تفسير الآية 70 من سورة الأنعام (الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا....) .. النفس التي ترتكب من المعاصي التي لا تُغفر لا يُمكن لها أن تعدُل لأنها بَلغَت درَجَةَ الخَتمِ على القلوب...

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 04/09/2013 - 12:58

المرسل: أم آريان في 28\06\2013م

تحية مباركة لكم جميعاً
ورد في القرآن الكريم سورة الأنعام الآية 70 قوله تبارك وتعالى : ﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ . صدق الله العظيم،
أتمنى عليكم تفسير هذه الآية لأنني لم أجد لها تفسيراً مقنعاً رغم محاولتي العودة إلى كتب التفاسير المعروفة، ما المقصود هنا بفعل بَسَلَ ؟
وهل يمكن للنفس التي ارتكبت من المعاصي ما لا يمكن غفرانه بأن تعدل ؟
وما هي هذه الدرجة من المعصية التي لا عودة بعدها إلى رحمة الله ؟
شكراً لكم مجهودكم الكريم ودمتم لنا ذخراً ومعيناً ومرجع صدق وثقة. 1
الجـواب
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين.

الآية جَليّة الوضوح في كُتب التفسير:

  تقريب القرآن إلى الأذهان للشيرازي:

﴿ وَذَرِ ﴾ ، أي أترك يا رسول الله ﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا ﴾ المراد من دينهم الذي يتديّنون به من عبادة الأصنام، والمسيحية واليهودية وما أشبه، والمراد باتخاذه لعباً ولهواً أنهم كالأطفال الذين يتّخذون آلة للّعب واللهو فلا علاقة لهم بها إلا علاقة التلاعب، لا إنه دين وَصَلَ إلى أعماق قلوبهم وأخَذَ يوجّه حياتهم، وأما دينهم الذي يجب أن يتديّنوا به -أي الإسلام- ونسبه إليهم لأجل وجوب إتّخاذه ديناً، واتّخذوه لعباً ولهواً، إستهزائهم به كأنه لعب ولهو ﴿ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ زاعمين أنه ليس ورائها شيء وأشغلتهم الدنيا عن الدين ﴿ وَذَكِّرْ ﴾ يا رسول الله هؤلاء الكفار ﴿ بِهِ ﴾ ، أي بالدين ﴿ أَن تُبْسَلَ ﴾ من بَسَلَ بمعنى إستسلم، أي لكي لا تسلّم ﴿ نَفْسٌ ﴾ للهَلَكة ﴿ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ ، أي بسبب عمله، فإنك إن ذكرتَ لعلها تعود إلى الرُشد وتنقذ من الهَلَكة حيث ﴿ لَيْسَ لَهَا ﴾ ، أي للنفس ﴿ مِن دُونِ اللّهِ ﴾ ، أي غير الله ﴿ وَلِيٌّ ﴾ ناصر ينصرها ﴿ وَلاَ شَفِيعٌ ﴾ يشفع لها، فإنّ الشفاعة بيد الله وحده ﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ ﴾ ، أي تفدي بكل ما يمكن جعله فدية لتُنقذ نفسها من العذاب ﴿ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا ﴾ إذ ليس الميزان هناك إلا العمل وحده ﴿ أُوْلَئِكَ ﴾ الذين إتّخذوا دينهم لعباً ولهواً هم ﴿ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ ﴾ ، أي أهلكوا وأُسلموا للهَلَكة ﴿ بِـ ﴾ سبب ﴿ مَا كَسَبُوا ﴾ من الأعمال والعقائد الباطلة ﴿ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ ﴾ ، أي مائهم الذين يشربون إنما هو من حميم جهنم وهو الماء المغلي الحار ﴿ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ، أي مؤلم موجع ﴿ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾ ، أي بسبب كفرهم.

  وفي الميزان في تفسير القرآن:

والمعنى: واترك ﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا ﴾ عَدّ تديّنهم بما يدعوهم إليه هوى أنفسهم لعباً و تلهياً بدينهم، و فيه فرض دين حق لهم و هو الذي دعتهم إليه فِطرتهم، فكان يجب عليهم أن يأخذوا به أخذ جَدّ، و يتحرّزوا به عن الخلط و التحريف، و لكنهم اتخذوه لعباً و لهواً يُقلّبونه كيف شاءوا من حالٍ إلى حالٍ، و يُحوّلونه حَسب ما يأمرهم به هوى أنفسهم من صورةٍ إلى صورة.
  ثم عطف على اتخاذهم الدين لعباً و لهواَ قوله: ﴿ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ لما بينهما من المُلازمة، لأنّ الاسترسال في التمتع من لذائذ الحياة المادية و الجد في اقتنائها يوجبُ الإعراض عن الجدّ في الدين الحق و الهزل و اللعب به.
  ثم قال: ﴿ وَذَكِّرْ بِهِ ﴾ أي بالقرآن حذراً من أن تَبسل أي تمنع نفس بسبب ما كسبت من السيئات أو تسلم نفس مع ما كسبت للمؤاخذة و العقاب، و تلك نفس ليس لها من دون الله ولي و لا شفيع و إن تعدل كل عدل و تفد كل فدية لا يُؤخذ منها، لأن اليوم يوم الجزاء بالأعمال لا يوم البيع و الشراء، أولئك الذين أبسلوا و منعوا من ثواب الله أو أسلموا لعقابه لهم شرابٌ من حميمٍ و عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكفرون.

فهذا بيانها من بعض كتب التفسير وهو غاية في الوضوح.

  فالنفس التي ترتكب من المعاصي التي لا تُغفر لا يُمكن لها أن تعدُل لأنها بَلغَت درَجَةَ الخَتمِ على القلوب، ودَرجة هذه المعاصي هي الكُفر بالله والاستهزاءُ بآياتِه وتكذيبُ الأنبياءِ والمرسلين.

حسين محمد المظلوم
2\9\2013


هنا إعلان هذا الموضوع على صفحتنا في الفايسبوك.