البداء

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 10/11/2010 - 18:02

لقد شنّع هذا الكاتب على القائلين بالبداء، وذلك بعد تحريف مفهومه، وأطلق عليهم إسم (الفرقة البدائية) وقال عنهم ما يلي:

( فرقة من غلاة الشيعة جوّزوا البدو على الله تعالى، أي جوّزوا أن يُريد شيئاً ثم يبدو له، أي يظهر عليه ما لم يكن ظاهراً له. وهذه الفرقة يلزمها أن لا يكون الربّ عالماً بعواقب الأمور ) .

أولا:   لا يوجد فرقة إسلامية بهذا الإسم، ولا يوجد من يعتقد هذا الإعتقاد الفاسد الذي ينسب الباري إلى الجهل والعياذ بالله.
ثانياً:   من عنى بغلاة الشيعة الذين يقولون هذا القول الشاذ؟!
فهل قصد الشيعة أم العلويين؟
فإذا كان مراده الشيعة الإمامية فها هو أحد علمائهم الكبار ومراجعهم الثقاة يوضّح معنى البداء في المفهوم الإمامي، وهو الإمام المُصلح الشيخ محمد ياسين آل كاشف الغطاء يقول في كتابه القيّم "أصلُ الشيعة وأصولها":

  مما يُشنّع بين الناس على الشيعة ويزدرس بهم عليهم أيضاً أمران:
الأول: قولهم بـ (البداء) تخيّلاً من المشنعين إنّ البداء الذي يقول به الشيعة هو عبارة عن أن يظهر ويبدو لله عزّ شأنه أمرٌ لم يكن عالماً به !!. وهل هذا إلا الجهل الشنيع، والكفر الفظيع، لاستلزامه الجهل على الله تعالى، وأنّه محلٌّ للحوادث والتغيرات، فيخرج من حظيرة الوجوب إلى مكانة الإمكان، وحاشا الإمامية – بل وسائر فرق الإسلام – من هذه المقالة التي هي عين الجهالة بل الضلالة، اللهم إلا ما يُنسب إلى بعض المُجسمة من المقالات التي هي أشبه بالخرافات منها بالديانات حتى قال بعضهم فيما ينسب الله: أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّا شئتم.

أما (البداء) الذي تقول به الشيعة – والذي هو من أسرار آل محمد ص وآله وغامض علومهم، حتى ورد في أخبارهم الشريفة أنّه: ( ما عُبِدَ الله بشيء مثل القول بالبداء ) ، وأنّه: ( ما عرف الله حق معرفته ولم يعرفه بالبداء ) ، إلى كثير من أمثال ذلك – فهو:
عبارة عن إظهار الله جل شأنه أمراً يرسم في ألواح المحو والإثبات، وربما يطّلع عليه بعض الملائكة المقرّبين، أو أحد الأنبياء والمُرسلين، فيُخبر به النبي والنبي يُخبر به أمّته ثم يقع بعد ذلك خلافه، لأنه جل شأنه محاه وأوجد في الخارج غيره.
وكل ذلك كان جلّت عظمته يعلمه حق العلم، ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطّلع عليه لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا وَليّ مُمتحن، وهذا المقام من العلم هو المعبّر عنه في القرآن الكريم بـ (أم الكتاب) المُشار إليه بقوله تعالى: ﴿ يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ الرعد\39.

ولا يتوهّم الضعيف أنّ هذا الإخفاء والإبداء يكون من قبيل الإغراء بالجهل وبيان خلاف الواقع، فإنّ في ذلك حكماً ومصالح تقصر عنها العقول، وتقف عندها الألباب.
وبالجملة:
فالبداء في عالم التكوين كالنسخ في عالم التشريع، فكما أنّ لنسخ الحكم وتبديله بحكم آخر مصالح واسرار بعضها غامض وبعضها ظاهر، فكذلك في الإخفاء والإبداء في عالم التكوين، على أنّ قسماً من البداء يكون من اطّلاع النفوس المتصلة بالملأ الأعلى على الشيء وعدم البداء يكون من اطّلاع النفوس المتصلة بالملأ الأعلى على الشيء وعدم اطّلاعها على شرطه أو مانعه (مثلاً) أثطْلِعَ عيسى عليه السلام أنّ العروسَ يموت ليلة زفافه ولكن لم يُطلع على أنّ ذلك مشروط بعدم صدقة أهله.
فاتفق أنّ أمّه تصدّقت عنه، وكان عيسى عليه السلام أخبر بموته ليلة عرسه فلم يمت، وسُئِل عن ذلك فقال: لعلكم تصدّقتم عنه، والصدقة تدفع البلاء المُبرم. وهكذا نظائرها.

وقد تكون الفائدة الإمتحان وتوطين النفس كما في قضية أمر إبراهيم بذبح إسماعيل.

ولولا البداء لم يكن وجه للصدقة، ولا للدعاء، ولا للشفاعة، ولا لبكاء الأنبياء والأولياء وشدّة خوفهم وحذرهم من الله، مع أنّهم لم يُخالفوه طرفة عين، إنّما خوفهم من ذلك العلم المصون المخزون الذي لم يطّلع عليه أحد، ومنه يكون البداء.

فهذا مفهوم البداء عند الشيعة الإمامية، أمّا إن كان يقصد العلويين فها هو علامتهم الحكيم، الشيخ عبد اللطيف ابراهيم يُجيب عن سؤال أنس الشقفه حول البداء ويقول:

وسألتم عن البداء ويُراد به الإظهار بعد الإخفاء ومعناه أنّنا نظن حدوث شيء في الكون لسبب من الأسباب ثم يفعل الله ما يُبطل هذا الظن، فالبداء نسخٌ في التكوين، كما أنّ النسخ المعروف نسخٌ في التشريع وليس معناه أنّ الله تعالى يبدو له شيء بعد أن كان خافيا عنه كما يظن البعض وهذا يستلزم نسبته إلى الجهل، تعالى الله عن ذلك.

ومن الأمثلة على البداء ما حُكيَ عن عيسى عليه السلام أنّه أخبر بموت عروس ليلة زفافها فوُجِدَت في الصباح غيرَ ميتةٍ وتحت فراشها حيّةً وعَلِمَ أنّها تصدّقت بصدقة في تلك الليلة فدفع الله عنها الموت وكان الله سبحانه وتعالى قدّر لها أن تموت ليلة زفافها وكان إخبار عيسى عليه السلام بناءً على ما علمه من ذلك التقدير المشروط بعدم تصدّقها ولكن الله سبحانه يعلم أنّها ستتصدّق ولا تموت وعيسى ع لا يعلم ذلك.
هذا هو البداء وما هو إلاّ زيادة في الأعمار والأرزاق والنقصان منها بسبب الأعمال وقد قال الرسول ص وآله: ( البِرُّ يزيد في العُمر ) .

هذا هو مفهوم البداء في الفكر العلوي والذي لا يختلف عن المفهوم الإمامي، لأنهما يَنهلان من مَعينٍ واحدٍ لا يَنضب وهو نهج الأئمة المعصومين عليهم السلام.