ليس التصوف عِلماً مُستقلاً أو مذهباً منفرداً منافياً للشرع الشريف كما يتوهّم بعضُ القاصرين.. التصوّف هو الإقبال على الله والإدبار عمّا سواه.. التصوف ليس بلبس المرقعات وتعليق الكشاكيل وخرط المسبحات واستعمال الزهد في الظاهر والانشغاف بحب الدنيا في الباطن..

أُضيف بتاريخ الأثنين, 23/04/2012 - 09:02

المرسل: كمال الاحمد \04\04\2012م

سماحة المجيب تحية الاسلام بيننا وبعد
ارجو التكرم بمنحنا حقنا في الاجابة كوننا نسال
اريد حقا ان اعلم شيأًخاصا عن احوال السادة الصوفية واصحاب العمامة الدينية من الفلاسفة والملمحين امثال ابو الجنيد السائح وابو بكر دلف بن جحدر تلميذه وابو يزيد البسطامي 1 سقا الامام الصادق وبعد ان كثر الغلط واللغط بحقهم علما ان ماجاؤا به يعجز عنه علماء هذ الزمان ولو اجتمعوا فلاي حال بدأ هذا الامر واين نسير بضرب سادات الفضيلة إذ انني اجد ان اصحاب الفضيلة ( التي وصفها ارسطو ..) والدعاة العقليين للزهد لايمكن باي حال ان تشرب من بئرهم وتلقي به الحجر وشكرا للسبب بالافادة 2
الجـواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين وأصحابه المنتجبين.

  الأخ الكريم السيد كمال الأحمد تحية الإيمان والإسلام.

  ليس التصوّف عِلماً مُستقلاً أو مذهباً منفرداً منافياً للشرع الشريف كما يتوهّم بعضُ القاصرين الذين لا يُقيمون وزناً للنصوص الدينية ويقيسون الأمور وفق أفكارهم المحدودة وأهوائهم المتباينة، إنّما هو نابعٌ منه من حيث المصدر، أما من حيث اندراجه تحت عنوانٍ مستقلٍ فيُمكن القولُ باستقلاله كمبحثٍ في قائمة المباحث الدينية، وذلك لصعوبة مسالكه ودقّة معارفه، وفي الحقيقة فهو ليس غير الشرع الشريف من حيث المَضمون والغاية.

  فالتصوّف لا يتناقض مع الشريعة لأنّ معارفه وأصوله من نصوصها المَعصومة، ومتى تناقض صُنّفَ بالهَرطقة، والشريعةُ تحوي في طيّاتها معاني التصوف، وهذا معلومٌ عند أربابِ هذا الفن.

  والصوفيُّ هو الذي يعمل على تصفية نفسه من أوهام حِسّه، وهذا لا يكون إلا بالتزام الشريعة اعتقاداً وعَملاً وتأدباً.

  فالإحساسُ السلبيُّ الموجودُ عندَ البعضِ تجاه التصوّف مَنشؤُهُ الانعكاساتُ المُشَوَّهَة التي تركها الذين انتحلوا هذه التسمية، كابن عربي والجيلي وغيرهما من الحلوليين وأصحاب وحدة الوجود، وهم بمنأى عن التصوف الحقيقي، وهلوساتهم عائدةٌ إليهم ولا ذنبَ للتصوّف الصحيح والمُتصوّفين الصادقين.

  فالتصوّف ليس بلبس المُرقعات، وتعليق الكشاكيل، وخرط المسبحات، واستعمال الزهد في الظاهر والانشغاف بحب الدنيا في الباطن، واستهواء الناس وجلب أنظارهم، بل التصوّف هو الإقبال على الله والإدبار عمّا سواه، ويُلَخّص هذا السلوك الشيخ الخصيبي في دُعائِهِ الوارد في أخر مقدمة الهداية حيث يقول:

ولا تَرَنا مِن حيثُ نَهَيْتَنَا ولا تَفْقِدْنَا مِن حَيْثُ أَمَرْتَنَا.

  وقد تسمى التصوّف تصوّفاً، من باب تسميةِ الشيء باسم غايته، لأنّ هدف السالِك هو صفاء النفس من أدرانِ البدنِ وقيودِ المزاجِ وحدودِ الطبيعةِ المُرَكّبةِ.

  فالطعنُ بالتصوّف الصَحيحِ على أساس أنّه هرطقة، نابعٌ من جَهلِ الطاعنِ بأصولِ الشريعة، لأنّ الشريعة تُهذّب النفس الإنسانية مِمّا يُنافي جَوهرها، وليس التصوّف غير هذا.

  ورد في الكافي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بالناس الصُبح فنظر إلى شابٍ في المسجد وهو يَخفق رأسه مُصفراً لونه، قد نَحُفَ جسمه وغارَت عيناه في رأسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف أصبحت يا فلان؟
قال: أصبحت يا رسول الله موقناً.
فعجب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: إنّ لكل يقينٍ حقيقةً فما هي حقيقة يقينك؟
فقال: إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ هواجري، فعزفتْ نفسي عن الدنيا وما فيها، حتى كأني أنظر إلى عَرش ربي وقد نُصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعّمون في الجنة ويتعارفون، وعلى الأرائك متكئون، وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها مُعذّبون مُصطرخون، وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في سامعي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: هذا عبدٌ نوّرَ الله قلبَهُ بالإيمان، ثم قال له: ألزم ما أنتَ عليه.
فقال الشاب: أدعُ الله لي يا رسول الله أن أُرزق الشهادة معك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله، فاستشهد معه بعد تسعة نفر وكان هو العاشر.

  فهذا يُؤكد ما ذكرنا ويُؤيّده ويشيده من أنّ هذا السلوك الإيماني من صميم الشريعة الغراء، لا كما توهّم من تعلّق قلبه بحب الدنيا واستهزأ بالصالحين.

  فالمتصوّفة الإسلاميون حذوَا حذوَ الرواقيين أصحاب المظال تلامذة أفلاطون أبي الفلسفة الإلهية بالرياضات الشاقة والنسك والعزلة عن الناس والزهد بمتاع الدنيا وضنك العيش والغضّ على الشهوات، واشتهر منهم عدّة مشاهير: كأبي ذر الغفاري، وأُوَيس القرني من الصحابة وتابعيهما، كبشار الشعيري، وماهان الأبلي، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجُنيد السائح بن محمد القواريري، وأبي بكر دلف بن جحدر الشبلي، وغيرهم، وهم الذين قيل فيهم شعراً:

إنّ لله عبـــــــــــــاداً فطنـــــــــــاً   طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظـــــروا فيها فلمّــا علمـــوا   أنهـــــا ليست لحيٍّ وَطَنَــــا
جعلوهــا لجــة واتخــــــــــذوا   صـالح الأعمال فيها سُفُنا

  وينتمون بهذه الطريقة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، إذ هو ينبوع الحكمة ومطلع أنوار المعرفة، قال في بعض خطبه يصف السالك بعد كلامٍ طويلٍ:
(قد أحيا عقله، وأمات نفسه، حتى دقَّ جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامعٌ كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأنوار على باب السلامة ودار الكرامة...الخ).

  فقيامُ بعض المتصوّفة بشطحاتٍ حلوليةٍ جعل الكثيرينَ يَنقمون على هذه الطريقة وأهلها، وهذا غيرُ جائزٍ أن يأخذ المجموع بنشازِ الفردِ، بل يجب التفريق بين الأولياء والأدعياء.

  فالكلام عن التصوف وأصوله وقواعده يحتاج إلى كتابٍ مُفردٍ ولكنّنا نكتفي بهذا القدر.

حسين محمد المظلوم
21\4\2012