الهجرة النبوية على شارعها أفضل الصلاة وأتم السلام.. تفسير قوله تعالى (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا).. من رافق (صاحب) الرسول الكريم في هجرته على الطريق ومن دخل معه الغار؟

أُضيف بتاريخ الخميس, 15/09/2011 - 15:39

المرسل: فاطمة \31\08\2011م

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على الصادق الأمين محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الكريم حضرة العالم الجليل
هل يمكن أن توضحوا لنا هجرة الرسول الكريم (ص) وآله إلى المدينة المنورة..؟
من كان في دار النبوة عندما بات مولانا أمير المؤمنين(علينا من ذكره السلام) في فراش النبي (ص) وآله؟
من رافق (صاحب) الرسول الكريم في هجرته على الطريق ومن دخل معه الغار؟
هل يمكن أن تبينوا الضمائر الموجودة في هذه الآية الكريمة على من تعود؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَالَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة : 40]
جزاكم الله كل خير ووفقكم
والحمد لله رب العالمين 1
الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله.

  قال الحسين بن حمدان الخصيبي في الهداية الكبرى:
حدثني جعفر بن مالك، عن يحيى بن زيد الحسيني، عن أبيه زيد عن عبد الله، عن الحسين بن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي بن الحسين (صلوات الله عليهم) قال لمّا لَقِيَه جابر بن عبد الله الأنصاري برسالة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ابنه محمد الباقر قال له علي بن الحسين:
يا جابر كنت شاهدت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغار ؟ قال جابر: لا يا ابن بنت رسول الله، قال: إذن أحدثك يا جابر، قال جابر: حدثني فداك أبي وأمي، فقد سمعته من جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما هرب إلى الغار من مشركي قريش حين كبسوا داره لقتله قال: اقصدوا فراشه حتى نقتله فيه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه): يا أخي إن مشركي قريش يكبسوني في داري هذه الليلة في فراشي فما أنت صانع يا علي.
قال له أمير المؤمنين: أنا أضطجع يا رسول الله في فراشك وتكون خديجة في موضعٍ من الدار، واخرج واصحب الله حيث تأمن على نفسك.
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فديتك يا أبا الحسن اخرج لي ناقتي العضباء حتى أركب عليها وأخرج إلى الله تعالى هارباً من مُشركي قريش و افعل بنفسك ما تشاء، والله خليفتي عليك وعلى خديجة.
فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) راكباً ناقته العضباء وسار، وتلقّاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: يا رسول الله، إنّ الله أمرني أن أصحبك في مسيرك وفي الغار الذي تدخله وأرجع معك إلى المدينة إلى أن تنيخ ناقتك بباب أبى أيوب الأنصاري (رضي الله عنه).
فتلقاه أبو بكر، فقال له يا رسول الله أصحبك، فقال: ويلك يا أبا بكر أريد أن لا يشعر بي أحد.
فقال: يا رسول الله أخشى أن يستحلفني المشركون على لقائي إياك ولا أجد بُداً من صدقهم.
فقال له (عليه السلام): ويحك يا أبا بكر، وكنت فاعلاً ذلك ؟
فقال له: كنت أفعل لئلاّ أكذب وأُقتل.
فقال له (عليه السلام): فما صُحبتك إياي بنافعتك.
فقال له أبو بكر: ولكنك تستغشني وتخشى أن أنذر بك المشركين.
فقال له (عليه السلام) : سر إذا شئت، فتلقاه الغار، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ناقته وأبركها بباب الغار ودخل ومعه جبريل (عليه السلام) وأبو بكر.
وقامت خديجة في جانب الدار باكيةً على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واضطجع عليّ على فراش رسول الله يَقيه بنفسه، ووافى المشركون الدار ليلاً فتشاوروا عليها ودخلوها وقصدوا إلى الفراش فوجدوا أمير المؤمنين (عليه السلام) مضطجعا فيه، فضربوا بأيديهم إليه وقالوا: يا ابن أبي كبشة لم ينفعك سحرك ولا خدمة الجن لك، اليوم نسقي أسلحتنا من دمك.
فنهض أمير المؤمنين (عليه السلام) ليُريهم أنهم لم يصلوا إليه، وجلس في الدار وقال: يا مُشركي قريش أنا علي بن أبي طالب.
قالوا له: وأين محمد يا علي ؟
قال: حيث يشاء الله.
قالوا: فمن في الدار ؟
قال: ما فيها إلا خديجة.
قالوا: الحسيبة النسيبة لولا تبعّلها بمُحمدٍ، يا عليّ واللات والعزى لولا حُرمة أبيك وعظم مَحَلّه في قريش لأعملنا أسيافنا فيك.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا مُشركي قريش أعجبتكم كثرتكم، وفالق الحبة وبارئ النسمة ما يكون إلا ما يريد الله تعالى، ولو شئت أن أفني جَمعكم لكنتم أهوَن عَلَيَّ من فراش السراج فلا شيء أضعف منه.
فتضاحك المشركون وقال بعضهم لبعض: خَلّوا علياً لحُرمَة أبيه واقصدوا الطلب إلى محمد.
ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار وهو وجبريل (عليه السلام) وأبو بكر معه، فحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على خديجة، فقال جبريل (عليه السلام): (لا تحزن إن الله معنا)، ثم كشف له (عليه السلام) فرأى علياً وخديجة (عليهما السلام)، ورأى سفينة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) ومن معه تَعُومُ في البحر، فأنزل الله سكينته على رسوله وهو الأمان مِمّا خَشِيَهُ على عليّ وخديجة، فأنزل الله ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ ﴾ ، يُريد جبريل (عليه السلام) ورسول الله ﴿ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾ ولو كان الذي حزن أبو بكر لكان أحَقّ بالأمن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يحزن.
ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأبي بكر: يا أبا بكر إني أرى علياً وخديجة ومُشركي قريش وخطابهم له وسفينة جعفر بن أبي طالب ومن معه تعُومُ في البحر وأرى الرهط من الأنصار مجلبين في المدينة.
قال أبو بكر: وتراهم يا رسول الله في هذه الليلة، وفي هذه الساعة، وأنت في الغار، وفي هذه الظلمة، وما بيننا وبينهم من بعد المدينة ؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إني أُريك ياأبا بكر ما رأيتُ حتى تُصَدّقني، ومَسَحَ يده على بَصره فقال له: انظر إلى سفينة جعفر، كيف تعوم في البحر، فنظر أبو بكر إلى الكل من مشركي قريش وعلي على الفراش وخطابه لهم، وخديجة في جانب الدار، ففزع ورعب وقال: يا رسول الله لا طاقة لي بالنظر إلى ما رأيته فرُدّ عليّ غطائي، فمسح يده على بصره فحُجب عما رآه وأخذته رهقة شديدة حتى أحدث اثني عشرة حفيرة.
وروي أنه كان في الغار صدع وثلمة يَدخل منها ضياءُ النهار، فوضع أبو بكر كعبه فيه لسَدّه فنهشته أفعى في عقبه ولم تسُمّه ففزع وأحدث في الحفرة، وليس هذا صحيحاً بل الأوّل أصحّ في الإحداث.
وقصد المشركون في الطلب لقفوا أثره حتى جاؤوا إلى باب الغار ونظروا إلى مَبرك الناقة ولم يَرَوها، وقالوا: هذا أثر ناقة مُحمد ومَبركها في باب الغار، فدخلوا فوجدوا على باب الغار نسج العنكبوت قد أظله، فقالوا: يا ويلكم ما ترون إلى نسج هذا العنكبوت على باب الغار فكيف دخله محمد ؟ فصَدّهم الله عنه ورجعوا وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار وهاجر إلى المدينة.

  فهذه هي الهجرة النبوية على شارعها أفضل الصلاة وأتم السلام ومن هذه الليلة يبدأ تاريخ المسلمين، حيث بدأوا يقيسون كلّ ما يقع من الحوادث بذلك العام فيحددون تاريخه وزمان حدوثه.

  والذي بقي في دار النبوة فخديجة بنت خويلد زوج الرسول والتي كانت بجانب الدار.

  والذي رافق النبي فجبرائيل عليه السلام بأمر الله، أما مرافقة الخليفة الأول فكانت بمحض الصدفة.

  أما الضمائر في الآية الكريمة فقد باتت واضحة حين الرجوع إلى خبر الشيخ (فثاني اثنين) هما جبرائيل والنبي، والذي قال لصاحبه لا تحزن فجبرائيل قال للنبي لا تحزن إنّ الله معنا فأنزل الله السكينة على قلب النبي وأيّده بجنود لم تروها وهم من ملائكة الله المقربين.

والحمد لله رب العالمين

حسين محمد الظلوم
12\9\2011