نسبة العلويين

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 10/11/2010 - 18:02

بعد هذا البيان نورد ما قاله عن المسلمين العلويين تحديداً ونُعقـّب عليه باختصار:
لقد أتى على ذكرهم في مواضع عدّة وبأسماء مختلفة ونسب إليهم أباطيل نقلها من هنا وهناك، رغم التناقض البارز فيما بينهما.
  في صفحة 189 أطلق عليهم إسم الجبلية، وقال: ( هم الغلاة النصيرية العلوية ويُطلق عليهم إسم الحيدرية ) . واعتبر أنّ الجبلية هو ( إسم من سكن من الحيدرية جبل لبنان ) .
وهذا أمرٌ يُغاير الواقع ويُناقضه فلا وجود للعلويين في جبل لبنان في وقتنا الحاضر، بل إنّ أكثرهم يوجد في شمال لبنان وبعض المناطق الأخرى (كالعاصمة وغيرها) .
أمّا في الماضي وإن كان قد سكن قسمٌ منهم هناك فإنّهم لم يُعرفوا بهذا الإسم (الحيدريّة أو الجبلية)، وهم الذين تعرّضوا لمؤامرات عديدة اضطرّتهم للنزوح قسراً عن تلك المناطق إلى مناطق أكثر أمناً واستقراراً، ولكن هيهات فمن أين لهم أن يحظوا بالأمن وقد جاءهم السيل المملوكي الجارف ليبيدهم عن بكرة أبيهم ويُهَجّرهم من بلادهم ويجعلهم عِرضة لكل معتدٍ أثيم، هذه الحملة الشرسة واللاإنسانية أنتجتها (عبقرية) ابن تيمية الحاقدة والمُتعطشة للدماء.

  ثم قال: ( وكان رأس حيدرية لبنان يقول عن نفسه مرة أنّه محمد المصطفى ومرّة أنّه علي المرتضى ومرّة أنّه محمد بن الحسن المنتظر ) .
كنا نتمنى لو أنّه ذكر لنا إسم هذا الرأس الذي رَأَّسَه علينا، وبما أنّه لم يذكُره فلسنا مُضطرين إلى مُناقشة هذه الآراء السخيفة كمطلقيها من أصحاب العقول الضعيفة، وإنّ عدم ذكر هذا (الرأس) يعود إلى عدم وجوده.

  وفي الصفحة 476 ذكرهم باسم ( الشيعة العلوية ) ، وقال مُعرّفاً عنهم: (هم الذين قالوا بفرض الإمامة لعلي بن أبي طالب ع من الله ومن رسوله ص ) .
أقول:
إنّ هذا الكلام لا خلاف فيه ولا شك يعتريه، ويُقرّه كل مسلم علوي وهو من أصول العقيدة المًسَلّم بها يقينياً والمُتّفق عليهم عندنا، ولكنّ هذا القول ليس من عِنديّاتنا كما يُحاول هذا الكاتب أن يُثبت، بل هو ما جاءنا في كتاب الله تصريحاً، وترجمه رسول الله قولاً وفعلاً وتقريراً. والأدلّة على وجوب إمامة أمير المؤمنين (ع) لا تُحصى أتينا على ذكر بعضها فيما مضى ولا حاجة لنا إلى إعادتها.

  وفي الصفحة 477 قال: ( العلويون هم الشيعة الإمامية الذين يسكنون غالباً سوريا، وتركيا، في اللاذقية، وجبلة، وبانياس، والعمرانية، وصافيتا، وتل كلخ، والإسكندرية، وأنطاكية، وآطنة، وطرطوس ) .

أقول:
مما لا خلاف فيه أنّ العلويين يتواجدون بكَثرة في هذه المناطق ولكن هذا لا يعني عدم وجود غيرهم، ففي هذه المناطق توجد أعدادٌ كبيرةٌ من أبناء الطوائف الأخرى إسلامية ومسيحية، وهم على أتمّ وِفاق فيما بينهم وكذلك لا يعني أنّ وجودهم فيها هو عدم وجودهم في غيرها، فهم متواجدون بكثرة ملحوظة في مدن أخرى كـ ( الشام وحلب وحماه والقنيطرة وطرطوس والجولان ) وغيرها من المدن السورية واللبنانية والتركية والإيرانية وفي بلاد المهجر، فهم منتشرون في سائر أصقاع البلاد شرقها وغربها وشمالها وجنوبها يوحّدهم ويجمعهم صحّة إسلامهم وصِدق إيمانهم وخالص ولائهم لأهل بيت النبوّة عليهم السلام.

  ثم قال:

وهم عدّة فِرق تنتسب أحياناً إلى الجد، كالنواصرة، والجهنية، والرسالنة، والياشوطية، والمهالبة، والخياطية، والحدادين.
وتنسب أحياناً إلى المكان: كالرشاونة، والجردية، والفقاورة، والمتاورة، والدراوشة.
وقد تنسب إلى شخص زعيمها: كالكلاذية، والحيدرية، والماخوسية، أو المواخسة.
كما قد تنسب لصفة من الصفات فيها، كالغيبيّة الذين يؤمنون بالغيب ويقولون بالقدر، والجرانة الذين كانوا يشربون من الجران أيّام انقطاع المطر.

» أمّا قوله من أنّهم ( عِدّة فِرق ) فكلامٌ معلولٌ لا يستند على دليلٍ منقولٍ، ومنطقٍ مقبولٍ. فكان من المُفترض عليه إن كان صادقاً في قوله (وليس كذلك) أن يُقدّم لنا الدليل على صدق دَعواه، ويُبيّن لنا اعتقادات هذه الفِرق المُتعدّدة على حسب زعمه، وهذا دليلٌ على اختلاقه لهذه الأباطيل الواهية والتي نقلها عن ناقلين غير ُمتجرّدين، بهدف الطعن بهذه الفرقة الإسلامية.

» وأمّا هذه الأسماء التي ذكرها فما هي إلا عائلات كريمة كان يسودها رجال علمٍ وإيمانٍ وكان لهم الدّور البارز والفعّال في إرساء قواعد الشرع الحنيف في ربوع هذا الجبل العلوي المُنيف، والذي تصدّى أبناؤه لغارات المُعتدين وغزوات الطامعين من صليبيين وغيرهم في الماضي القريب والبعيد، وكان حافزهم للدفاع عن هذه البقاع عروبتهم الأصيلة التي يفخرون بها وإسلامهم الصادق وإيمانهم الثابت.
فكل هذه العائلات المسلمة العلوية تجتمع تحت لواء الولاية. وفي الماضي القريب حاول الإستعمار الفرنسي البغيض أن يعزف على أوتار العشائرية البغيضة ولكنه فشل بفضل العقلاء والمخلصين من علماء هذا الشعب.

فليس الحدادّي غير الخيّاطي ولا الرسلاني غير المحرزي ولا المحرزي غير الياشوطي وهلمّ جرا، فإنّ أبناء هذه العائلات إخوان على سُرُرٍ مُتقابلين يَجمعهم جَدٌ واحد وهم إمام الهُدى ومَعدن التُقى الإمام الغالب وفارس المشارق والمغارب مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن البديهي القول أنّ أبناء العم وإن اختلفت أسماء آبائهم فإنّ جدّهم واحد وهم أحفاده.
ومن المضحك أن يعتمد هذا الكاتب على هذا التعدّد العائلي والموجود في سائر الطوائف ليتخذه دليلاً له على تعدّد الفرق العلوية، فالعلويون فرقة واحدة ونبيّها واحد وهو الرسول العربي الأمين سيدنا محمد بن عبد الله (ص وآله) ، وإمامها واحد وهو الإمام علي (ع) ومن بعده الحسن المجتبى (ع) حتى الإمام محمد بن الحسن الحجّة القائم عليهم السلام.

  وأمّا قوله: ( وتنسب أحياناً إلى المكان )
فأقول: إنّ نسبة الفئات إلى الأماكن عامة وليست خاصة بمعنى أنّ هذا الأمر ينطبق على الجميع إن صَحّ من حيث الأساس، ولكنه غير صحيح، فلو جارينا هذا الكاتب، وجئناه على قدر عقله وسلّمنا معه جدلاً بصحّة ما ذهب إليه، فهل هذا يعني أنّه كلّما سكنت طائفة ما بمكانٍ ما ولسببٍ ما نُسبت إلى ذلك المكان كإسم تُعرف به وانسلخت عن إسمها الحقيق؟!
لعمري إنّ هذا الكاتب لا يعرف إلى أين هو ذاهب، المهم عنده أن يجد ثغرات حتى يدخل من خلالها وينسج ما يحلو له مع أنّه ليس بالنسّاج الماهر.

  وأمّا قوله : ( وقد تُنسب إلى شخص زعيمها ) .
إنّ لفظة (الزعيم) لا تُعطي المعنى الكامل لقضيّة الإنتساب والأصَح: المُؤَسّس أو الإمام أو المَرجع، ولا تخلو فِرقة إسلامية من قُدوة أو مُؤسّس أو مَرجع تنسب إليه وتعوّل عليه: فالأحناف ينتسبون إلى الإمام أبي حنيفة، والشوافع يُنسبون إلى إمامهم يوسف بن إدريس الشافعي.. الخ.
والعلويون أيضاً يُنسبون إلى إمامهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وليس كما زعم هذا الكاتب من اختلاق (زعماء) وهميين، كما هو دأب الكثير من الكتـّاب الغير منصفين.

  أمّا القول من أنّها ( تُنسب لصفة من الصفات )
فهذا قول غير دقيق وهو ادّعاءٌ باطلٌ، فما من طائفةٍ إلا وتنفرد بصفاتٍ تميّزها عن غيرها، فهل يَصحّ تعريفهم وتسميتهم بها وتجاهل الأسماء الحقيقية التي يتسمّون بها؟
ولو أردنا ضرب الأمثلة على ذلك لاحتجنا إلى وضع كتاب بهذا الخصوص ولخرجنا عن موضوع بحثنا.
» ثم قال هذا الكاتب قولاً نقض به جميع أقواله السابقة وهو قوله: ( ويُنسب العلويين إلى علي بن أبي طالب ) .
فهذا ما أردنا تأكيده مراراً وتكراراً وهو ينسخ جميع ما أثبته ويمحوه ولكنه كعادته عاد للمراوغة والتحريف فقال:

وقيل إنّ إسمهم القديم هو النصيرية أتباع محمد بن نصير البصري الذي كان باباً للحسن العسكري الإمام الحادي عشر، فلما مات ادّعى وكالة ابنه، ثم جحد إمامتهما وادّعاها لنفسه، ثم ادّعى النبوّة، وأخيراً ادّعى الألوهية.

هذا الإدّعاء نقله صاحبنا على علّاته من دون نظر في أبعاده بالإضافة إلى متناقضاته:

أولا:   إنّ كلمة (قيل) لم تكن ذات يوم دليلاً صادقاً، بل أكثر ما تُستعمل في الأخبار الكاذبة والروايات المنسوبة، فالأولى بالمنصف أن يوضـّح من قال ذلك القول.
ثانياً:   إنّ الإسم القديم لهذه الطائفة هو (العلويون)، وأمّا إسم (النصيرية) فأطلق عليهم من جهة الذم والتحقير مع أني لا أرى فيه إلا الشرف والوقار ما دام صاحبه في القمة من الوثاقة والصدق وهو السيد أبو شعيب أوثق جُلساء الإمام الحسن العسكري ع وأعلمهم، وحاشا لأئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً أن يسمحوا للمشبوهين في عقيدتهم أن يكونوا من جلسائهم ومن الرواة عنهم.
ثالثاً:   إنّ هذه التُهَم التي وُجّهت إلى السيد أبي شعيب لا أساس لها من الصحّة، ولم نجد نصاً موثوقاً يؤكّدها وما هي إلا من قبيل الحسد له من بعض مُعاصريه لِما كان يتمتـّع به من الصفات الحميدة، فأرادوا أن يضعوا من مكانته الرفيعة باختلاق هذه التـُهَم الوضيعة، والعياذ بالله أن يجحد أبو شعيب إمامة مواليه وساداته وهو الذي تعرّض لهذه التـُهَم بسبب حبّه لهم وإخلاصه وتفانيه في ولايتهم، فمن كان كذلك فكيف يدّعي ما لا يجوز في عقيدته الواضحة والقائمة على أساس التمسّك بالعروة الوثقى حبل الله المتين.

The website encountered an unexpected error. Please try again later.