سرّ سجود الملائكة لآدم وامتناع إبليس... إبليس لم يكن من جنس الملائكة المأمورين بالسجود... الملائكة لا يُخالفون الله...

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 22/06/2011 - 03:00

المرسل: علوية حتى النخاع \08\06\2011م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي فضيلة الشيخ أثناء تفكري قليلاً بالآيات الكريمة التي تتكلم عن قصة آدم ورفض ابليس السجود له وماتبع ذلك من أمور ٍخطرت في ذهني بعض التساؤلات التي تحتاج الى توضيح وربما الى تصويب .. حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبه ﴾
نلاحظ في الآية الكريمة أن أمر السجود موجه للملائكة كما يتبين من قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ ﴾ وجاء الرد بالقبول والاستجابة من جميع الملائكة حيث يتبين ذلك من قوله سبحانه: ﴿ فَسَجَدُوا ﴾
وفي موضع آخر ﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾
في حين لم يستجب لأمر الله سبحانه وتعالى إبليس حيث استثني من الحكم بقوله تعالى: ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبه ﴾
ولغوياً يتبين معنا أن المستثنى -وهو ابليس- ليس من جنس المستثنى منه - الملائكة- وهذا يظهر جلياً في قوله تعالى : ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ﴾ وأيضاً في قوله سبحانه مبيناً سبب عكوف ابليس عن السجود : ﴿ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ والمعروف أن من خُلق من نار هم الجن دون الملائكة الذين خلقوا من نور .. فلماذا يشاع ان ابليس كان طاووس الملائكة !!

  وبناء على ماسبق تتضارب عدة أسئلة ببعضها البعض

  • أولها : هل كان أمر السجود لآدم موجه للملائكة والجن معاً على اعتبار ان إبليس لم يكن من الملائكة ولكنه لم ينفذ أمر السجود و باء بسخط الله سبحانه مما يدل أن الأمر كان موجه له أيضاً؟ ولماذا لم يذكر الخطاب الالهي في الآيات الكريمة الجن في أمر السجود أي أنه لم يقل واذ قلنا للملائكة والجن .! أم يرجح الامر لكثرة الملائكة مقارنة بالجن ربما فتوجه الخطاب الالهي لهم من دون ان يكون هناك استثناء لغيرهم!
    وهل كان ابليس الجني الوحيد المأمور بالسجود أم كان معه غيره من الجن لان وجود غيره من الجن يعني أن كل الجن أيضاً سجدوا لآدم ولم يخالف الا ابليس !
    أم أن إبليس هو رمز لكل الجن !!
    وطبعاً السبب الرئيسي في كل تلك الاسئلة هو أني أريد أن أصل الى حقيقة معينة في سر سجود الملائكة والجن لآدم عليه السلام
  • ونأتي الى الاية الكريمة التي تبين سبب عدم سجود إبليس لآدم حيث كان رد ابليس ﴿ أأسجد لمن خلقت طينا ﴾ وفي موضع آخر ﴿ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾
    إذاً كان إبليس يرى أنه أفضل من آدم لأنه خلق من نار وآدم خلق من طين وهنا تتضح لنا نظرة إبليس المادية لمقام التفضيل في تفسيره لأمر الله واتهام الله سبحانه ونسبة الظلم له والعياذ بالله
    وبما ان الله سبحانه وتعالى لا يأمر بحكم عبثي أي أن أمر السجود لآدم لا يمكن أن يكون لطينته كما اعتقد ابليس بجهله وشقائه بل لحكمة إلهية مستودعة فيه عجز ابليس عن ادراكها وإلا فماالحكمة الالهية من جعل النار والنور يسجدان للطين ؟ وقلنا النار رمزاً لخلق الجن والنور رمزاً لخلق الملائكة
    فلو نظرنا نظرة مادية بناء على عنصر الخلق والتكوين كنظرة ابليس والعياذ بالله لوجدنا أن النار والنور فعلاً أفضل من الطين وهذا يقتضي بالتالي أن الجن والملائكة أفضل من آدم لأن عنصر خلقهما أفضل في حال قايسنا على هذا المبدأ وان كان الأمر كذلك فلماذا يأمر الله الفاضل بالسجود للمفضول !! هذا يقتضي نسبة الظلم والعبثية لله جل عن ذلك وتعالى سبحانه ..
    إذاً أفليس هذا دليلاً واضحاً على أنه يجب على الانسان ان يتحرر من نظرته المادية القشرية في تفسيره للأمور وفي الحكم على الفاضل والمفضول وأن ينفذ الى جوهر الامور و يدرك الحكمة الالهية من كل أمر وكل فعل صادر عن الله سبحانه وتعالى !
  • وبالتالي السؤال الأهم ماهي الحكمة الالهية من أمر الله سبحانه لخلقه من ملائكة وجن بالسجود لذلك الجسد الطيني إن لم يكن هناك سر الهي كبير مستودع فيه ؟ فماهو هذا السر الالهي الذي يستوجب السجود له ممن يسبح بحمد الله ويقدسه دون كلل أو ملل ؟!
    ولماذا يتم تفضيل من سيفسد في الارض ويسفك الدماء على من يسبح بحمده ويقدسه
    بناء على قوله تعالى : ﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ﴾ ونحن نعلم أن المقصود بالخليفة في تلك الاية الكريمة هو آدم عليه السلام والمقصود بمن سيفسد ذريته!
    وعن هذا يتفرع مبحث مستقل وأسئلة كثيرة أخرى نؤجلها الى حينها
    وأعتذر إن أسهبت في الكلام وفصلت ولكني كتبت مايدور في ذهني من خواطر بشكل عفوي ومباشر
    وبصراحة الاسئلة كثيرةوأحاول أن ألخص الاهم منها
    وإني أتطلع الى الشرح الشافي منكم حول ماورد
    وجزاكم الله كل خير 1
  • الجـواب

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله المعصومين.

    الأخت العلوية المحترمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

      استدل فقهاؤنا الأقدمون من هذه الآيات على أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة بدليل أن الله أمرهم – أي الملائكة – بالسجود لأدم أبي الأنبياء والمرسلين وأولهم.

    والسجود هنا هو سجود طاعة لا سجود عبادة، لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله تعالى، والدليل على أنّه سجود طاعة قول الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: كان سجودهم لله تعالى عبودية ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا من صلبه.

    فلم يكن سجود الملائكة لصورة آدم الطينية ولا للروح المنفوخة فيه إنّما كان لما يُمثله من كونه أبي الأنبياء والمرسلين الذين أمر الله بطاعتهم في قبول شرائعهم، فالسجود هو سجود طاعة وقبول للشرائع الكامنة في آدم بالقوة والتي ظهرت بالفعل بواسطة ذريته من الأنبياء والمرسلين، وهذا الأمر وإن خص الملائكة في البداية فإنّما ينطبق على سائر البشر المأمورين بعبادة الله وطاعة أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام، والمُستثنى هو إبليس وذريته إلى يوم القيامة والدين.

      واستدلوا أيضاً على أن سوء الاعتقاد - مثل اتهام الباري بفعل القبيح أو القياس الذي يرتكز على الصفة دون الخوض إلى الجوهر - يُبطل العمل، فعبادة إبليس التي ذكرتها بعض الروايات لم تنفعه أمام رفضه أوامر الخالق واتهامه بفعل القبيح وازدرائه بنبي الله آدم عليهم الصلاة والسلام.

      وهنا لا بد لنا من توضيح قضية اعتقادية تتعلق بإبليس:

    كانت فطرة إبليس فطرة الكفر والإباء وترك الطاعة، وبالتالي فإنّ الكفر لم يطرأ عليه بعد أن كان مؤمناً، لأن قوة الإباء عن الإنقياد ذاتية له بحيث لو طرأ الانقياد لكان هو العرض الذي عَرَض عليه.

    فعبادة إبليس كانت مَكراً ودهاءً وقد ظهر ذلك في تركه السجود وهذا بينٌ لا يحتاج إلى دليل.

      وبالعودة إلى أساس الأسئلة فأقول:

    إن إبليس لم يكن من جنس الملائكة المأمورين بالسجود لآدم لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾ [الكهف:50] فهذه الآية توضح حقيقة إبليس أنّه كان من الجن ولم يكن من الملائكة.

    وأوضحت الآية أنّ لإبليس ذريةً، ومعلومٌ أنّ الملائكة روحانيون لا يتناسلون وهم مخلوقون من النور.

    والملائكة لا يُخالفون الله طرفة عين، كيف وهم مفطورون على الطاعة والتسبيح والتقديس، وإبليس فسق عن أمر ربه، والفسوق: هو الخروج عن الطاعة، وهذا الفعل لا يصدر عن ملائكة الله.

    وما تقدّم لا يعني أنّ الله لم يأمره بالسجود بل كان الأمر مُوجّه للجميع، فاستثناء الله إياه منهم لا يدل على كونه من جملتهم، وإنما استثناه منهم لأنه كان مأموراً بالسجود معهم، فلما دخل معهم في الأمر جاز إخراجه بالاستثناء منهم لرفضه الأمر.

      ولمزيد من التوضيح فيما يتعلق بعبادة إبليس الشكلية وقضية كونه مع الملائكة لا منهم ندلي بهذه الرواية القطعية الصدور:

    عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن إبليس أكان من الملائكة ؟ وهل كان يلي من أمر السماء شيئا ؟ قال: لم يكن من الملائكة، ولم يكن يلي من السماء شيئا ، كان من الجن وكان مع الملائكة، وكانت الملائكة تراه أنه منها، وكان الله يعلم أنه ليس منها، فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان.

    فعبادة إبليس لم تكن عبادة يقينية بل استسلاماً وإضماراً ونفاقاً.

      أما قولك أنه يجب على الإنسان أن يتحرر من نظرته المادية القشرية في تفسيره للأمور وفي الحكم على الفاضل والمفضول وأن ينفذ إلى جوهر الأمور و يدرك الحكمة الإلهية من كل أمر وكل فعل صادر عن الله سبحانه وتعالى ! فصحيح بامتياز وهو الواجب على كل باحث، فنظرة إبليس كانت قياسيّة بحيث أنه نظر إلى المحسوس دون المعقول فغاب عن الجوهر بسراب الصفة التي لا تفيد النتيجة بل تطرح الوسيلة والأمثلة على ذلك كثيرة.

      أما آية الخليفة فهي لا تدل على أنّ من يُفسد في الأرض أفضل من المُسبّحين! بل تدل على أنّ الخليفة هو آدم وهو أفضل من الملائكة.. وأنتِ ذكرت ذلك. والملائكة علموا أنّ ذرية أدم ستُفسد في الأرض وتسفك الدماء لعلمها السابق بما ارتكب الجن والنسناس من قَبل فطهر الله الأرض منهم وحينها أُسِر إبليس فأظهر العبادة وأضمر النفاق حتى أظهره في عصيانه أمر الخالق بالسجود لآدم، فردّ الملائكة استفهاميّ وتعظيميّ لقدرة الخالق وليس اعتراضيّ على مشيئته.

      وتزكية الملائكة لأنفسهم هو واقع تكويني لأن الله خلقهم للتسبيح والتقديس وهم مفطورون على ذلك، ولذلك فإنّ العبادة عندهم فطرة وَهبية فلا يصدر عنهم خلافها، أما الإنسان فعبادته أشد وأصعب لجملة تركيبته المُتضادة فهو: برزخٌ بين الوجوب والإمكان، ونمرقة وسطى بين عالمي الأمر والخلق.

    وبالنتيجة فإن استنتاجاتك صائبة وقد أضفت إليها ما يناسب وما التوفيق إلا بالله.

    20\06\2011
    حسين محمد المظلوم