أخلاقه العلوية

أُضيف بتاريخ الأحد, 31/10/2010 - 11:27

حينما يُقبل المرء بكُليّته على الأعمال الصالحة، ويتحلى بروحانيته بالأخلاق الراجحة ويُدبِر عما يُناقضهما فهو يُعدّ في ذروة الأدب والأخلاق وقمّة العمل الخالص الذي يُرضي خالقه جل وعلا، وإنّ هذا المعنى المثالي للسلوك المستقيم تجلى بأبهى صُوَرهِ في فعل الشيخ المُنطلق من قوله في دعائه المُثبت في آخر خطبته التي افتتح بها كتاب الهداية الكبرى حيث يقول:
(ولا ترنا من حيث نهيتنا، ولا تفقدنا من حيث أمرتنا أبدا ما أبقيتنا) .
فإن لم يُرَ الإنسان من موضعٍ يَأباه الله، ولم يُفقد من موضعٍ يَرضاه الله فيكون بذلك في غاية إخلاص الطاعة، وأعلى قمم الأخلاق.

وإنّ هذا القول الجامع المُكتمل بالعمل النافع يُعَدّ من أرقى درجات السلوك في معارج الأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة التي أرشد إليها الأئمة الكرام عليهم السلام، والشيخ الخصيبي (ق) كان يتمتع بهذه الصفات الرفيعة، ويتسربل بأخلاق أئمته، ولم يخرج عن دائرة آدابهم ومحراب أخلاقهم فقد اجتمعت فيه الصفات الحميدة بمجموعها، والأخلاق الحسنة من ينبوعها، وكان كما قال السيد الرسول ص وآله :
لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يحتوي على مائة وثلاث خصال: فعل وعمل ونية وباطن وظاهر .
فقال أمير المؤمنين علي ع : يا رسول الله ما يكون المائة وثلاث خصال؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلّم:

يا علي من صفات المؤمن أن يكون جوّال الفكر، جوهري الذكر، كثيراً علمه، عظيماً حلمه، جميل المنازعة، كريم المراجعة، أوسع الناس صدراً، واذ لهم نفساً، ضحكه تبسماً، واجتماعه تعلماً، مذكر الغافل، معلم الجاهل، لا يؤذي من يؤذيه، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ولا يشمت بمصيبة، ولا يذكر أحدا بغيبة، برِياً من المحرمات، واقفاً عند الشبهات، كثير العطاء، قليل الأذى، عوناً للغريب، وأباً لليتيم، بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، مستبشراً بفقره، أحلى من الشهد، وأصلد من الصلد، لا يكشف سراً، ولا يهتك ستراً، لطيف الحركات، وحلو المشاهدة، كثير العبادة، حسن الوقار، لين الجانب، طويل الصمت، حليماً إذا جهل عليه، صبوراً على من أساء إليه، يجل الكبير، ويرحم الصغير، أميناً على الأمانات، بعيداً من الخيانات، إلفه التقى، وخلقه الحياء، كثير الحذر، قليل الزلل، حركاته أدب، وكلامه عجب، مقيل العثرة، ولا يتبع العورة، وقوراً، صبورا، رضياً، شكورا، قليل الكلام، صدوق اللسان، برا مصونا، حليماً، رفيقا، عفيفاً، شريفا.
لا لعان، ولا نمام، ولا كذّاب، ولا مغتاب، ولا سبّاب، ولا حسود، ولا بخيل، هشاشاً بشاشا، لا حسّاس ولا جسّاس.
يطلب من الأمور أعلاها، ومن الأخلاق أسناها، مشمولاً لحفظ الله، مؤيداً بتوفيق الله، ذا قوة في لين، وعزمه في يقين، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب، صبور في الشّدائد، لا يجور ولا يعتدي، ولا يأتي بما يشتهي.
الفقر شعاره، والصبر دثاره، قليل المؤونة، كثير المعونة، كثير الصيام، طويل القيام، قليل المنام، قلبه تقي، وعمله ذكي، إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، يصوم رغباً، ويصلي رهبا، ويحسن في عمله كأنه ينظر إليه، غض المطوف، سخي الكف، لايرد سائلاً، ولا يبخل بنائل، متواصلاً إلى الإخوان، مترادفاً للإحسان، يَزِن كلامه، ويُخرس لسانه، لا يغرق في بغضه، ولا يهلك في حبه، لا يقبل الباطل من صديقه، ولا يرد الحق من عدوه، لا يتعلم إلا ليعلم، ولا يعلم إلا ليعمل.
قليلاً حقده، كثيراً شكره، يطلب النهار معيشته، ويبكي الليل على خطيئته، إن سلك مع أهل الدنيا كان أكيسهم، وإن سلك مع أهل الآخرة كان أورعهم، لا يرضى في كسبه بشبهة، ولا يعمل في دينه برخصة، يعطف على أخيه بزلّته، ويرعى ما مضى من قديم صحبته.

فهذه هي صفات الشيخ وأخلاقه التي عرف بها في عصره أوردناها ثقة بمقامه الرفيع وتصديقاً منّا للأمناء الصادقين من الآباء والأجداد الأقدمين رحمهم الله أجمعين.