لكل ديانةٍ اسمُ كتابها بما يتفق مع لُغة القوم المُنزل لهم.. الكتاب والدين والفرق بينهما.. السّر والحِكمة في ترتيب الآية الكريمة (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ..)..

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 25/10/2011 - 09:16

المرسل: أبو البشائر22\10\2011م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها السادة الكرام، مدير الموقع، وكل من يشارك في هذا الموقع الهادف والموجّه، وللشيخ الكريم الذي ينطق بلسانٍ علوي أمين؛ تحية طيبة لجهودكم ومشاركاتكم وأجوبتكم المسددة والمنوّرة.
موضوع السؤال:
بحسب علمنا البسيط، فإنّا نعلم بأن الإسلام مكمّل لما جاء من قبله من الديانات السماوية، فهو لا ينفيها ولا يلغيها ولكنه متمم لها، فهي جميعها تبشّر بالإسلام، وما يجزم ذلك أنها ديانات سماوية من مصدر واحد، والكتاب المنزّل الأخير "القرآن" يؤكد على ذلك بآيات كريمة كثيرة نذكر منها:
بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الاية رقم 67 من سورة ال عمران.
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ الاية رقم 84 من سورة يونس.
﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ الاية رقم 52 من سورة ال عمران.
﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ الاية رقم 136 من سورة البقرة.
﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ .. آل عمران 19 .
﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ .. أل عمران 64 ."
والقرآن هو الكتاب السماوي الذي حدد دين الإسلام.
ليكون القرآن هو الدستور الذي نعيش على قواعده ونظمه، وما تعذّر علينا فهمه فبالحديث الشريف، وثم بنهج أهل البيت والولاية.
فنرجو من سيادتكم أن تعلمونا: من أين أتت كلمة "قرآن"، وما معانيها، ولماذا سميت هنا بالـ "قرآن"، وسابقاً اختلف اسم الكتاب مع كلّ تنزيل؟.
وهل من فرق بين الكتاب والدين، وما هو؟.

أمّا الجزء الثاني من السؤال
فقد ذكر القرآن في سورة الرحمن على الشكل التالي: ﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ(5) ﴾ . صدق الله العلي العظيم
يا ترى ما سرّ هذا الترتيب في:
- الرحمن ابتداءً
- فتعليم القرآن
- ومن ثمّ خلق الإنسان و...
- فلمن عُلّم قبل الإنسان ولماذا؟.
نرجو من سيادتكم أن تعذرونا إن كان في تعبيرنا عن فهمنا أو سؤالنا من خطأ أو أخطاء، فنرجو التصحيح، وعظم الله أجوركم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 1
الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بصرنا بآيات الكتاب، ووفقنا للدخول إلى مدينة العلم من خير باب، والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الأنجاب.

الأخ الكريم السيد أبو البشائر المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  إنّ وحدة الديانات السماوية لا تشترط تسمية الكتب المُنزلة باسمٍ واحدٍ، فلكل ديانةٍ اسمُ كتابها بما يتفق مع لُغة القوم المُنزل لهم، وفي الحقيقة فإنّها تُسمّى باسمٍ واحدٍ وهو (الكتاب المُنزل)، ونقول في حال الجمع (الكُتب المُنزلة) على الأنبياء والمرسلين، أمّا من حيث التخصيص والتعيين فلكل أُمّة اسم كتابها بلغة قومها.

  أما القرآن فقد ذكرت معناه في سؤال سابق ، فقد سُمّيَ القرآنُ قرآناً كونه مقروءاً، وهذا اللفظ يُطلق على جميع الكتاب المبين، والفرقان هو كل أمر مُحكم في القرآن وسُمّي بذلك لأنّه يُفرّق بين الحق والباطل.

  أما سؤالك عن الكتاب والدين والفرق بينهما، فلا فرق جوهريّ لأنّ الكتاب يَحوي معالم الدين وأحكامه الاعتقادية والفقهية والأخلاقية، والدين في الاصطلاح الشرعي هو: الإنقياد لله عن بصيرةٍ والطاعة له بإخلاص والعمل بأحكامه من أصول اعتقادية وفروع فقهية وآداب أخلاقية، وهو أعَمُّ من الإسلام، والإسلام أخصّ منه، فالدين عند الله الإسلام وهو المُنزل على كافة الأنبياء والمرسلين، ففي حال ذكر الدين مُفرداً لا على التعيين فإنّه يعني هذا المعنى، فهو دين كافة الأنبياء والمرسلين، وحين يُذكر مُرَكّباً( الدين الإسلامي) فإنّ المُراد به الإسلام بالمعنى الأخص الذي يخص الأُمّة الإسلامية.

  وبالنتيجة، فالدين هو: ما حواه القرآن من أحكامٍ متعددةٍ، والقرآن هو: الدستور المعصوم لهذا الدين القَيّم.

  أما السّر والحِكمة في ترتيب الآية الكريمة فجَلي: افتتح الله هذه السورة المباركة باسمٍ من أسمائه الحُسنى وصِفاته العُليا، وهو الرحمن ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ ، تعليماً للعباد بأنّ الرحمة الإلهية تشمل كافة الخلائق، وقد روي عن المعصومين أنّ الرحمن تشمل كافة المخلوقات والرحيم خاص بالمؤمنين، وعليه فإنّ هذه الرحمة في التعليم تشمل سائر العباد لتثبُتَ الحُجّة وتتّضح المَحجة، وما ربك بظلام للعبيد، ﴿ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ أي عَلَّمَ مُحمداً صلى الله عليه وآله القرآن بطريق الوحي، ﴿ خَلَقَ الْإنْسَانَ ﴾ من العَدم إلى الوجود تفضلاً عليهم، ويُراد بالإنسان اسم الجنس أي الناس جميعاً، ﴿ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ أي أسماء كل شيء والكتابة والخط والفهم والإفهام حتى يعرف ما يَقول وما يُقال له ليَفهم عن الله أمره ونهيه لأنه تعالى لا يُكلّف مَن لا يَعقل، لأن ذلك يتنافى مع الحكمة الإلهية.

وهذا الترتيب يوضح معنى ما سألتَ عنه وهو قولك: مَن عُلّمَ قبل الإنسان؟. فقد عَلَّمَ نبيّه منذ يَوم الذر، لأن وجوده سابقٌ لوجودهم، وأحاديث كثيرة تؤكد هذا الإختصاص والفضل.

  ودمتَ بخير.

حسين محمد المظلوم
24\10\2011