السيرة النبوية الخالدة قِبلة ومَحَجّة لكلّ مسلم.. لم نَجد أدقّ وأصدَقَ من رواية الشيخ الخصيبي.. أما قول الشيخ البحراني فغيرُ دقيقٍ وتحليله وَهْمٌ وَقعَ فِيهِ.. وتفسير البرهان للبحراني يشوبه الكثير من الإبهام..

أُضيف بتاريخ الخميس, 06/10/2011 - 16:39

المرسل: فاطمة \26\09\2011م

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين... الحمد لله كما هو أهله... وصلى الله على سيدنا محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي العالم الفاضل أدامكم الله بخير وعافية ....
في معرض جوابكم عن الهجرة النبوية الشريفة على شارعها أفضل السلام، ذكرتم رواية سيدنا العالم الجليل الحسين بن حمدان الخصيبي (قدس سره) وقد وردت هذه الرواية في كتاب تفسير البرهان للشيخ هاشم البحراني(ج3) مع بعض الاختلاف في الألفاظ. إلا أن "الشيخ البحراني" أورد حديثاً عن مولانا علي بن الحسين (علينا من ذكره السلام) أنه قال:
"ماتت خديجة قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب بعد موت خديجة، فلما فقدهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئم المقام بمكة ودخله حزن شديد، وأشفق على نفسه من كفار قريش، فشكا إلى جبرئيل عليه السلام فأوحى الله عز وجل إليه: أخرج من القرية الظالم أهلها، وهاجر إلى المدينة، فليس لك اليوم بمكة من ناصر، وانصب للمشركين حرباً، فعند ذلك توجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة"
ليقول بعد ذلك (أي الشيخ البحراني) ويعلق على رواية سيدنا الخصيبي (قدس سره)
// فلعل رواية الحسين بن حمدان ببقاء خديجة إلى وقت الهجرة وقعت وهماً من الراوي والله أعلم//

سيدي العالم الكريم نفّعنا الله بعلمكم هل توجد إمكانية لتوضيح هذا الأمر؟

دمتم بخير وعافية وبلّغكم الله المراتب العليّة....
والحمد لله رب العالمين 1

الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين محمد وآل بيته المعصومين.

الأخت المصونة الآنسة فاطمة تحية طيبة وبعد:

  السيرة النبوية الخالدة قِبلة ومَحَجّة لكلّ مسلم، يستلهم منها العبر، وهي واقعٌ تاريخيٌ أصيلٌ لا يتغيّر ولا يتبدّل لا في جزئياته ولا كلياته، إنّما التغييرُ والتبديلُ واقعٌ في طبيعة رُواةِ هذه السيرة الشريفة، بدليل ذلك التضارب الكبير فيما بينهم، فإذا توافقوا على كُلية اختلفوا في جزئية مُلازمة لها، ونادراً ما اتفقوا على تاريخ واقعةٍ، لدرجة اختلافهم في تاريخ ولادة رسول البشرية صلى الله عليه وآله، وهكذا إلى ما لا نهاية له.

  ومع كل ما تقدم فلا بُد لنا من معرفة الحقيقة كما وقعت لا كما أراد البعض أن ينقلها إلينا، ومن هنا بدأت عملية البحث عن الينبوع الصافي لننهل منه ما يُذهِبُ الظَمأ فلم نَجد أدقّ وأصدَقَ من رواية الشيخ الخصيبي الذي روى عن سبعين رجلاً شاهدوا الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام.

  ومن جهة أخرى فالحسين بن حمدان رضي الله عنه لم يَنفرد بهذه الرواية فقط، بل انفرد بما هو أدقّ وأصعب حيث أنّه المُحَدّث الوحيد الذي أثبت عُذرية السيدة خديجة الكبرى رضي الله عنها، وأكّدَ أنها لم تتزوج قبل الرسول مُغايراً بذلك جميع مُحَدّثي السُنّة والشيعة حيث يقول:
وروي أن زينب كانت ربيبة رسول الله صلى الله عليه وآله من جحش بعد خديجة قبل النبي صلى الله عليه وآله ولم يَصِحُّ هذا الخبر ولا مَلَكَ خديجة أحدٌ غيرُ رسول الله، ولا ملك زوجةً غيرها حتى توفيَت.
وهذه الحقيقة التي يُؤكّدها الخصيبي إستناداً إلى رجاله وتحقيقه للروايات لم يُثبتها أيّ مُحَدّث أو مُؤرّخ آخر.

  بالإضافة إلى ذلك فقد انفرد بقضية أخرى حيث أنّه أكد إن لرسول الله صلى الله عليه وآله من خديجة رضي الله عنها سبعة أولاد، فزاد على كُل المؤرخين (الطاهر)، وهكذا، فالقضية قضية تحقيق وتمحيص يقوم بها كلّ مُحَدّث وفق الأصول المُعتمدة في منهاجه.

  وروايته لحديث الهجرة من أكثر الروايات دِقّة حيث أنَه رواه بطريق مُعتبَر يَنتهي بجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه ويَمُرّ أيضاً بأحد ذريّة المعصومين وهو حفيد الإمام الصادق، الحسين بن موسى بن جعفر، لينتهي الحوار بين الإمام الباقر وجابر، وأهل البيت أدرى بما فيه.

  أما قول الشيخ البحراني ( فلعل رواية الحسين بن حمدان ببقاء خديجة إلى وقت الهجرة وقعت وهماً من الراوي والله أعلم)، فغيرُ دقيقٍ لأنّ الوهم يَقعُ في كلمةٍ عابرةٍ ولا يقعُ في كلمةٍ كُرّرَت عدّة مرّات، فلاحظي كيف أنّ ذكر خديجة ورد في الرواية في عدة مواضع:

  • أولها قول أمير المؤمنين عليه السلام للرسول صلى الله عليه وآله: أنا أضجع يا رسول الله في فراشك وتكون خديجة في موضع من الدار.
  • وثانيها في قول رسول الله صلى الله عليه وآله مخاطباً علياً: والله خليفتي عليك وعلى خديجة.
  • وثالثها قيام خديجة في جانب الدار باكية على رسول الله.
  • ورابعها قول أمير المؤمنين للمشركين حين سألوه عمن في الدار فقال: ما فيها إلا خديجة، فقالوا الحسيبة النسيبة.
  • وخامسها حزن رسول الله عليها، ورؤيته لها بعد أن كشف عنه جبريل.
  • ورؤية أبو بكر لها بعد أن مسح الرسول بيده الشريفة على بصره.
فالوهم لا يقع مرات عدة، وهذا التحليل للشيخ البحراني وَهْمٌ وَقعَ فِيهِ، والرواية التي أدلى بها كشاهِدٍ له ضعيفةُ السَنَدِ ولا تلزمنا، لثقتنا برواية الخصيبي.

  وتفسير البرهان للبحراني يشوبه الكثير من الإبهام ولنا عليه الكثير من الملاحظات واكتفي بواحدة منها لا يقبلها من تمسك بولاء أهل البيت، وذلك حين تصدى لشرح الآية الكريمة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ﴾ [البقرة:26]
فأورد روايةً، أُدخل في سندها لتوثيقها، المعلى بن خنيس رضي الله عنه، ومَفادها تأويلي يَدلُّ على أنّ الـ ﴿ بَعُوضَةً ﴾ أمير المؤمنين، و ﴿ مَا فَوْقَهَا ﴾ الرسول، وهذا التأويل مُنافٍ لأبسط قواعد المَذهب. وأنا أُجِلُّ سيدي المعلى بأن يكون طريقاً في روايةِ مثل هذا التأويل، ولا حاجة إلى الإطالة فالقضيةُ واضحةٌ.

  ولذلك فنحن نعتمد روايات شيوخنا الأجلاء الذين نثق بهم وبدقّتهم في التحقيق والتدقيق، والشيوخ الذين رَوى عنهم الخصيبي هُم شيوخ الرواية الذين اعتمَدَ عليهم أكثَرُ الرُّوَاة كالكليني والصفار والطبري الأملي والمسعودي وغيرهم من كبار المُحَدّثين.

والحمد لله رب العالمين

حسين محمد المظلوم
2\10\2011