تحويل يوم الجمعة من يوم عبادة إلى يوم تخريب هو انقلاب على القِيَم الإسلامية | أهميته وفضله واجباته ومستحباته | صلاة الجمعة: تسميتها، أحكامها، شروطها، واجباتها، الخطبتين، الصلاة، المُصلين، الإمام العدل، مواضيعها والهدف منها..

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 24/05/2011 - 16:20

المرسل: أبو إسكندر \21\05\2011م

بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الشيخ حسين محمد المظلوم الفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الفاضل إنّ ليوم الجمعة أهمية كبيرة عند الأمة الإسلامية نرجو منكم أن تبيّنوا لنا فضل هذا اليوم والواجبات والأعمال التي على المسلم تأديتها فيه؟
ما هو هدف صلاة الجمعة ولماذا فُرضت على هذه الأمة؟ وماذا يجب أن تكون مواضيع خطب هذه الصلاة؟
وبرأيكم هل السعي إلى تحويل هذا اليوم المبارك من يوم بركة وعبادة وسلام إلى يوم تخريب وسفك دماء تحت غطاء بعض المطالب المحقة هو أمرٌ بريء وعادي؟! أم أنّه أمرٌ يستهدف المسلمين والدين الإسلامي والبلاد العربية بالدرجة الأولى؟!
ألا يمكن للغرب أن يضيّقوا على المسلمين الذين يعيشون في بلاد الإغتراب فيعملون على منعهم من التجمّع وأداء صلاة الجمعة بحجة أنّ المسلمين إرهابيون ومخربون بدليل ما يحصل في الشرق يوم الجمعة وبعد الصلاة؟...
هل من كلمة يمكن قولها إلى المسلمين في حق يوم الجمعة؟.
شكراً لكم وعظم الله أجركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم الأصغر
أبو إسكندر 1
الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الذي جعل يوم الجمعة عيداً للمؤمنين ووعيداً على المنافقين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين.
الأخ الفاضل السيد أبو اسكندر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إنّ يومَ الجُمُعَة يومٌ عظيمٌ بفضائله، كريمٌ بشمائلِه، فضَلَه اللهُ جلَّ وعلا على سائرِ الأيام، وكرم به ملةَ الإسلام، وجعله عيدًا للمسلمين يجتمعون فيه على توحيدِهِ وتسبيحِهِ، وتهليلِهِ وتكبيرِهِ بقلوبٍ صادقةٍ وألسنٍ ناطقةٍ، وإن فضائلَهُ لا تحصى، لقول رسول الله :

ما طلعت الشمسُ على يوم ولا غربت على يوم أفضل منه، وفيه ساعة لا يوافقها من يدعو فيها الله بخيرٍ إلا أعاذه منه.

وقال :

أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجُمُعَة فإنه يومٌ تُضاعف فيه الأعمال.

إنّ الله سبحانه وتعالى ذكر هذا اليوم في سورة مُفردة، وهذا يدلّ على وجوب القيام بفرائضه، ولكن للجُمُعَة كما هو متفق عليه عند الفقهاء والعلماء، شروط كثيرة يجب معرفتها، كي تأتي صورة العمل صحيحةً ومطابقةً للنصوص المعتبرة.

وقد اختلف العلماء حول وجوبها في عصر الغيبة أو عدمه، فمنهم من قال بوجوبها العيني في عصر الغيبة، ومنهم من لم يشترط الوجوب إلا في ظهور الإمام المهدي، وكلٌ منهما استند إلى ما اعتمده من المصادر الموثقة عنده، وفي كل الأحوال فالآية صريحة في الوجوب. 2 وهي خطابٌ ونداءٌ للمؤمنين تعظيمًا وتشريفًا لهم، وفي هذا (النداء) دليلٌ واضحٌ على إنّ تارك الجمعة من دون علة مُجانب للإيمان، والمراد بالنداء في الآية هو: الآذان والإعلام بدخول وقتها الشرعي.

وسُمّيَ هذا اليوم بالجُمُعَة لاجتماع الناس فيه للصلاة، وكان يُقال له: العروبة، وأول من سمّاه بالجُمُعَة: كعب بن لؤي.

و(السعي) هو المُبالغة في الإتيان وعدم التساهل في ذلك أو الانشغال عنه بحجج غير شرعية ويأتي بمعنى الجهوزية الكاملة بالقيام بمقدماتها المستحبة وآدابها اللازمة.

و(ذِكر الله) هو الصلاة الكاملة المتضمنة حضور القلب والإتيان بكل شروطها وأحكامها.

و(البيع) هو كل ما يشغل العبد عن ذكر الله وقضاء هذا الواجب المقدس، مثل البيع والشراء وما يتعلق بهما وتكاسل وانشغال بالأمور الدنيوية التي لا تُحصى.

فهذه الآية بمجمل مفرداتها تدل على وجوب الصلاة يوم الجمعة جماعةً خلفَ إمامٍ عادلٍ في بيت الله.

أما الدليل على ذلك من السنة الشريفة،

فقول رسول الله : [إنّ الله كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة].

وقال : [الجمعة واجبة على كل مسلم في جماعة].

وقال في خطبة طويلة نختصر منها موضع الحاجة:

[إن الله تبارك وتعالى فرض عليكم الجُمُعَة فمن تركها في حياتي أو بعد موتي استخفافًا أو جحودًا لها فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا حج له، ألا ولا صوم له، ألا ولا بر له حتى يتوب.]

وقال أمير المؤمنين  في بعض خطب الجمعة التي خطبها:

[إن هذا يوم جعله الله لكم عيدًا، وهو سيد أيامكم، وأفضل أعيادكم وقد أمركم الله في كتابه بالسعي فيه إلى ذكره، فلتعظم فيه رغبتكم، ولتخلص نيتكم، واكثروا فيه من التضرع إلى الله، والدعاء ومسألة الرحمة والغفران، فإن الله يستجيب لكل مؤمن دعاءه، ويورد النار كل مستكبر عن عبادته].

فهذه الأحاديث الشريفة تدل على وجوب الجُمُعَة إلى يوم الدين، وتُؤَكد على أنّ تاركها من دون علة لا يُقبل منه عمل إلى أن يَفيء إلى أمر الله جلّ وعلا.

وأمّا القول بأنها (لا تجب إلا في ظهور المهدي) ففيه نظر بحيث أنه لم يثبت لدينا بأنّ الأئمة المعصومين  كانوا يُنَصِّبونَ للناس إمامًا للجُمُعَة، بل أوضحوا لشيعتهم وجوبها مع الإبانة عن أحكامها، قال الإمام الصادق  في صلاة الجمعة: [وإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا، أمَّهُم بعضهم]، فهذا القول لا يدل على حصر الإمامة بالمَنصوب من قِبَل المعصومين، بل أطلقها في الأعلم والأعدل كما ثبت.

ثم إنّ الفقهاء كادوا أن يُجمعوا على أنّ المسلم مُخيّرٌ بينها وبين الظهر، ومنهم من رأى الجمع بينهما احتياطًا، ومن خلال ما ثبت لدينا من الأحاديث الصحيحة فإنّ الجُمُعَة واجبةٌ شرط وجود الإمام العادل الجامع للشرائط، وفي هذه الحالة فإنّ قيامها يجزي عن الظهر، وفي حال عدم وجود الإمام العادل فصلاة الظهر أولى لقول رسول الله  : [ إنّ إمامك شفيعك إلى الله فلا تجعل شفيعك إلى الله سفيهًا أو فاسقًا].

وقال أمير المؤمنين  : [ لا يصح الحكم ولا الحدود، ولا الجُمُعَة إلّا بإمام عدل].

وقال الإمام الباقر : [ صلاة الجُمُعَة فريضة، والاجتماع إليها مع الإمام العدل فريضة، فمن ترك ثلاث جُمَع على هذا، فقد ترك ثلاث فرائض، ولا يترك ثلاث فرائض من غير عِلّةٍ ولا عذرٍ إلاّ: منافق].

وقال الإمام جعفر الصادق : [لا جُمُعَة إلا مع إمام عدل تقي].

أما علة تسميتها بالجُمُعَة

فقد أبان عنها مولانا الصادق  لجابر الجعفي رضوان الله عليه بقوله:

[يا جابر سمى الله الجمعة جمعة لأن الله جمع في ذلك اليوم الأولين والآخرين وجمع ما خلق الله من الجن والأنس وكل شيء خلق ربنا السموات والأرضين والبحار والجنة والنار وكل شيء خلق الله في الميثاق، فأخذ الميثاق منهم بالربوبية، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبّوة، ولعلي عليه السلام بالولاية].

وليوم الجمعة كغيره من العبادات الواجبة مُستحبّات كثيرة نأتي على بيان أبرزها:

الصدقة، الغُسل، تقليم الأظافر، وأخذ الشارب، والسواك، التزين ولبس أجود الثياب، التطيب، السبق والإبكار إلى المسجد، المشي على الأقدام، الصلاة على محمد وآله، التطوع بالنوافل.

وهناك مستحبات عديدة تضمنتها المراجع الفقهية وتحدث عنها الفقهاء بإسهاب فلتُطلب من مَظانها.

وللجمعة أحكام وشروط كغيرها من الواجبات المفروضة:

منها ما هو مقدمات، ومنها ما هو داخل في صميمها، فلا تُقام إلا بتحقق وجودها مُجتمعة، ومُراعاتها بدقة متناهية، فإذا انعدمت إحدى هذه الشروط بطلت الصلاة وهي هذه:

  • يجب أن يكون الإمام عادلاً لعدم جواز الصلاة خلف الفاسق، ومن اضطر للصلاة خلف الإمام الفاسق من باب التقيةً فعليه أداء الظهر أربع ركعات، ويجب أن يكون بالغًا لعدم جواز إمامة القاصر.
  • ويجب أن يكون طاهر المولد لعدم جواز إمامة أبناء الزنا، وسالمًا من العاهات المنفرة لغيره، والعائقة له عن القيام بواجبه، وفصيحًا بليغًا بحيث تكون قراءته وصلاته صحيحتان، وعقيدته صحيحة لعدم جواز إمامة أهل البدع والأهواء، وصادقًا فيما يقول بحيث يوافق قوله فعله، ومن لم يكن كذلك فهو منافق.
  • ويجب أن يخطب قائمًا، وينبغي أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف، ويتردى ببرد يمني أو عدني، وفي حال فقدانهما يجوز بغيرهما، ويستحب أن يعتمد على شيء أثناء الخطبة، ويجب أن يكون الخطيب والإمام واحد إلا للضرورة.
  • ولا يجوز أن يخضع الإمام للسلطان الجائر، أو يخطب بما يُمليه عليه من الأمور المنافية للدين، ومن كان كذلك فلا تجوز إمامته، ولا تجب الصلاة خلفه، ومن اضطر للصلاة خلفه لسببٍ ما فعليه أن يُصلي الظهر أربع ركعات.
    قال رسول الله  : [ إن من اليقين أن لا ترضي أحدًا بسخط الله].

 فيما يتعلق بالخطبتين:

  • يجب تقديم الخطبتين على الصلاة، لقوله تعالى : فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ فلو كان موقع الخطبتين بعد الصلاة لما جاز الانتشار فور انقضاء الصلاة، ويجب أن تكونا في أول الزوال حتى يصير ظل كل شيء مثله، ويجب الفصل بينهما مقدار قراءة سورة الإخلاص.
  • ويجب أن تتضمن الخطبة بعد البسملة حمد الله سبحانه وتعالى وتنزيهه، والصلاة على النبي وآله، وقراءة ما تيسر من آيات الكتاب، مع اشتراط الوعظ، وبيان الأمور التي تهم المسلمين وتنصَبَّ في مصالحهم، ولا يجوز أن تتضمن مدحًا للسلطان الجائر، أو إساءةً للمسلمين، أو إثارةَ الفتن والقلاقل.
  • ويُستحب قصر الخطب، لكراهية الخطب الطويلة التي تُرهق المصلين، فيتجنب الخطيب الإيجاز المُخل والتطويل المُمِل، ويُفضّل خُلُوَّ الخطبة من الكلام المُعقد، لأنّ الغاية الإفهام لا الإبهام، ويجب أن يرفع الخطيب صوته بحيث يُسمع العدد المُعتبر.

فيما يتعلق بالصلاة:

  • - يجب المحافظة على وقت صلاة الجُمُعَة، ووقتُها زوال الشمس، لقول أمير المؤمنين : [ تصلي الجُمُعَة وقت الزوال].
  • - يستحب أن ينادي الإمام للصلاة ثلاث مرات، ويدعو إلى تسوية الصفوف.
  • - يجب الجهر بالحمد والسورة في الركعتين.
  • - يستحب قنوتان وتعقيب.
  • - لا تجوز جُمُعَتين في اقل من فرسخين، وإذا قامتا بَطُلَتَا، وإذا سبقت الواحدة الأخرى ولو بتكبيرة الإحرام صَحَّتِ السّابقة وبَطُلَت المَسبوقة.
  • - لو فاتت الصلاة على أحد فلا تقضى بل يصلى الظهر.
  • - من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة وإن فاتته فليصلِ أربعًا.
  • - إذا اجتمعت الجُمُعَة والعيد فتُصَلّى صلاة العيد ويُرخص للجُمُعَة.

فيما يتعلق بالمصلين:

  • - يُشترط أن لا يقل العدد عن خمسة أشخاص، ولا تنعقد بأحد المعذورين منها، قال الإمام الباقر  : [لا تكون الجماعة بأقل من خمسة].
  • - يجب أن تُصلى جماعة.
  • - يجب ترك البيع والشراء وما يتعلق بهما.
  • - عدم جواز السفر يوم الجُمُعَة إلا لضرورة.
  • - يُستحب السّبق إلى المسجد، ويجب السكينة والوقار، ويستحب الدعاء بالمأثور عن المعصومين  أمام التوجه إلى المسجد.
  • - يُستحب التسليم على الناس.
  • - يُكره تخطي رقاب المصلين.
  • - يجب استماع الخُطبة بإمعان.
  • - لا يجوز الكلام أثناء الخطبة.

المعذورون من صلاة الجمعة: الصغير، الكبير (أي الشيخ الهرم المتهدم)، المجنون، المسافر، العبد، المرأة، المريض، الأعمى.

فهذه هي المستحبات والواجبات الواجب على المسلم مراعاتها إمامًا كان أم مأمومًا.

والهدف من هذه الصلاة بَيّنٌ لكل ذي لُبٍ فهو: اجتماع المسلمين فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [النور 36] ليتوجهوا إلى عبادة إلهٍ واحدٍ بقلوبٍ خاليةٍ من الوساوس، ونفوس مُطمئنةٍ بذكره.

ومواضيع الخطب -كما أسلفنا- يجب أن تُعَمّق الوحدة بين المسلمين، وتدعوا إلى الفضيلة، ونبذ الرذيلة، وتوعية المسلمين من المخاطر المُحدقة بهم.

أما تحويل هذا اليوم المبارك من يوم عبادة إلى يوم تخريب، فهو انقلاب على القِيَم الإسلامية، وخروجٌ على المبدأ الذي لأجله بُنيت المساجد، فهي دور عبادة وألفة واجتماع على طاعة الله ورسوله.

ومن الممكن كما تفضلت في سؤالك أن يستعمل الغرب هذه الحُجج لمنع المسلمين من ممارسة عباداتهم.

وبناءً على ما تقدم فأقول: إنه من الواجب على كل مسلم غيور على دينه أن يُظهره بصورته الحقيقية، ولا يعطي ذريعة للحاقدين للانتقاص منه، بواسطة القيام بهذه الأعمال المُشينة التي لا تنتمي إلى الإسلام الحنيف.

والحمد لله أولاً وأخرًا والصلاة والسلام على محمد وآله.

حسين محمد المظلوم
22\5\2011