عصمة النبي الكريم وكيفيّة فهمنا للخطاب القرآني الموجّه إليه عليه وآله الصلاة والسلام

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 10/05/2011 - 01:38

المرسل: علوية حتى النخاع \06\05\2011م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله وبياكم شيخنا الفاضل والله تعجز الكلمات عن وصف جليل عملكم ووافر كرمكم في تخصيص وقتكم الثمين للاجابة عن أسئلة السائلين ومنح العلم للطالبين وإني لأدعو الله عز وجل أن يرفع درجاتكم ويجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم وهو كذلك ولاشك بإذن الله ..

شيخنا الكريم لاشك انه لا مصيبة أعظم من مصيبة الفهم الخاطئ للقرآن الكريم وإننا إذ نعوذ بالله من الجهل وندعوه جل وعلا ونقول : "رب زدني علماً" ويقول تعالى : " فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون " ولكي لا نقع في مطب الجهل والفهم الخاطئ فها نحن نسأل أهل الذكر وأنتم أهل لذلك ولاشك.
فيا شيخنا نحن نعلم أن عصمة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أمر غير قابل للجدل وهو أمر أجمع عليه المسلمون وحسب اعتقادنا هو معصوم من كل خطأ أو زلل أو سهو أو نسيان ولكن هناك بعض الآيات الكريمة التي تخاطب النبي الأكرم قد توحي بأنها تصطدم مع مفهوم العصمة ان لم تُفهم الفهم الصحيح ولذلك إننا نستجير بكم أن تقدّموا لنا التفسير الصحيح لهذه الآيات الكريمة والتي أعطيكم امثلة منها على بركة الله
قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ سورة التحريم
﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) ﴾ سورة الكهف
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ سورة التوبة
﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ سورة الأحزاب
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ﴾ (هود:12)
وهذه آية فيها تهديد واضح من الله سبحانه :
﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ﴾ (الإسراء: 74)
وأكتفي بهذه الامثلة والحقيقة كنت أريد أن أعلق على كل آية كريمة بسؤال ولكن خشيت أن تضيق بي العبارة ولا أحسن صياغتها فأخطئ السؤال دون قصد ففضلت أن أترك لكم مهمة توضيح ماغمض عليّ فهمه فقد عجزت أمام هذه الآيات التي تشير الى صدور خطأ أو ذنب ما من النبي الكريم -اللهم أعوذ بك من الجهل- مما استدعى الى عتاب الله لنبيه
ولابد من الإشارة أني حاولت العودة الى بعض التفاسير لتلك الآيات فلم أجد الا بعض الروايات في أسباب النزول والتي تذكر حادثة مروية عن بعض الصحابة وتلك الروايات لاتنفي وقوع الخطأ الذي أشارت له تلك الآيات بل لا ابالغ اذا قلت أنها زادت في حيرتي وربما لم أجد المصدر الصحيح الذي أنهل منه المعلومة والتي تفسر لي المعنى الحقيقي والقصد الحقيقي لتلك الآيات الكريمة وهل تتناقض مع مفهوم العصمة ! وكلي أمل بكم الآن أن تضعوا حداً لحيرتي تلك وتصوبوا فهمي وكلي شكر وامتنان لكم ولعظيم فضلكم. 1
الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين.

الأخت المصونة علوية حتى النخاع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  يجب التعامل مع هذه الآيات ونظائرها من باب رد المتشابه إلى المُحْكَم، فالمُحْكَم في هذا الخصوص يدل على: عصمة النبي الكُليّة، قبل البعثة وبعدها، عن صغير الذنوب وكبيرها. فالله جلّ وعلا لا يأمر بإتباع من هو عرضة للخطأ والسهو وما إلى ذلك، لأنّ ذلك قبيحٌ عقلاً وشرعاً وهو يُؤدّي إلى الفسحة في فِعل القبيح.

لستُ بصَدد إثبات العصمة لأنها ثابتة ابتداءً وبقاءً عقلاً ونقلاً ، ولكن علينا أن ندخل من هذه الكلية إلى كافة الجزئيات التي تُوهم بظاهرها التناقض مع الأصل.

  فقول الرسول صلى الله عليه وآله وفعله وتقريره هو المصدر الثاني من مصادر التشريع، الذي أجمع المسلمون على اختلاف مذاهبهم على العمل به بتفاوتٍ في المفهوم حسب قواعد المدارس المُتعددة، فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة والدين وحرامه حرام إلى يوم القيامة والدين، فالتحليل والتحريم: إمّا شرعي يُطبّق على كافة أفراد الأمة، وإمّا مُتعلق بشخص النبي فلا يُلزم الأمة، والأمثلة على ذلك كثيرة:
فقد أُحل للنبي أن يَجمع بين تسع نساء وحَرّم على الأُمّة ذلك، فلا يجوز للمسلم أن يجمع بين أكثر من أربعة نساء.
وحَرّم على المسلمين الزواج من زوجات النبي لأنّهن بمنزلة أُمّهات المؤمنين، وحَلل ذلك بين بعضهم بعضاً، وهكذا مِمّا لا خلاف فيه.
وحين قُدّم للنبي لحمُ الضب -كما في بعض الروايات- دفعه جانباً، وحين سُئل: أهو حرام؟ أجاب بقوله: لا أُحرّمه ولكن أستقذره لنفسي. فهذا الفِعل النبويّ ليس تشريعاً يُلزم الأُمّة، إنّما هو ترفُّعٌ وتعفّفٌ خاصٌ بصاحِب المَقام.

  ويجب أن نعلم جميعاً إلى أنّ الكثير من الآيات القرآنية يكون الحديث فيها مُوَجَّهاً إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام، في حين أنّ المعنيّ بها: عامّة الأمة، وهذه الحقيقة يُقرّها الكثيرون من علماء التفسير، وهي تُغني عن الدخول في تفاصيل المُفردات، ولكن لا بأس من أن نتناول آيةً من الآيات التي ذكرتيها:

  قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التحريم : 1]

هذا التحريم ليس تحريماً شرعياً كما أوضحتُ في التمهيد، بل هو كما يُستفاد من الآية التالية ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [التحريم : 2] قسمٌ من قِبَلِ الرسول الكريم، ومن المعروف في القواعد الفقهية أنّ القَسَمَ على تركِ بعض المُبَاحَات ليس ذنباً، ولا يَخدِش عِصمَة صاحب المَقام، وجملة ﴿ لِمَ تُحَرِّمُ ﴾ ليست توبيخاً أو عتاباً كما يتوهم البعض، بل هي نوعٌ من أنواعِ الإشفاقِ والعَطفِ، والعَفو والرَحْمَة في آخر الآية عائدٌ لِمَن تابَ من زوجاتِ النبي، كما تُؤكّد أسبابُ النزول.

  وقد أوضحت كما أرشدتنا الأصول: إنّ الكثير من الأفعال التي كانت تجري على يد صاحِب المَقام، كانت تجري من باب: إرشاد الأمة. فهذه الآية ترخّص قاعدة: ما تُحِلّ به عُقدة الأيمان من الكَفَّارَة.

وأعتقد أنّ الغاية باتَت واضِحة في سائر الآيات التي ذُكِرت والتي لم تُذكر، فعلينا أن نُدرك هذه الحقيقة، والتي هي ترجَمَةٌ فِعليّةٌ لمَفهوم العِصْمَة الثابتة تنزيلاً وتأويلاً، وإلاّ فلو حُمِلَتْ هذه الآيات على ما يَتبادَرُ إلى الذهنِ لتناقَضَت الأصول، فَمَن ثَبُتَ انتقاصُه لا يَجوز اختصاصُهَ، ومَن ثبُتَ اختصاصُهُ انتفى انتقاصُهُ.
والحمد لله رب العالمين.

حسين محمد المظلوم
9\5\2011