآراء الفاسدة والخيالات الكاسدة الناشئة عن قصور علمهم عن معرفة الأئمة عليهم السلام وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شؤونهم، وقد نسب المفيد(ر) بعض هذه المذاهب إلى بني نوبخت من علماء الإمامية وهؤلاء الجماعة قد ابتلوا بإنكار اكثر ما اشتمل عليه خصائص الأئمة من الروايات وقدحوا في كثير من الرواة لنقلهم بعض غرائب الصفات وعجائب المعجزات ورموهم بالغلو والكذب والزندقة وأشباهها كمحمد بن سنان والمفضل بن عمر ويونس بن عبد الرحمن ونظائرهم 7 ، بل مهما يتفحص الانسان يجد أكثر من رُمِيَ بالغلو أنّه ممّن روى في شأن الائمة عليهم السلام بعض المناقب الجليلة التي نقلتها ثقات علمائنا في كتبهم مُعتقدين بها ولا تستلزم الغلو أصلاً عند التأمل الصادق 8 .

إنّ من يُمعن التفكير بما أوردناه في فصلنا هذا يتيقّن معنا بأن قدح أكثر أصحاب الكتب الرجالية مَبنيٌ على حُجَج واهية لا تنصر حقاً ولا تدفع باطلاً، ولذلك فإنّ مؤلفاتهم لا يُعَوّل عليها ولا يُرْجَع اليها إلا ما نَدر، وإنّ اجتهاداتهم وقناعاتهم تُلزمهم وحدهم ولسنا مُضطرين إلى تقليدهم ما دُمنا والفضل لله نمتلك عقولاً ووسائلاً نُميّز بها ومن خلالها بين الطيب والخبيث ونُفَرّق بين الحق والباطل.
فتشكيكهم بالرواة لم يكن مستنداً على الكتاب والسنة بل على مَحدود أفكارهم وضعفِ مَداركهم بدليل أن ما رواه شيخنا الخصيبي لم يَخرج قيْدَ أنْمُلة عن: نهج المعصومين عليهم السلام، القائم على الكتاب والسنة.

  • 1 بصائر الدرجات الكبرى للصفار المتوفي سنة 290/ ص 40/ مؤسسة الأعلمي.
  • 2 روى هذا الخبر المعروف بلوح فاطمة عليها السلام أكثر من أربعين رجل عن جابر بن عبدالله الانصاري وقد ذكر الصدوق أسماءهم في كتابيه عيون اخبار الرضا، وكمال الدين.
    ورواه أيضاً الشيخ الكليني في أصول الكافي في كتاب الحجة، وصاحب مسند فاطمة الشيخ عزيز الله العطاردي، وصاحب الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم النباطي وغيرهم.
  • 3 لو نظر عاقل إلى هذا الوجه الجَلي المُؤَيّد بالدليل السَني لتبيّن له بأنّ هذا ما حدث فعلاً ، ثم لو تأملنا في مثله حول حسد بعض الحواشي وما ينتج عنه من قدح وذم لأشخاص وذكر مساوئٍ لهم لإسقاطهم من عين رئيسهم لَـحُقَّ لنا أن نسأل عن تلك النِسَب التي قيلت بحق ميامين؟
    هل أزيلت من متون كتب الرجال أم بقي العمل على أساسها ساري المفعول؟ وفي تقديري بأنها ما زالت عند البعض مُستنداً يُرْجَع إليه في تشخيص الأصحاب.
  • 4 إنّ صُحبة المعصوم ومُلازمته لا تُورث العدالة ولا تدل عليها، فكم من أناسٍ صَحِبوا الرسول والأئمة لِمِلىء بطونهم أو ستر عيباتهم أو للتزين بهم والتعالي على الآخرين، بل ما يوّرث العدالة والثقة هو الإقتداء بالمعصوم قولاً وفعلاً والتسربل بآدابه والوقوف عند أمره ونهيه وعدم الخروج عليه قيد أنملة.
  • 5 لقد طُعِنَ كثيراً بأقوامٍ وفِئاتٍ بسبب هذه الكلمات (لِـتَوَهُّمِ البعض بأنّها تندَرجُ في أصولِ الطرق الخاصة السِرّيَة)، فتارةً اتهموهم بالغلو، وطوراً باعتقاد الباطن أو ما شابه ذلك، وقد ساعدهم على ذلك: القول بالتقية والعمل بها في أوقات مُعَيّنة وضمن ظروف خاصة، مع العلم بأنّ هذه الأسرار المكنونة المحفوظة عن الأغيار في عصر الائمة عليهم السلام لأسباب ذكرناها هي عين ما اشتهر في عصرنا في المراجع الكبرى كالكافي والوافي والبحار والخرائج والصراط المستقيم وغيرها من الكتب المعتبرة وما زال البعض يشكك بها ويعتبرها من الموضوعات وكأنه عاصر الائمة وأدرك جميع ما قالوه واطّلع على تفاصيل أحوالهم.
  • 6 أمثال أبو يعقوب اسحاق بن محمد بن أبان النخعي المعروف بالاحمر الذي جاء فيه قدحاً وذماً في الهداية وغيرها كالخلاصة وكتاب الكشي. ويتضح من خلال الهداية بأنّ اسحاق كان يدعي لنفسه البابية.
  • 7 مثال السيد أبو شعيب محمد بن نصير(ر).
  • 8 صحيفة الأبرار.