الرجعة

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 10/11/2010 - 18:02

أما القول بالرجعة فليست من شرائط الإسلام وإنّما هي من شرائط الإيمان الكامل، فالإيمان بها مُكمّل للإيمان، والجهل بها غير ناقص للإسلام 1 ، والدليل عليها من كتاب الله قوله تعالى ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ . وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ النمل\82\83.

فإنّ (مِنْ) في هذه الآية للتبعيض ولذلك فإنّ هذه الآية لم تتكلم عن يوم القيامة كما يظن البعض لكنها حشرٌ لبعض الأموات وليس كلهم ويوم القيامة كما هو معلوم يُحشر فيه جميع الخلق كما جاء في قوله تعالى ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ سورة الكهف\47.
ودابة الأرض المذكورة في أوّل الآية المباركة التي تظهر في آخر الزمان وتكون من علامات الساعة دليلٌ آخر على أنّ الحشر الذي يُصاحبها فيَحْشُرُ من كل أمّة فوجاً: هو القول بالرجعة.

وقوله تعالى ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ﴾ غافر\11.
إنّ الموت لا يكون إلاّ بعد الحياة فلو مات الإنسان بعد الحياة الدُّنيا ثم أحييَ يوم القيامة فأين الموتة الأخرى؟.
نعم إنّها موتة أولى وإحياءٌ ورجعة لكبار المجرمين ثم موتة وإحياء يوم القيامة وأمّا جهنم فلا يوجد فيها موتة أخرى.

كذلك الأمر في الجنّة وبهذا قال تعالى ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ الدخان\56.

كما وردت الرجعة في قصة عزير عليه السلام في قوله تعالى
﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ البقرة\259.

ووردت في أصحاب موسى عليه السلام في قوله تعالى ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ البقرة\56.

وفي قوله تعالى ﴿ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ﴾ النسا\159.
أورد الزمخشري في كشافه حول تفسير هذه الآية أنّه يجوز أن يُراد منها أن لا يبقى من جميع أهل الكتاب إلا ليؤمن به على أنّ الله يُحييهم من قبورهم في ذلك الزمان ويعلمهم نزوله (أي نزول النبي عيسى عليه السلام) ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم.

وقال تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ﴾ البقرة\243.

فالرجعة وإن لم تكن من أصول عقائد الشيعة الخمسة، ولكنها من ضروريات معتقدهم. ومن توابع عقيدة المهدي المنتظر، وهي من الأشياء التي هوّلها الجمهور على الشيعة، ورموا من اتهموه بها، بالإرتداد.
ويكفي في ذم الرجل أو سفك دمه أن يُقال في حقّه إنّه يقول بالرجعة. مع أنّها –الرجعة- إن دلّت على شيء فهي تدل على قدرة الله العظيم. وهي ممكنة في ذاتها وليست بالأمر المستحيل، بل عودة الحياة بعد الموت واقعٌ كثيراً بشهادة القرآن الكريم الذي قصّ قصة بقرة بني إسرائيل وإحياء الميت في تلك القصة، وقضية طيور إبراهيم الخليل، وقصة عزير وحماره، وهكذا إحياء عيسى بن مريم للموتى.
وهذه كلها شواهد على إحياء الموتى، ولم يبقَ إلا الدليل على ذلك فإن ثبت دليل ذلك وجب على المسلمين كافة الإيمان به والإعتقاد بصحّته، وإلاّ طرحت المسألة وأُعرِضَ عنها، بل ولا يحتاج من قال بها أن يُقابَل بهذا التهويش والتهويل. إذ ليس فيها رَدٌّ على قدرة الله ولا يلزم منها ما يُنافي رسالة محمد بن عبد الله. 2

وخلاصةٌ لما تقدّم نورد ما قاله العلاّمة الحكيم الشيخ عبد اللطيف إبراهيم في جوابه عن السؤال الذي ورده من السيد أنس الشقفه من مدينة حماة مع جملة أسئلة أخرى قال بعد كلام تقدّم له:
( وعلى كل حال فإنّها – أي الرجعة – من الأمور النقلية إن صح النقل بها لزمَ اعتقادها وإلاّ فلا ) .

  • 1 أحمد بن زين الدين الإحساني: كتاب الرجعة
  • 2 كتاب الشيعة والسنّة في الميزان: محاورة مع الشيخ لطف الله الصافي في الرد على افتراءات إحسان إلهي ظهير.