(وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) في مجال التفسير التأويلي يبرز لنا اسم الإمام عليه السلام وهذا صحيح وثابت في منهاجنا.. بين تناول آية في كتاب الله على جهة التأويل أو تناولها على جهة التفسير اللغوي أو البياني..

أُضيف بتاريخ الجمعة, 02/12/2011 - 02:04

المرسل: علوية حتى النخاع \28\11\2011م

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله الأطهار ..
السلام عليكم ورحمة الله ..
بداية كل عام وأنتم بخير ومبارك عليكم السنة الهجرية الجديدة راجية أن تكون سنة خير ومحبة وأمان عليكم وعلى كل الأمة الإسلامية..

  سيدي الشيخ ..
في إحدى آيات الذكر الحكيم يقول الحق جل وعلا مخبراً عن نبيه وخليله ابراهيم عليه الصلاة والسلام بأنه سأله أن يجعل له لسان صدق حيث يقول :
﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ ﴾ / الشعراء
ويقول الحق جل وعلا في آية أخرى : ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾
ذهب الجمهور إلى أن كلمة ﴿ عَلِيًّا ﴾ هي صفة أو نعت للمفعول به ﴿ لِسَانَ ﴾ ..
وهناك بعض الآراء تقول بأن ﴿ عَلِيًّا ﴾ اسم علم وليست صفة .. باعتبار أن الصفة تطابق الموصوف وهذا مايبدو عليه ظاهر الأمر في الآية الكريمة، أي تطابق كلمة ﴿ عَلِيًّا ﴾ مع كلمة ﴿ لِسَانَ ﴾ في التذكير والافراد والنصب والتنكير ..
ولكن مايوهن احتمال أن تكون كلمة ﴿ عَلِيًّا ﴾ صفة -حسب أصحاب الرأي المقابل- أنّ النكرة إذا أضيفت إلى نكرة تصبح معرفة كما في قوله تعالى ﴿ لِسَانَ صِدْقٍ ﴾ .. وبهذا تكون كلمة ﴿ لِسَانَ ﴾ تطابقت مع كلمة ﴿ عَلِيًّا ﴾ في ثلاث أشياء من أصل أربعة يفترض تطابقها بين الصفة والموصوف أي حدث التطابق في التذكير والافراد والنصب ولم يحدث بالتنكير لأن كلمة ﴿ لِسَانَ ﴾ أضيفت لها كلمة ﴿ صِدْقٍ ﴾ فأصبحت معرفة حسب القاعدة المذكورة آنفاً؟
وهذا يضعف احتمال ان تكون كلمة ﴿ عَلِيًّا ﴾ صفة ويُرجّح كونها اسم علم يُعرب على أنه مفعول به ثان للفعل جعلنا خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الفعل (جعل) من الأفعال التي تأخذ مفعولين ولاتكتفي بمفعول واحد ..؟! فما قولكم ؟

  وهناك روايات عن الائمة الأطهار عليهم السلام تقوي هذا الاحتمال مثل :
محمد بن العباس ، عن السياري ، عن يونس بن عبدالرحمان ، قال : قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام :
إن قوماً طالبوني باسم أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب الله عزوجل فقلت لهم من قوله تعالى : ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ فقال : صدقت هو هكذا.
ومثله في بيان التنزيل لابن شهرآشوب : أبو بصير ، عن الصادق عليه السلام ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ يعني علياً أمير المؤمنين عليه السلام.

  وغيرها من الروايات التي تؤيد هذا المعنى .. إضافة الى ماورد في دعاء الندبة حيث يذكر فيه :
وَ بَعْضٌ اتَّخَذْتَهُ لِنَفْسِكَ خَليلاً وَ سَأَلَكَ لِسانَ صِدْقٍ فِي الاْخِرينَ فَاَجَبْتَهُ وَ جَعَلْتَ ذلِكَ عَلِيّاً ..

  الآن ماأريد أن أعرفه منكم شيخنا الفاضل هل أن كلمة -عليا- الواردة في الآية الكريمة حسب رؤيتكم هي اسم علم أي تعني اسم أمير المؤمنين بعينه ؟ وبذلك تكون هناك آية ورد فيها اسم علي عليه السلام صراحة ..!
أم هي نعت وبالتالي تشير الى صفته بحيث وإن كانت بهذاالمعنى فإن المقصود بها واحد وهو أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ؟
وجزاكم الله خيراً.
ودمتم بحفظ الله .. 1

الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين.

الأخت الكريمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  حين نتناول آية في كتاب الله على جهة التأويل فإننا نقف عند حدود قول المعصوم لنأخذ ما أورده على جهة التسليم له، وحين نتناولها على جهة التفسير اللغوي أو البياني فإننا نستعين ببعض قواعد النحو والصرف والإعراب لجلاء بعض المضامين، ولكننا نصطدم بالخلافات الكثيرة بين المدارس اللغوية وخصوصاً مدرستي البصرة والكوفة، فإن تحقّقنا من نتيجة مُعَيّنة وفق مناهج وقواعد إحدى المدرستين يَعترض علينا الفريق الثاني ويُدلي بقواعد المدرسة الثانية فتتضارب الرؤى وتتعدد الوجوه، ولهذا السبب نرى تبايُناً واضحاً بين تفسير وآخر لكتاب الله.

  كان البصريون يأخذون عمّن يثقون بفصاحته وإذا بنوا أصلاً تركوا ما شذّ عنه، وكان الكوفيون يتجَوَّزون في ذلك فيأخذون ما ورد عن العرب ولا يلتفتون إلى ما يَعُدُّه البصريون شاذاً أو ضعيفاً، فقد كان الاختلاف بينهم لغوياً محضاً.

فـ هذا اسم ( إشارة ) وهي تسمية بصرية، واسمه في الاصطلاح الكوفي ( التقريب ).
والصفة والموصوف تسمية بصرية ويُسمّيان في اصطلاح الكوفيين النعت والمنعوت.
ودخول الـ التعريف على الاسم العلم وخروجها بمنزلة سواء عند الكوفيين وهي عند البصريين تُحوّل معنى الاسم.
وخلافهم حول العامل: ما هو عامل النصب في الظرف الواقع خبراً، وما الذي ينصب المفعول معه.
واو رب هل هي التي تعمل الجر، هل يعمل حرف القسم محذوفاً، وعن عامل الجزم في جواب الشرط.
وفيما يتعلق بالحقيقة اللغوية خلافهم حول: لام لعل زائدة أم أصلية، الميم المشددة في اللهم عوض عن حرف نداء أو هي بقية جملة، هل يجوز ترخيم الاسم الثلاثي.
وفيما يتعلق بالحقيقة النحوية: هل رب اسم أم حرف، هل تأتي كي حرف جر، نعم وبئس فعلان أم اسمان، أفعل التعجب اسم أم فعل.
ومن المسائل الخاصة بالإعراب والبناء: المنادى المفرد العلم معرب أم مبني، أي الموصولة معربة دائماً أم مبنية أحياناً، علة بناء الآن، فعل الأمر معرب أم مبني، اسم لا المفرد النكرة معرب أم مبني.
ومن المسائل المتعلقة بالتقديم والتأخير: هل يجوز تقديم معمول اسم الفعل عليه، هل يجوز تقديم خبر ما النافية عليها، هل يجوز تقديم الحال على الفعل العامل فيه، هل يجوز تقديم حرف الاستثناء، هل يتقدم الاسم المنصوب بجواب الشرط.
وغير ذلك من الخلافات المتعلقة بالأوزان والحذف، وما عقب من مناظرات بين سيبويه والكسائي والأصمعي والكسائي، والجرمي والفراء، واليزيدي والكسائي، وعيسى بن عمر الثقفي وأبي عمرو بن العلاء.

  ربما اطلنا قليلاً وسرحنا في هذا السياق الجميل والذي كنا نتمنى أن يستعر ويستمر عوضاً عن الخلاف المذهبي العقيم .

  وبالعودة إلى رحاب الولاية وما سئلتِ عنه فإنّ تعليلك اللغوي صحيح بذاته دونما حاجة إلى تفعيله في مجال التأويل لأنه لا يُبارح فلك التفسير اللغوي، وفي حال توصّلتِ إلى النتيجة المُتوخاة وتلاءمت معك كل النقاط، فإنّ تلك النتيجة تبقى في دائرة الظن إلى أن يَرِدَ النص المَعصوم ليُزيل الظن باليقين القطعي، وهذا ما أردتُ قوله في بداية جوابي.

  والأدلة المعصومة التي أوردتيها فهي صحيحة، ويُتوّجها ما ورد في تفسير القمّي عن الزكي عليه السلام: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُم ﴾ يعني لإبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام ﴿ مِّن رَّحْمَتِنَا ﴾ رسول الله صلى الله عليه وآله ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ يعني أمير المؤمنين.

  ففي مجال التفسير التأويلي يبرز لنا اسم الإمام عليه السلام وهذا صحيح وثابت في منهاجنا.
  وفي مجال التفسير اللغوي فـ ﴿ عَلِيًّا ﴾ عند البصريين فهي صفة للمفعول به ﴿ لِسَانَ ﴾ ، وعند الكوفيين فهي نعت، وفي حال اعتبرنا أنّ ﴿ عَلِيًّا ﴾ اسم علم فإنّه لا يضر في موقع الإعراب لكنه بحاجة إلى حجة لغوية لتوثيقه على أساس قاعدة ثابتة.
أما القول إن كلمة ﴿ عَلِيًّا ﴾ اسم علم يُعرب على أنه مَفعول ثان للفعل ﴿ جَعَلْنَا ﴾ كون هذا الفعل جَعَلَ يَتعدّى إلى مفعولين فيُشترط أن تكون الِصفة مَلمُوحَة، وهذا يحتاج إلى تفصيل تحقيقي، وجُملة ﴿ لِسَانَ صِدْقٍ ﴾ عند علماء البيان مَجاز مُرسل، وهذا الربط هو ما يُسمّى المَعرفة بالإضافة، وهي علاقة بيانيّة، أيّ هذه الإضافة تُبَيّن جِنس المُضاف إليه وتقديرها: لسانٌ مِن صِدق، لأنّ ذِكر اللسان من دون إضافةٍ يَبقى في دائرة الإبهام إلا في حال كان نتيجة لمُقدّمات بَيانِيّة سابقة، وكذلك الأمر فإنّ النَكرة إذا أُضيفَ إلى نَكرة فإنّه يَكتسبُ تخصيصاً، وهذا لا يختلف عن سابقه.
  وفي كل الأحوال فالغاية التأويلية جَلِيّة البُرهان تُغني عن عَنعَنة قيس وتميم، وكَشكَشة ربيعة ومضر، وفَحفَحة هزيل، وعَجعَجة قضاعة.

  ودمت بخير

حسين محمد المظلوم
30\11\2011