هل الروح معصومة حتى لا تُخطئ؟!.. لو كانت الروح لا تخطأ ولا تذنب لما استحقت الهبوط من النعيم إلى دار التكليف.. استكمال الصنعة يقتضي التكليف الشرعي، والتكليف الشرعي يشترط المكان المناسب لذلك وهو الأرض.. إن الله تبارك وتعالى لا يفعل بعباده إلاّ الأصلَحَ لهم.

أُضيف بتاريخ الأحد, 26/08/2012 - 03:34

المرسل: كمال الاحمد \18\04\2012م

اود ان اسال سماحة المجيب عن الروح في عالم المثل واني من المسلمين بانها لم تكن ممتزجة وبالتالي لاتخطيء وانا مؤمن انها هبطت استكمالا للصنعة كمثل صناع المرايا فانما يصنعون جرما من البلور ومن ثم يصقلونه جيدا ويطلون وجها منه بماء الفضة لتصح بها المشاهدة وانا من المسلمين ان المزاج ينسب للنفس الانسانية التي وصفها الله تعالى بالامارة بالسوء وهذا مقدر في عالم الانسان .. لكن هناك من تاول انه لطالما ان المعذب والمعاقب والمثاب هي الروح فاذاهي الممتزجة ونسب المزاج للروح وذهب الى ان الروح في الذرو خالطها المزاج لذا هبطت وهنا ارى هذا غير صحيح
1-لضرورات تلك الحضرة التي لاتقبل مثل هذاالاختلاط.
2- لان النتيجة من الهبطة هي التخلص من المزاج والعودة الى ذلك المحل فما النفع من العودة الى مكان مختلط فيه المزاج والفساد.
ارجو الافادة دامت لكم من الله السعادة 1
الجـواب
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين وأصحابه المنتجبين.

  الأخ الكريم السيد كمال الأحمد تحية طيبة وبعد:
تسأل غيرك وتُجيب نفسك، وتأخذ حُكماً نهائية بلا دليل، وتُنهي القضية من دون مُقدمات، وتفرض ما تراه صحيحاً ولا تقبل الغَير، ومع ذلك تسأل وتطلب الإفادة فبماذا نُجيبك!.

  فهل الروح مَعصومةٌ حتى لا تُخطئ كما تقول ؟، وإذا كانت شفافة كما تصِفُها فكيف قَبِلَت التعلّق بهذا الجسم المُرَكّب الكثيف، ولماذا صَدرَت عنها الأخطاء المُتكرّرة إلى آخر ما هنالك من التساؤلات المنطقية.

  تناولتَ هذه القضية من منهجية فلسفية وفق المدرسة الاشراقية المأخوذة أصولها من فلسفة أفلاطون الحكيم دون أن تتحرّى عنها من النصوص الشرعية الحاوية لكُل المَعارف الكُبرى.

  فالقضيةُ ليست بحاجةٍ إلى كثير بحثٍ وتقصي، والرجوع إلى نصوصِ المعصومين يجلي كل غموض، ويُزيل كل التِبَاس.

  قال تعالى: ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة:36]، وقال تعالى: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة:38].

  جاء في أصول الكافي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام أنه سُئِل عن جنة آدم فقال: جنةٌ من جنّات الدنيا يَطلع فيها الشمس والقمر، ولو كان من جِنان الآخرة ما خرّج منها أبداً.
  فهذا القول المعصوم ينفي ما ذكرت من التعليل الذي لم تعطيه الدليل القاطع.

  ثانياً لو كانت الروح لا تخطأ ولا تذنب لما استحقت الهبوط من النعيم إلى دار التكليف.

  ثم أن استكمال الصنعة يقتضي التكليف الشرعي، والتكليف الشرعي يشترط المكان المناسب لذلك وهو الأرض، والكون في ذلك المكان لا يكون من دون سبب وهذا دليل على ضعف النفس وعدم اكتمالها، والدليل بيّن في كتاب الله، والهبوط ليس اجبارياً بل له مجرياته التسلسلية، وكل ما تقدم يتكامل مع طبيعته.

  فالنفوس خُلقت للعبادة المُعَبّر عنها بالمعرفة، والباري عزّ وجل هيّئها لذلك وفَطَرَها عليه وهَيّئ لها أسباب النجاة وأخذ عليها العهد والميثاق في عالم الذر، فلو كانت مُجَرّدة كما تقول لأُضيفت إلى صفوف الملائكة الذين لم يدخلوا ضمن دائرة التكليف المُناط بعالم البشر، فالسير وفق هذا المنهج الشرعي المَعصوم يجلي الحقائق، ولن أطيل في هذا المجال لوضوح مصادره ومُؤَدّاه.

  وأختمُ في هذا الخبر الدال على حقيقة القضية في العِلَل: عن علي بن أحمد، عن محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن جعفر بن سليمان، عن أبي أيوب الخزاز، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لأي علة جعل الله عز وجل الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوته الأعلى في أرفع محل ؟
فقال عليه السلام: إنّ الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها وعلوها متى ما تُرِكَت على حالها نَزَعَ أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عز وجل فجعلها بقدرته في الأبدان التي قدر لها في ابتداء التقدير نظر لها ورحمة بها، وأحْوَجَ بعضها إلى بعض، وعَلّق بعضها على بعض، ورفعَ بعضها على بعض، ورفع بعضها فوق بعضٍ درجات، وكفى بعضها ببعض، وبعث إليهم رُسُلَهُ، واتخذ عليهم حُجَجَهُ مُبَشّرين ومُنذرين، يأمرون بتعاطي العبودية والتواضع لمعبودِهم بالأنواع التي تعبّدَهم بها، ونَصَبَ لهم عُقوبات في العاجل وعُقوبات في الآجل، ومثوبات في العاجل ومثوبات في الآجل ليُرَغّبهم بذلك في الخير ويُزَهّد هم في الشر، وليُذلّهم بطلب المَعاش والمَكاسب، فيعلموا بذلك أنهم بها مَربوبون وعبادٌ مَخلوقون، ويقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيمَ الأبَدِ وجَنّة الخلد، ويأمنوا من النزوع إلى ما ليس لهم بحق.
ثم قال عليه السلام: يا ابن الفضل ! إنّ الله تبارك وتعالى أحسنُ نظرا لعباده منهم لأنفسهم، ألا ترى أنك لا ترى فيهم إلاّ مُحبا للعُلوّ على غيره حتى أنه يكون منهم لمن قد نزع إلى دعوى الربوبية، ومنهم من نزع إلى دعوى النبوة بغير حقها، ومنهم من نزع إلى دعوى الإمامة بغير حقها، وذلك مع ما يَرَونَ في أنفسهم من النقص والعجز والضعف والمهانة والحاجة والفقر والآلام والمُناوبة عليهم والموت الغالب لهم و القاهر لجميعهم. يا ابن الفضل إن الله تبارك وتعالى لا يفعل بعباده إلاّ الأصلَحَ لهم، ولا يَظلِمُ الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون.

حسين محمد المظلوم
19\06\2012